07 نوفمبر 2024
التنصل من المسؤولية أيضا وأيضا
لم يكد المصريون يتلقون خبر فشل المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي، واحتمال نقص مياه نهر النيل الآتية إلى مصر، حتى فجعوا بمأساة هجوم مسجد قرية الروضة في شمال سيناء، الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث. وفي الحدثين، يظل فشل النظام السبب الأكبر لما يحدث، وتستمر محاولة النظام التنصل من أي مسؤولية على عاتقه، وتحميلها لأطراف أخرى.
تناول مقال سابق للكاتب كيف تعامل النظام وأذرعه مع قضية فشل مفاوضات سد النهضة، واليوم نجد تعامل النظام وأذرعه لا يختلف في شيء على الإطلاق، بل وحتى في قضايا كثيرة سابقة، فقد تفتق ذهن أحد أذرع النظام الأكاديمية والإعلامية عن اقتراح غريب، تسليح أهالي سيناء ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وكأن مصر لا توجد فيها قوات جيش أو شرطة على عاتقها هذه المهمة. وطالب نقيب الصحافيين المصريين أهالي سيناء بـ"القصاص" ممن سمّاهم "الإرهابيين الذين يعيشون بينهم" في اتهام واضح وصريح لأهالي سيناء بأنهم مسؤولون عن الحادث، وعليهم مسؤولية "تطهير أنفسهم". وهو ما يذكّرنا بتحميل فرق "الكشافة" التابعة للكنائس المسؤولية عن تفجيراتٍ لحقت بكنائس، وأبرزها تفجير الكنيسة البطرسية، والحديث عن أن الأمن لم يكن مقصرا.
المفارقة أن هذه الاقتراحات تأتي بعد أيام من موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد افتتاح القوات المسلحة مزرعة سمكية، برز فيها عدد من الضباط، وهم يعرّفون أنفسهم باعتبارهم "قائد خط السمك- قائد خط الجمبري- قائد مصنع الثلج.. إلخ"، مع إضافة كلمة "مقاتل" قبل التعريف! فأي قتال هذا الذي يدور داخل مزرعة سمكية؟ وماذا يتبقى من مهام الجيش الذي يتفرّغ للسمك والجمبري، بل ويأتي أحدهم ليطالب بوقاحة بتسليح الأهالي، بدلا من مطالبة النظام بتولي مسؤوليته.
بعد الحادث بساعات، حاول عبد الفتاح السيسي في خطابه طمأنة المصريين ليقول لهم "لا تقلقوا ربنا سينصر أهل الخير وينصر أهل الشر"(!)، وعزف النغمة التي لا يجيد غيرها، هو وأذرع نظامه، وهي أن الحادث جاء نتيجة النجاحات التي حققتها الدولة في الحرب ضد الإرهاب(!)، في استنساخ لطريقة تفكير نظام جمال عبد الناصر بعد نكسة 1967، الذي اعتبر أن مجرد بقائه في سدة الحكم هزيمة لإسرائيل، حتى لو ضاعت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان.
الجديد هذه المرة ظهور نغمة جديدة وجدت صدىً حتى لدى بعض المعارضين، هي أنه لا
ينبغي لنا الحديث عن "تقصير أمني" في هذا الحادث، لأن الضحايا هذه المرة مسلمون ذاهبون لأداء الصلاة في المسجد، وأن أحدا لا يستطيع مراقبة جميع المساجد في البلاد، ولم يكن أحد ليتوقع تنفيذ جريمة بشعة في حق مصلين مسلمين. وهي نغمة مردودٌ عليها ببساطة، لأن تنظيم داعش نفسه كان قد نشر قبل عام تهديدات باستهداف المساجد الصوفية في سيناء، وحدّدها بالاسم، وكان منها مسجد قرية الروضة الذي جرت فيه المجزرة، فإذا لم يكن هذا تقصيرا أمنيا واستخباراتيا فادحا فماذا يكون؟ ولا حاجة للقول طبعا إن هذا المسجد لو كان يشهد مظاهرة معارضة للنظام كان سيكتظ بالمدرعات وقوات الجيش والشرطة، وتتم محاصرته من جميع الجهات، لإجهاض المظاهرة التي سيعتبرها النظام تهديدا للأمن القومي أكبر بعشرات المرات من تهديدات الإرهابيين التي أعلنوا عنها منذ زمن! كما أن يوم المجزرة لم يمر من دون أن يؤكد هذا الكلام، بعدما دهمت قوات الأمن قاعة لعرض الأفلام، ومنعت عرض فيلم أجنبي لأنه يهاجم الشرطة المصرية، هذا هو الأمر الوحيد الذي يجيده الأمن المصري، وهؤلاء هم أعداء الوطن الذين يلقون القبض عليهم بدلا من الإرهابيين.
في ختام اليوم، خرج المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، ليصدر بيانا معتادا عن قيام الجيش بضربات جوية، أسفرت عن مقتل مسلحين وتدمير عرباتهم، ليصبح السؤال المنطقي: إذا كانوا يعرفون مواقع المسلحين ومعلوماتٍ عنهم، فلماذا انتظروا حدوث المجزرة ليقصفوهم، وكيف يصرح المتحدث العسكري ببساطة مذهلة بأن تلك المواقع كانت "في محيط المسجد"، من دون أن يبرّر تركهم في مواقعهم كل تلك المدة حتى ارتكابهم المجزرة؟ لا إجابات سوى المزيد من التهليل للنظام، والهجوم على كل من يسأل وتخوينه.
الشعب، بمسلميه ومسيحييه، هو المسؤول عن وضع البلاد الحالي، وفقا للنظام وأذرعه، بينما السيسي لا يتحمّل المسؤولية عن شيء. بل هو ناجح في نظرهم، على الرغم من تعرّض البلاد لأكبر عملية إرهابية في تاريخ مصر الحديث، واعتداءات إرهابية على كنائس ومساجد ومواقع للجيش والشرطة، وأول استهداف لطائرة منذ حادث اعتداء 11 سبتمبر 2001 (حادث الطائرة الروسية)، وهو ما يذكّر بنكتة الطبيب الذي يخبر رجلا كان ينتظر ولادة طفله أن الأم والجنين ماتا، لكن الممرضة بخير والحمد لله.
تناول مقال سابق للكاتب كيف تعامل النظام وأذرعه مع قضية فشل مفاوضات سد النهضة، واليوم نجد تعامل النظام وأذرعه لا يختلف في شيء على الإطلاق، بل وحتى في قضايا كثيرة سابقة، فقد تفتق ذهن أحد أذرع النظام الأكاديمية والإعلامية عن اقتراح غريب، تسليح أهالي سيناء ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، وكأن مصر لا توجد فيها قوات جيش أو شرطة على عاتقها هذه المهمة. وطالب نقيب الصحافيين المصريين أهالي سيناء بـ"القصاص" ممن سمّاهم "الإرهابيين الذين يعيشون بينهم" في اتهام واضح وصريح لأهالي سيناء بأنهم مسؤولون عن الحادث، وعليهم مسؤولية "تطهير أنفسهم". وهو ما يذكّرنا بتحميل فرق "الكشافة" التابعة للكنائس المسؤولية عن تفجيراتٍ لحقت بكنائس، وأبرزها تفجير الكنيسة البطرسية، والحديث عن أن الأمن لم يكن مقصرا.
المفارقة أن هذه الاقتراحات تأتي بعد أيام من موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد افتتاح القوات المسلحة مزرعة سمكية، برز فيها عدد من الضباط، وهم يعرّفون أنفسهم باعتبارهم "قائد خط السمك- قائد خط الجمبري- قائد مصنع الثلج.. إلخ"، مع إضافة كلمة "مقاتل" قبل التعريف! فأي قتال هذا الذي يدور داخل مزرعة سمكية؟ وماذا يتبقى من مهام الجيش الذي يتفرّغ للسمك والجمبري، بل ويأتي أحدهم ليطالب بوقاحة بتسليح الأهالي، بدلا من مطالبة النظام بتولي مسؤوليته.
بعد الحادث بساعات، حاول عبد الفتاح السيسي في خطابه طمأنة المصريين ليقول لهم "لا تقلقوا ربنا سينصر أهل الخير وينصر أهل الشر"(!)، وعزف النغمة التي لا يجيد غيرها، هو وأذرع نظامه، وهي أن الحادث جاء نتيجة النجاحات التي حققتها الدولة في الحرب ضد الإرهاب(!)، في استنساخ لطريقة تفكير نظام جمال عبد الناصر بعد نكسة 1967، الذي اعتبر أن مجرد بقائه في سدة الحكم هزيمة لإسرائيل، حتى لو ضاعت سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان.
الجديد هذه المرة ظهور نغمة جديدة وجدت صدىً حتى لدى بعض المعارضين، هي أنه لا
في ختام اليوم، خرج المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، ليصدر بيانا معتادا عن قيام الجيش بضربات جوية، أسفرت عن مقتل مسلحين وتدمير عرباتهم، ليصبح السؤال المنطقي: إذا كانوا يعرفون مواقع المسلحين ومعلوماتٍ عنهم، فلماذا انتظروا حدوث المجزرة ليقصفوهم، وكيف يصرح المتحدث العسكري ببساطة مذهلة بأن تلك المواقع كانت "في محيط المسجد"، من دون أن يبرّر تركهم في مواقعهم كل تلك المدة حتى ارتكابهم المجزرة؟ لا إجابات سوى المزيد من التهليل للنظام، والهجوم على كل من يسأل وتخوينه.
الشعب، بمسلميه ومسيحييه، هو المسؤول عن وضع البلاد الحالي، وفقا للنظام وأذرعه، بينما السيسي لا يتحمّل المسؤولية عن شيء. بل هو ناجح في نظرهم، على الرغم من تعرّض البلاد لأكبر عملية إرهابية في تاريخ مصر الحديث، واعتداءات إرهابية على كنائس ومساجد ومواقع للجيش والشرطة، وأول استهداف لطائرة منذ حادث اعتداء 11 سبتمبر 2001 (حادث الطائرة الروسية)، وهو ما يذكّر بنكتة الطبيب الذي يخبر رجلا كان ينتظر ولادة طفله أن الأم والجنين ماتا، لكن الممرضة بخير والحمد لله.