09 سبتمبر 2024
الثورات العربية والمستبد الصغير
تصدّرت مطالب الحرية والديمقراطية الواجهة الإعلامية المعبرة عن الثورات العربية، باعتبارها ردا طبيعيا على الممارسات الديكتاتورية والاستبدادية للأنظمة، على مدار السنوات والعقود الماضية. لكن، وعلى الرغم من نجاح بعض الثورات العربية في إسقاط رموز الاستبداد المتمثلة في شخص الرئيس، أو تحييدها، إلا أننا مازلنا نعيش ظروف القمع والاستبداد نفسها التي كانت قائمة قبل الثورات، وبصورة أكبر وأكثر بشاعة وإجراما. حيث تحولت الأنظمة، في غالبية الدول العربية التي شهدت حراكا شعبيا "ثوريا"، إلى آلة إجرام وقتل ذاتية بدايةً، ودولية وإقليمية لاحقا. فها نحن اليوم نعيش مرحلةً من التدهور الإنساني والديمقراطي غير مسبوقة في تاريخنا الحديث، ولا في التاريخ العالمي الراهن، ما يدفعنا إلى التعجب من قدرة هذه الأنظمة على الاستمرار في القتل والإجرام العلني في القرن الـ 21، من دون أي خوفٍ من موقفٍ دولي حازم وواضح تجاهها، فهل ذلك دليلٌ على قوة هذه الأنظمة وجبروتها، أم دليل ضعف النظام الدولي الراهن وعجزه عن لجمها ومنعها ومحاسبتها وفقا للقانون الدولي، أم دليل توافق النظام العالمي مع أنظمتنا بشأن هذه الممارسات الإجرامية ودليل دعمه لها سراً وعلناً أحياناً؟
أضحت الإجابة عن هذا التساؤل غاية في البساطة والسهولة، نظراً لما قدمه النظام العالمي من مساعداتٍ، ومن فرصٍ لأنظمة الإجرام، من أجل سحق الثورات، وتثبيت ركائز الحكم الاستبدادي والمافيوي من جديد، غير أن بعضهم مازال يقع في مصيدة أوهام إنسانية النظام
ترى هذه السياسة العالمية في قوى الإجرام الحالية حليفا اقتصاديا لا غنى عنه، في مقابل خوفٍ وتوجسٍ من الانفجار الشعبي، ومن تبعاته المستقبلية التي قد تحمل بوادر قطيعة نهائية، إذا ما تطوّر الحراك الثوري، استنادا إلى زخم انتصاره على أنظمة الاستبداد والإجرام، وتبنى توجه تقدمي يقوم على استنهاض الصناعة والزراعة المحلية الذي يؤدي إلى إنهاء جميع أشكال التبعية الاقتصادية الحاصلة اليوم، وفي الأمس القريب، برعاية الأنظمة الاستبدادية وحمايتها.
هذه المخاطر والمخاوف التي تحملها المنظومة الدولية قاطبة تجاه الثورات هي الأرضية
وعليه، تصبح جميع التصريحات الرسمية، أخيرا، والتي تدعو إلى التعامل مع الأسد كأهون الشرور، وتدعو إلى التقارب والتعامل مع آلة القتل الروسية والإيرانية، انقلابات ظاهرية في موقف المجتمع الدولي سياسيا وإعلاميا، بينما عمليا هي تجسيدٌ واقعيٌّ وحقيقيٌّ لممارسة النظام العالمي على مدار السنوات السبع الماضية، وتعبيرٌ حقيقيٌّ عن واقع الثورات التي تواجه اليوم وكلاء القمع والقتل المحليين، حلقة أولى في مسار نضالها الذي يفرض عليها التصدّي للنظام العالمي كاملا لاحقا. وهو ما يفرض علينا الكفّ عن التعلق بأوهام نصرة النظام العالمي إرادة الشعوب وحقوقها. ومن دون الخلط بين توجهات النظام العالمي ومواقف المجتمع المدني الدولي الذي يمكننا التواصل معه، من أجل إظهار حقيقة ما يجري لنا ولدولنا راهنا ومستقبلا، وإظهار مسؤولية النظام الدولي عنها سياسيا وأخلاقيا، هذه الحقيقة التي يغيّبها الإعلام العالمي، لدوافع نخبه الاقتصادية المسيرة لمجمل النظام العالمي ومصالحها. فلا خير لثوراتنا العربية من النظام العالمي الذي يوقن أن نجاح الثورات أول مسمار في نعشه، في حين يجمعنا مع كل شعوب العالم هدف العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.