التعليم في مصر... تناقضات تكرّس الطبقية

21 ابريل 2019
تقارير دولية تحذر من تراجع جودة التعليم في مصر(تويتر)
+ الخط -
ينظر الثلاثيني عصام محسن إلى أحذية الجالسين في مطعم قاهري فاره متذكرًا جوعه الشديد وجوع أفراد أسرته، الذي يعيده لتسربه من التعليم، بعدما اضطر للعمل إسكافيًا مثل والده ليتقاضى 5 جنيهات (30 سنتًا) مقابل خياطة زوجي الأحذية.

ويقتضي عمل عصام اليومي أن يخيط 20 زوجًا من الأحذية، وهو ما جعله يعاني من "تنميل" أصابع يده ثم ذراعه، وخاصة في وقت النوم، كما صارت لديه مشاكل صحية في فقرات الرقبة والظهر، لكنه قرر عدم القيام بما طلبه منه الطبيب من تحاليل وصور أشعة، خوفًا من منعه من الاستمرار في العمل وبالطبع التكاليف التي لا يقدر عليها كما يقول.

على النقيض من معاناة عصام التي يرجعها إلى عدم تعلمه، فإن حالة رامي صلاح الدين ابن العائلة الثرية مختلفة، إذ حرص والداه على تعليمه في مدرسة دولية متميزة، بعد أن لاحظا معاناته من نمط التعليم المصري، الذي يرهق الطفل بإلزامه باستيعاب وحفظ موادّ دراسية طويلة ومعقدة لا يحبها ولا يحتاج إليها. وبالفعل درس رامي "غرافيك ديزاينر"، وبعد خبرة لمدة عام عمل بدوام كامل في وكالة تصميم متخصصة، وكان أول راتب له 4000 جنيه في الشهر (233 دولاراً).

ما بين رامي وعصام، تحاول شيماء عبد الله تلمّس مستقبلها في ظل ظروف متوسطة الحال لعائلتها، فوالداها البسيطان حرصا على تعليمها في مدرسة حكومية نموذجية، بمصروفات تزيد عن تلك الحكومية العادية. وبالرغم من أنها تحب الرسم، لكن مجموعها لم يسمح لها إلا بدخول كلية التجارة.

ومنذ كانت شيماء في الفرقة الثانية بالكلية، فكرت أن عليها أن تختار المهنة التي تحلم بها بعيدًا عن شهادة الكلية. وساعدها موقع فيسبوك في التوصل إلى آفاق جديدة خارج التعليم، بعدما اكتشفت دروسًا مجانية في رسم الكرتون، لكنها لم تجد في مدينتها الصغيرة شركات إنتاج يمكنها العمل فيها، بالإضافة إلى ندرة التخصص وحاجته إلى الكثير من التدريب المتواصل؛ وهو ما قتل أحلامها في مهدها.


وتقترن زيادة الفرص التي يحصل عليها الفرد بنوع التعليم الذي يحصل عليه، إذ إن من ينتمون إلى المدارس الحكومية ومنها العامة والتجريبية، ليسوا كمن ينتمون إلى مدارس القوات المسلحة والمدارس الخاصة، ومنها البريطانية والأميركية والفرنسية.

وبينما ينصّ الدستور المصري الصادر عام 2014 على أن التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار.. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، إلا أن تقرير التنافسية العالمية الصادر في عام 2017 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كشف أن مصر في المرتبة 130 من بين 137 دولة في جودة نظام التعليم. أما في تقرير سنة 2018، فقد تغير منهج التقرير الذي يقيس عدة ركائز تنافسية للدولة (التعليم، الصحة، الأداء الاقتصادي)، مقسمًا كل ركيزة إلى مجموعة محاور يتم قياس كل منها، مثل مجموع مهارات الخريجين. وجاء ترتيب مصر فيها في المرتبة 136 من 140 دولة شملها التقرير، ومستوى التفكير النقدي في التعليم، وجاء ترتيب مصر فيه في المرتبة 123.


وتؤكد الدكتورة سلوى إمام، أخصائية الطب النفسي، بأن الحرمان من التعليم يعدّ سببًا أساسيًا للتأثير على الدخل والحياة الاجتماعية للمصريين، وتابعت: "حين يقتصر التعليم الجيد المرتفع التكلفة على الأغنياء، ولا يؤسس محتوى التعليم الحكومي على دراسة جادّة لحاجات المجتمع، وينقصه التنوع الذي يسمح بنموّ المواهب والقدرات لينتج كل منا أفضل ما لديه، يدمر ذلك الفرد والمجتمع".

وتابعت: "كيف يمكن تصور نفسية الإنسان، الذي يرى نفسه محرومًا من استخدام قدراته لإشباع حاجاته الأساسية، غارقًا في الشعور بالحرمان والعجز والدونية واللاجدوى واللامعنى واللاقيمة؟ إذ تتفاعل هذه المشاعر مع معطيات واقع كل فرد، لتنتج حالات مختلفة من الاضطرابات النفسية بكافة مستوياتها الخطرة".