التجسس الإماراتي على هواتف إعلاميين غداة حصار قطر: الخوف من الديمقراطية

02 ابريل 2019
استهدف مؤسس العربي الجديد ورئيسها التنفيذي (معتصم الناصر)
+ الخط -
ساعدت مجموعة من خبراء التسلل الإلكتروني الأميركيين، الذين كانوا يعملون سابقاً في المخابرات الأميركية، الإمارات العربية المتحدة في التجسس على مجموعة من الإعلاميين، وبينهم المفكر العربي عزمي بشارة، والرئيس التنفيذي لموقع وصحيفة "العربي الجديد" عبد الرحمن الشيال، والإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، وهي مقدمة برنامج في "بي بي سي عربي"، ورئيس شبكة الجزيرة، وشخصيات إعلامية عربية بارزة أخرى. وبحسب ما نقلت وكالة "رويترز"، في سلسلةٍ جديدة من تحقيقها في القضيّة، فإنّ ذلك الاستهداف حصل عام 2017 إثر حصار دولة قطر.

وعن استهدافه، قال المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، لـ"العربي الجديد": "أعرف منذ مدة أنهم يخترقون هاتفي، ولست مفاجأً من أساليب حلفاء الاستبداد في كل مكان"، مضيفاً "إذا كانوا يلاحقون باحثاً ومثقفاً ويخشون من انتشار الأفكار الديمقراطية والفكر الإنساني الذي أنتجه، فهذه مشكلتهم وليست مشكلتي. ليس عندي ما أخفيه، وحبذا لو قرأوا الكتب (وهي منشورة يسهل الحصول عليها) لكانوا وفّروا على أنفسهم عناء التكنولوجيا والتعاون مع الإسرائيليين والأميركيين للتجسس".
وأضاف بشارة: "بالنسبة لجيزيل خوري (المتهمة) بالتواصل معي، فأنا لا أذكر أي تواصل منذ مقابلات تلفزيونية أجرتها معي قبل ما يقارب 15 عاماً، ما عدا حين عزيتها بوفاة زوجها الكاتب سمير قصير بعد اغتياله. فإذا كانت هذه معلوماتهم، فهذا يعني أنّ قراءة كتبي أيضاً لن تفيدهم".

من جهته، قال عبد الرحمن الشيال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه التصرفات غير مقبولة وتدلّ على مواقف بعض الأنظمة العربية من حريّة الإعلام والصحافة. وحول اختراق هاتفه، أضاف الشيال أنّه كان يشعر بتعطّل بعض الخدمات على هاتفه، ما اضطره إلى فصل الجهاز وإعادته للعمل. 

وتابع "أعتقد أنّ (العربي الجديد) و(التلفزيون العربي) من أهم المنصات الإعلاميّة في العالم العربي وأكثرها استقلاليّة"، مشيراً إلى أنّ خطّ المؤسستين التحريري هو ما يُزعج بعض الأنظمة التي لا تقبل سوى إعلام مطيع ومُوجّه.

وعمل الخبراء الأميركيون لصالح مشروع رايفن، وهو برنامج سري للمخابرات الإماراتية تجسس على منشقين ومتشددين ومعارضين سياسيين للأسرة الحاكمة بالإمارات. وكشفت "رويترز" في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن وجود مشروع رايفن وأنشطته بما في ذلك مراقبته لناشط بريطاني والعديد من الصحافيين الأميركيين الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم.

ووجد الخبراء العاملون في رايفن - ومن بينهم تسعة على الأقل من العاملين السابقين بوكالة الأمن الوطني الأميركية والجيش الأميركي - أنفسهم في قلب نزاع خطير بين حلفاء أميركا الخليجيين. ويبرز دور الخبراء الأميركيين في النزاع كيف أصبح مسؤولو المخابرات الأميركيون السابقون لاعبين رئيسيين في حروب إلكترونية لدول أخرى، دون رقابة تذكر من واشنطن.

وفي يونيو/ حزيران من العام 2017، فرضت دول الإمارات والسعودية والبحرين ومصر حصاراً جوياً وبحرياً وبرياً على دولة قطر وشعبها.



وفي الأسبوع نفسه، بدأ خبراء المشروع رايفن العمل، حيث أطلقوا عمليات لاختراق هواتف
آيفون الخاصة بما لا يقل عن عشرة صحافيين ومسؤولين تنفيذيين بوسائل إعلام كانوا يعتقدون أن لهم صلات بحكومة قطر أو جماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفق ما أظهرته وثائق للبرنامج اطلعت عليها "رويترز"، وأربعة أشخاص من المشاركين في العمليات.

واستهدف رايفن شخصيات إعلامية عربية من أطياف سياسية مختلفة، من الإعلامية جيزيل خوري التي تقيم في بيروت، إلى رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، ومنتج بقناة فضائية في لندن أسسها عضو في جماعة الإخوان المسلمين.

وقال الخبراء السابقون في مشروع رايفن إن الهدف كان العثور على أدلة تظهر أن الأسرة الحاكمة في قطر تؤثر على تغطية الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام، وكشف أي علاقة بين الشبكة التلفزيونية والإخوان المسلمين. ولم يتسن لرويترز تحديد البيانات التي حصل عليها مشروع رايفن.

وقال الملحق الإعلامي بسفارة قطر في واشنطن، جاسم بن منصور آل ثاني: "حكومة قطر لا تطلب أو تسأل أو تفرض على الجزيرة أي أجندة أيا كانت". وأضاف أن الجزيرة "تُعامل مثل أي وسيلة إعلام أخرى محترمة".

ولم ترد وزارة الشؤون الخارجية الإماراتية أو سفارتها في واشنطن على طلبات للتعليق.
وامتنعت وكالة الأمن الوطني الأميركية عن التعليق. كما امتنعت متحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية عن التعليق.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى قطر، دانا شل سميث، إنها ترى من المقلق أن يتمكن مسؤولون سابقون بالمخابرات الأميركية من العمل لصالح حكومة أخرى في استهداف حليف لواشنطن. وقالت إنه ينبغي للولايات المتحدة أن تعزز الإشراف على خبراء التسلل الإلكتروني الذين تدربهم بعد أن يتركوا العمل في المخابرات.
وأضافت في حديث لرويترز: "ينبغي ألا يُسمح لأشخاص يتمتعون بهذه المهارات بتقويض المصالح الأميركية أو العمل بما يتنافى مع القيم الأميركية، سواء عن علم أو دون علم".



وتظهر وثائق رايفن أن من بين الصحافيين العرب الذين تعرضت هواتفهم للاختراق جيزيل خوري، مقدمة برنامج "المشهد" الذي تعرضه قناة "بي بي سي عربي". ويستضيف البرنامج زعماء بالشرق الأوسط لمناقشة الأحداث الجارية. وبعد ثلاثة أيام من بدء الحصار، اخترق خبراء رايفن هاتف آيفون الخاص بها. وتظهر وثائق برنامج رايفن أنه جرى استهدافها بسبب اتصالها بالمفكّر العربي عزمي بشارة.

وقالت جيزيل خوري في مقابلة بعدما أبلغتها رويترز باختراق هاتفها: "عليهم أن يمضوا وقتهم في تحسين أحوال بلدهم واقتصاده، وليس في جعل جيزيل خوري هدفاً للتسلل الإلكتروني".

وأظهرت مقابلات ووثائق أن الأميركيين الذين عملوا في مشروع رايفن استهدفوا في 19 يونيو/ حزيران 2017، فيصل القاسم، مقدم برنامج الجزيرة الشهير "الاتجاه المعاكس".
وقال القاسم بعدما أبلغته رويترز باختراق هاتفه، إنه لم يفاجأ باستهدافه من قِبل الإمارات التي يتهمها بأنها "رمز للفساد والسياسة القذرة". وأضاف "باختصار، إنهم يخافون الحقيقة".

وفي ذلك اليوم نفسه، استهدف خبراء رايفن هاتف آيفون رئيس مجلس إدارة الجزيرة حمد بن ثامر بن محمد آل ثاني. ورفض حمد التعقيب، من خلال متحدث باسم الجزيرة.

واستخدم خبراء التسلل في هجماتهم سلاحاً إلكترونياً يسمى "كارما". و"كارما" سمح لهم بالتسلل إلى هواتف آيفون بمجرد إدخال رقم الهاتف أو عنوان بريد إلكتروني للشخص
المستهدف في البرنامج الهجومي. وعلى خلاف برامج تصيد أخرى كثيرة، لم يكن كارما يتطلب من الهدف أن يضغط على رابط يتم إرساله إلى الآيفون، وفق ما ذكرته المصادر. وامتنعت أبل المنتجة لآيفون عن التعليق.

وسمح (كارما) لخبراء رايفن بالوصول إلى جهات الاتصال والرسائل والصور وبيانات أخرى مخزنة في أجهزة آيفون. لكنه لم يسمح لهم بمراقبة المكالمات الهاتفية.

ورغم أن خبراء رايفن اخترقوا الهواتف، إلا أنهم لم يطلعوا بشكل كامل على البيانات التي حصلوا عليها حيث كانوا يقومون بإحالتها إلى مسؤولي المخابرات الإماراتية الذين يشرفون على العملية. ولم يتضح ما الذي عثروا عليه.

وفي يناير/ كانون الثاني، سأل صحافيون وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في نيويورك عن مشروع رايفن بعد نشر التقرير الأول لرويترز. وأقر قرقاش بأن بلاده لديها "قدرة إلكترونية" لكنه لم يتحدث بشكل خاص عن البرنامج. ونفى استهداف مواطنين أميركيين أو دول ترتبط معها الإمارات العربية المتحدة بعلاقات طيبة.



* الحلقة الأميركية في مساعي التجسس

أنشأت الإمارات المشروع رايفن في العام 2009 بمساعدة متعاقدين ممن كانوا يعملون في المخابرات الأميركية ومسؤولين كبار آخرين ممن عملوا في البيت الأبيض في إدارة جورج دبليو بوش. وامتنع مجلس الأمن القومي الأميركي عن التعليق على هذا المشروع.

في البداية كان الهدف هو "تضييق الخناق على الإرهاب بمساعدة الإمارات في مراقبة ذوي الأفكار المتطرفة في المنطقة"، بحسب زعمهم. لكن الوثائق تبين أن مهمة المشروع سرعان ما توسعت لتشمل المراقبة وقمع مجموعة من خصوم الإمارات السياسيين.
واستهدف المشروع بين ما استهدف قطر التي تتهمها الإمارات والسعودية منذ مدة طويلة بدعم المعارضة السياسية في أنحاء المنطقة من خلال وسائل من بينها تمويل الحكومة القطرية لقناة "الجزيرة".

وقالت المستشارة السابقة لشؤون المنطقة بمجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إليزا كاتالانو أيوارز، إن قناة الجزيرة "اعتُبرت أداة لتأجيج الاضطرابات الشعبية".
وقال الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي انتخب عام 2011 بعد إطاحة انتفاضة الربيع العربي بالرئيس زين العابدين بن علي، إن تغطية قناة الجزيرة للاحتجاجات "كان لها أثر نفسي هائل" على المتظاهرين.
وأضاف أن التغطية كانت بمثابة رسالة للمحتجين أن "هذه المعركة تحدث في كل مكان ولستم وحدكم".



وقال القاسم، مقدم البرامج الذي اخترق المشروع رايفن هاتفه، إن قناة الجزيرة تقدم كل الآراء دونما رقابة. وأضاف "يمكن للشارع والشعب العربي أن يقرر ما هو الصواب".

وبدافع التوجس من نمو نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" في المنطقة بعد احتجاجات 2011 شنت الإمارات حملة على عشرات الإسلاميين المشتبه بهم، وكثيرون منهم أدينوا بالتخطيط للإطاحة بالحكومة. وفي 2014 أعلنت الإمارات رسمياً جماعة الإخوان والجماعات المنتسبة إليها محليا منظمات إرهابية.

كما استغل الإماراتيون المشروع رايفن في مسعى احتواء المعارضة في الداخل وذلك وفقاً لما قاله عاملون سابقون في المشروع ولوثائقه. وفي السنوات التي أعقبت انتفاضات الربيع العربي تزايد تكليف العاملين في مشروع رايفن باستهداف ناشطي حقوق الإنسان وصحافيين ممن كانوا يشككون في الحكومة.

* استهداف الصحافيين

في يونيو/ حزيران 2017 وبعدما بدأت دول خليجية حصارها لقطر، صعدت الإمارات جهودها للتجسس على صحافيين كانت هناك شواهد على أن لهم صلات بقطر. وفي ذلك الشهر توسعت مهمة المشروع رايفن في ما يتعلق بقطر، فزاد عدد المكلفين بالعمل في تلك المهمة من اثنين متفرغين لها إلى سبعة.

وتبيّن وثائق المشروع أن العاملين في رايفن اخترقوا في 20 يونيو/ حزيران هاتف "آيفون" الخاص بعبد الله العذبة، رئيس تحرير صحيفة "العرب"، أقدم الصحف القطرية.

وفي مقابلة مع رويترز، قال العذبة إنه يعتقد أنه تم استهدافه "لأنني مؤيد للربيع العربي منذ البداية" ولأنه انتقد الإماراتيين مرارا على معارضتهم لهذه الحركة.

وتجاوز المشروع منطقة الشرق الأوسط. فقد استخدم العاملون أداة التجسس كارما في استهداف الهواتف المحمولة لشخصيات إعلامية أخرى كانت الامارات تعتقد أن قطر تدعمها، بمن في ذلك صحافيون بمنفذين إعلاميين عربيين يعملان انطلاقا من لندن، هما "التلفزيون العربي" و"الحوار". وللشبكتين قنوات باللغة العربية لها شعبية في الشرق الأوسط.



وقال المتحدث القطري آل ثاني إن الحكومة لا تدعم التلفزيون العربي ولا قناة الحوار ولا صحيفة العرب.

ويتبع التلفزيون العربي والموقع الإلكتروني الذي يحمل الاسم نفسه لشركة فضاءات ميديا المحدودة التي تتخذ من لندن مقراً لها.

وقال الشيال لـ"رويترز"، إن هذا المنفذ الإعلامي يعتبر نفسه صوت العرب "العلمانيين والليبراليين والمؤيدين للديمقراطية".

وتبين وثائق المشروع رايفن أن هاتف الشيال وهاتفي اثنين آخرين من العاملين في "العربي"
 تعرضت للاختراق في الأسابيع التي تلت بداية الحصار. وقال الشيال في مكالمة هاتفية "هو اتجاه مقلق للغاية أن تستخدم دولة كل هذه الأشياء للتجسس على من ينتقدونها".

كما تم استهداف بشارة، مؤسس "العربي الجديد". وقال لرويترز إنه يعتبر منفذه الإعلامي "مستقل نسبيا" في إطار العالم العربي. وأضاف بشارة "لا أحد يحدد لنا ما نقوله"، رغم أنه "في بعض الأحيان قد تشعر الصحيفة بحساسية مما لا يصح أن يقال، لأنك لست موجوداً هناك لاستفزاز الناس الذين يمولونك".

واستهدف المشروع رايفن قناة "الحوار" الفضائية في اليوم الذي بدأت فيه حصار قطر. وقال مؤسس قناة الحوار، عزام التميمي، إنه يعتقد أن الإمارات تخشى تأييد قناته للإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي.

وقال التميمي لرويترز إنه عضو قديم في الإخوان المسلمين ومن أنصار حركة حماس الفلسطينية. وامتنع التميمي عن قول ما إذا كانت القناة تحصل على أموال من الحكومة القطرية، لكنه قال إنه يقبل أي دعم بشرط ألا يكون مشروطاً. وقال إن القناة تتيح المجال لمجموعة من الآراء وتشجع الحوار. لكن ثمة قيوداً. وقال هاتفياً "أغلبية مشاهدينا مسلمون. ولن نسوق أفكارا غريبة على ثقافتنا. هذا ما يجعل لنا شعبية".
المساهمون