التعديلات الدستورية.. والسيسي الفذّ

07 ابريل 2019
+ الخط -
في مصر اليوم استبدادٌ قلَّ نظيرُه؛ استبداد عبد الفتاح السيسي بالدولة ومؤسساتها (ولعلَّ القضاءَ أخطرُها)، وتكييفٌ للحياة السياسية وللدستور من أجل بقائه في الحكم أطول مدَّة ممكنة، وبأكبر صلاحياتٍ مُستطاعة... لماذا كلُّ هذا القدر من المغامرة والمخاطرة بمصير بلدٍ كبيرٍ، وشعب مُتعَب بسنين من الظلم كالشعب المصري؟ أنْ تُختزَل أمَّة في رجل، لم يُعهَد عليه قدراتٌ أسطورية، أو حتى اجتراحاتٌ سياسية خارقة أو أداء فائق بنتائج مبهرة، داخلياً وخارجياً، إنما كلُّ (مجده) اكتسبه إثر انقلابه على رئيس منتخَب، وبدعم من المؤسسة العسكرية.
يمنع نظام السيسي الاحتجاجاتِ على التعديلات غير الهيِّنة، تُمنَع الأحزاب السياسية، "الحركة المدنية الديمقراطية" مثلاً من تنظيم وقفة احتجاج أمام مقرّ مجلس النواب لإعلان رفضها التعديلات الدستورية، وللمطالبة بوقف حملات القبض والاعتقال على المعارضين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بالاعتراض على الدستور.
قبل ذلك، ليس عبد الفتاح السيسي كالقادة الدكتاتوريين الذين يرون إلى النجاحات الخارجية أنها من أضمَن الوسائل للنجاحات الداخلية، وأنّ من شأن الاستيلاء على أراضٍ جديدة مثلاً الإسهامَ في حلِّ المشكلات الاقتصادية، لكنَّ السيسي وهو لا يُحسَب على القادة الطبيعيين، لا يرنو بعينيه (الصَّقراويين) إلى الخارج، فالعلاقة مع إسرائيل، وهي أكبر مُهدِّدٍ للأمن القومي المصري شهدت تقارُباً ملحوظاً وغيرَ مسبوق كما صرَّح السيسي نفسُه، ثم إنه بعد فشله في الحفاظ على مقدَّرات مصر الحيوية؛ إثر تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير، انقضَّ على الداخل اقتصادياً وقمعياً.
ومن ثمَّ جاءت قضية الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا اللذين اتُّهما بالخيانة العظمى، ألغت نقابةُ المهن التمثيلية المصرية عضويتهما فيها؛ لاشتراكهما في جلسة استماع حضرها عضوٌ في الكونغرس الأميركي بشأن التعديلات الدستورية. ونظام السيسي يتحمَّل المسؤولية الكبرى عن 
هذا الخيار وغيره، لأنه يحُول دون أن ينخرط الشعبُ المصري أو القوى الرافضة التعديلات وطريقة إدارة البلد، في المسالك الطبيعية الذاتية. إنما يتنزّل عليهم بقراراته المصيرية والطويلة الأمد، من عَليائه، وهالته المُخلِّصة. ومن أجل ذلك نراه ينزلق في غير مرّة إلى هجوم صريح على الشعب المصري بأكمله، يتهمُه كأنه يُحمِّله المسؤوليةَ فيما آلت إليه الأوضاعُ في مصر، على الرغم من أن السيسي يعلم أن الشعب المصري ظلَّ عقوداً مُهمَّشاً ومنهوباً. (ولا يزال).
خلاصة الصورة التي يرسمها السيسي لنفسه، صورة القائد المُلْهَم والمفوَّض تفويضاً مطلقاً بحماية مصر، واستنقاذ المصريين، وذلك كله بقبضة قمعية غير مسبوقة.
وهكذا يتماهى السيسي مع رأيٍ مغلوط عن الشعب المصري، عبّرت عنه شخصية مُثبِّطة متنفِّعة، في رواية علاء الأسواني "جمهورية كأن": "الشعب المصري يعشق البطل الدكتاتور، ويحسُّ بالأمان، عندما يخضع للاستبداد"، وهذا ما يتساوق، ويَصْدُر عنه الإعلامُ الموالي والمُطَبِّل للسيسي؛ تضخيم الزعيم، وتضئيل الشعب وقواه السياسية والفكرية؛ ليحتويهم السيسي جميعاً في قبضته، وليكون هو وفريقُه المعبِّر عنهم المفكِّر بالنيابة عنهم.
ولم يكن للسيسي أن يبلغ هذه المقادير من الاستبداد، لولا ارتكانُه إلى دعم المؤسسة العسكرية والجيش، وفي هذا مخاطر كبيرة على رصيد الجيش، وكونه صمام الأمان الذي لا يجوز أن يستهلكه السيسي (ولا غيرُه) بزجِّه في قراراته السياسية؛ فإذا سقط السيسي فليسقط وحدَه. من دون أن تُمَسَّ صورةُ الجيش في الذهنية وفي الوجدان المصري. ولو اكتملت للسيسي صفاتُ الكاريزما الشخصية، وأمكنه الوصول إلى مفاتيح عظمة الشعب المصري، لما انزلق إلى تلك المنطقة الحرجة، والدالَّة على اليأس، بمهاجمته الشعب المصري، علناً وبصراحة، وبعَزْوِه الإخفاق لهم (!).
هذا ولا يمكن الركون إلى نجاحاتٍ اقتصادية، لا يحسُّ المواطن العادي والفئات المُفْقَرة بها، ولا يمكن الاطمئنان إلى استقرار ونموٍّ اقتصادي حقيقي، في ظلّ حكم ضعيف محفوف بمخاطر أمنية وسياسية، ووسط أجواء القمع والكبت.
بمثل هذه الحالة السياسية العربية، ومصر في صميمها، يصعب أن نأمل تصدِّياً مُجْدِياً للمخاطر الكبيرة المحدقة بفلسطين. وفي أجدد تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو: خطة السلام للشرق الأوسط (صفقة القرن) التي تعتزم الولايات المتحدة طرحها، ستتخلَّى عن المعايير القديمة التي تتعلق بقضايا مثل القدس والمستوطنات، مؤكِّداً فشل المقاربة القديمة، وأنَّ إدارة ترامب ستستند إلى الحقائق على الأرض.

الكاتب أسامة عثمان
الكاتب أسامة عثمان
أسامة عثمان
كاتب فلسطيني
أسامة عثمان