التشيع في الجزائر.. خطر الفعل السياسي

02 يوليو 2016
+ الخط -
أثار نشر السفارة العراقية في الجزائر، قبل أيام، إعلاناً على موقعها على الإنترنت، يدعو الجزائريين للاستفادة من تسهيلاتٍ للراغبين في القيام بزيارات دينية إلى العراق، أثار موجة غضب واسعة في الشارع الجزائري، حيث التهبت مواقع التواصل الاجتماعي باتهاماتٍ للسفارة بتزعمها حملة تشيّع، يتعرض لها المجتمع الجزائري الذي يعتنق، في غالبيته الساحقة، المذهب السني المالكي. وعلى الرغم من أن السفارة العراقية في الجزائر قالت إن الانتقادات التي طاولتها، بعد توجيه دعوةٍ للجزائريين للحج إلى مزارات شيعية في العراق حملة مفبركة، إلا أن الإعلان كان قد صدر في الموقع الرسمي للسفارة، ثم تم حذفه، وقُبيل أن يلتقي وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد بن عيسى، السفير العراقي، عبد الرحمن الحسيني.
يبدو رَدّ السفارة العراقية في الجزائر من باب العمل الدبلوماسي الذي يُعيد التذكير في ديباجاتٍ أصبحت مكرورة، بالعلاقات الممتازة بين العراق والجزائر، أو ما جاء في النص "إن الحملة الإعلامية المفبركة، والمبنية على أكاذيب لا يمكن تصديقها، سوف لن تؤثر على العلاقات العراقية الجزائرية التي وصلت إلى درجة كبيرة من النضج". ولكن قراءة متأنية وغير متعجلة، وبدون أحكام مسبقة، لإعلان السفارة العراقية، وردها السريع، وطلب سفيرها لقاء وزير الشؤون الدينية الجزائري على عجل، تُبين، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه السفارة تلعب دوراً أقل ما يقال عنه إنه مريب، حيث تتحدّث الألسن والصحافة عن لجان تشييعٍ وراء أعضاء من السفارة، تنتشر الآن في ربوع الجزائر من أقصاها إلى أقصاها.
جاء في رد الناطق الرسمي باسم السفارة العراقية، أحمد جمال الخميس، قوله للصحافة الجزائرية إن "هناك إعلانات تنشرها سفارات العراق في الخارج بخصوص تقديم تسهيلات للمواطنين الجزائريين، أو غيرهم، ممن يرغبون في زيارة العتبات المقدسة في العراق، وليس للأمر أي علاقة بنشر أي مذهب، سني أو شيعي". ولعل في قول السفارة هذا ما يُؤخذ على محمل الجد في قضية التشيع وحملاته التي تجوب الوطن الإسلامي من إندونيسيا إلى المغرب.
قد يقول قائل إن الأمر منوطٌ باختيارات الناس في معتقداتهم أو تدينهم أو طقوسهم، فتلك أمور شخصية، يتحمل كل فردٍ تحدياتها ومنعطفاتها. ولكن، هل يصبح الأمر كذلك، عندما تتحول المسألة من قضايا فردية بحتة إلى حملاتٍ واسعةٍ تقودها جمعيات وسفارات ودول. فما يثير التساؤل والريبة هو تحوّل تلك الحالات الشخصية إلى قضية رأي عام في قضيةٍ مذهبية، تقودها جمعياتٌ تتلقى دعمها المادي والمعنوي من سفاراتٍ ودولٍ أجنبية، من أجل تغيير مذهب دولةٍ يعتنق شعبها، منذ مئات السنين، المذهب السني المالكي.
لم يأت رد فعل الحكومة الجزائرية مقنعاً أو صارماً تجاه هذه الحملات، وهي التي تُتَّهَمُ من
مشايخ الدين في الجزائر، ومن جمهور العامة، بتقصيرها في مواجهة مدٍّ شيعي، بدأت تبرز تمظهراته في مدنٍ كثيرة، من أقصى الشرق الجزائري إلى أبعد نقطة في غربه. كما أن وزير الشؤون الدينية كثيراً ما قَلَّلَ مما اعتبره تهويلاً في قضية التشيع، وكان قد عبر عن أمله في أن تلتزم البعثات الدبلوماسية بالمهام المنوطة بها، بعيداً عن عقيدة الجزائريين المضبوطة بروح الدستور ونصوص القانون. واكتفى الوزير بلقاء السفير العراقي، بناء على طلب الأخير، وكأن المسألة تهم السفارة العراقية التي تريد أن تُبرئ ذمتها، وتُبعد الشكوك عنها، أكثر مما تهم الدولة الجزائرية التي يحدث الأمر أمام أعينها، وفي داخل بيتها.
يُعيد إعلان السفارة العراقية عن تسهيل زيارة الجزائريين إلى النجف وكربلاء إلى الأذهان تصريحات الزعيم العراقي الشيعي، مقتدى الصدر، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما تحدث عن وجود أقليةٍ شيعيةٍ في الجزائر، وصفها بالأقلية المظلومة. ودعاها إلى الانفتاح على المجتمع، وعدم التقوقع في إقامة الشعائر الدينية وإبداء الرأي، وهو ما سكتت على الرد عنه يومها الوزارة المعنية، بينما اعتبرته تنسيقية الأئمة، وموظفو الشؤون الدينية، إقحاماً للجزائر في أمورٍ لا تعنيها، فهي لم تتدخل من قبل في العراق، ولا تريد من أحدٍ أن يتدخّل في شؤونها.
وقد نفى وزير الشؤون الدينية السابق، بوعبد الله غلام الله، في تصريحات إعلامية، وجود اضطهاد للشيعة في الجزائر، مشيراً إلى وجود أفراد في البلاد ينتمون للمذهب الشيعي، غير أنه لا يوجد تنظيم خاص بهم. في حين قال الوزير الحالي إن "الأئمة منخرطون حالياً في إدارة حملات توعيةٍ لمواجهة حركاتٍ طائفيةٍ معزولة تفرّغت، في مسعاها، لضرب المرجعية الدينية للمجتمع". إلا أن مرجعيات دينية ومجتمعية كثيرة تتهم السفارة الإيرانية مباشرةً بسعيها إلى نشر المذهب الشيعي، عن طريق أشخاصٍ من مختلف الدول العربية مقيمين في الجزائر، خصوصاً من العراق وسورية ولبنان، وبعض الجزائريين الذين تدعوهم إلى زياراتٍ، غلافها طابع علمي أكاديمي وباطنها مذهبي. وقد نال الملحق الثقافي في سفارة إيران في الجزائر، أمير موسوي، نصيبه من الاتهامات، وشُنت عليه حملة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، طالبت بطرده من الجزائر، بدعوى "نشره التشيع تحت غطاء التقارب بين البلدين في المجالين الثقافي والاقتصادي".
تحرّك بعض الجزائريين ضد الملحق الثقافي الإيراني، بعدما اتهموه بالنشاط الكبير بين المتشيعين، من خلال توجيههم ومدّهم بالأموال، وتنظيم رحلات لهم نحو إيران وسورية والعراق، بل ويذهب الاتهام بعيداً إلى حالات تدريبٍ لدى الحرس الثوري على أمور استخباراتية وعسكرية، ناهيك عن قضاء فترات عند رجال دين، خصوصاً في قم والنجف.
لا تبدو هذه الاتهامات وليدة المصادفة والإدعاءات المجانية، فالظهور العلني للمتشيعين واتصالاتهم بالسفارتين، الإيرانية والعراقية، حسب شهودٍ ثقات، لا تدع مجالاً للشك في النيات المقرونة بالعمل الدؤوب الذي بدأ يُؤتي أُكله، من خلال بروز شريحةٍ من الشباب الجزائري تتبنى هذا المذهب الدخيل على المجتمع الجزائري.
وإذا كان بعضهم يعتبرون ما يجري من نقاشٍ ارتفع صوته، في المدة الأخيرة، عقب إعلان السفارة العراقية، مجرد حملةٍ تُثيرها السلفية السياسية في الجزائر التي تريد، حسب رأيهم، نقل المعركة بين السعودية وبعض دول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى إلى الجزائر، فإنه لا يمكن، في هذا السياق، فصل بيان السفارة العراقية في الجزائر عن السياسة الإيرانية العامة التي تبحث، في هذا الظرف بالذات، عن ولاءاتٍ سياسية وموطئ قدم لها في المغرب العربي، يدعمها، في مسعاها المُمَكِّنِ لحكومة بشار الأسد، ولأنصار الله في اليمن، ناهيك عن تدخلها المباشر في الوضع السياسي والعسكري المتأزم في العراق، والذي تلعب اليد الإيرانية فيه دوراً محورياً فاعلاً.
وإذ لا تبدو إثارة قضية التشيّع، في هذه الفترة بالذات، أمراً يسيراً، فذلك لأنها أخذت أبعاداً سياسيةً وتحزباً طائفياً مذهبياً وتدخلاً أجنبياً، حتى وإن كان المجتمع الجزائري مفتوحاً، حيث نجد المتديّن وغير المتدين، ونجد التنوع في المذاهب أيضاً، حيث الأكثرية مالكية، والبقية إباضية وحنفية وحنبلية، وحتى شيعية.
خليل بن الدين
خليل بن الدين
إعلامي جزائري، من مواليد 1962، عمل في الصحافة المكتوبة، وفي التلفزيون الجزائري، وأستاذا مشاركا في قسم الإعلام جامعة وهران، وعمل في تلفزيون دبي كبير مراسلين ومشرف نشرات، ويعمل حالياً في قناة الجزيرة.