البصرة: محتجون بأعداد قليلة يواجهون عنف الأمن

17 يناير 2019
يؤكّد متظاهرون الاستمرار بالحراك حتى تحقيق مطالبهم(حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -


لم تنته احتجاجات مدينة البصرة العراقية بصورة كاملة، لكن أعداد المتظاهرين من الشباب المطالبين بتوفير فرص عمل، وتحسين الأحوال المعيشية والخدمية، تراجعت بشكل ملحوظ، فمن عشرات آلاف المواطنين الذين نزلوا إلى شوارع المدينة في يوليو/ تموز الماضي، إلى بضع عشرات متفرقين يطالبون بأن يفي المسؤولون بوعودهم، في مركز المدينة، وتحديداً بالقرب من مبنى المحافظة. لكن ومع قلة أعداد المتظاهرين، ازداد قمع القوات العسكرية للمحتجين، حتى وصل في الأيام الأخيرة إلى فتح النيران وتفريقهم عبر الرصاص الحي، وهو ما منعه رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، إبان تسلمه المنصب.

ومرّت تظاهرات الجنوب بمراحل عدة، أولاها المطالبة عبر شعارات ويافطات تحمل أبرز المطالب، وصولاً إلى اقتحام المباني الحكومية وحرقها، وهو ما حصل في البصرة في سبتمبر/ أيلول 2018، وحرق القنصلية الإيرانية، واستخدام المولوتوف الحارق ضد عناصر الأمن الذين اتُهموا بقتل متظاهرين. في حين برز في الأيام الأخيرة استخدام الحجارة لضرب عناصر قوات "مكافحة الشغب" الذين تسبّبوا بأضرار جسدية لعدد من المحتجين بعد ضربهم بالغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وحذّرت تنسيقية تظاهرات البصرة (الجهة المسؤولة عن تنظيم التظاهرات في المحافظة)، أخيراً، من تداعيات الصدام مع المتظاهرين، رافضة في بيان "بشكل قاطع الاعتداء على المتظاهرين السلميين"، وداعية "إلى وقف التعسف الحاصل شمال البصرة". وهددت التنسيقية بـ"نزول الجماهير إلى شوارع المحافظة"، داعية الحكومة إلى "إيقاف الإجراءات الأمنية، ومن ثم التحقيق بالأحداث التي جرت ومحاسبة المعتدين على المتظاهرين المطالبين بحقوقهم".

في السياق، قال الناشط من البصرة، علي واثق، لـ"العربي الجديد"، إن "أعضاء اللجان التنسيقية يركزون دائماً على أن تكون التظاهرات سلمية، ولكن مع استمرار القوات الأمنية بالقمع وفتح النيران وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع، لم يعد المتظاهرون قادرون على الالتزام بسلميتهم، فقد توجهوا خلال الأيام الماضية لاستخدام الحجارة ضد العناصر الأمنية غير المنضبطة"، موضحاً أن "أعداد المتظاهرين لم تصمد بوجه الاعتقالات والتعنيف القاسي الذي واجهه المحتجون، وقلّت بشكل واضح، وفي مناطق عديدة من البصرة لم يعد سكانها يتظاهرون بسبب الاعتقالات التي فاقت التوقعات، إذ قامت القوات الأمنية باعتقال المراهقين حتى، ولكن مع ذلك ستتواصل التظاهرات حتى استجابة السلطات لمطالب البصريين".
وأكد واثق أن "المطالب لم تتغير منذ ستة أشهر ولغاية الآن، وهي لا تتعدى تحسين الواقع الخدمي وتوفير مياه الشرب، وتوفير فرص العمل للعاطلين، بالإضافة إلى الكشف عن وضع المعتقلين منذ أربعة أشهر بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات، والإفراج عنهم تنفيذاً لقرار رئيس مجلس الوزراء، عادل عبد المهدي، الذي قضى بالإفراج عن المعتقلين على خلفية التظاهرات".


من جهته، أكد المسؤول المحلي في البصرة، عبد الحسين المنصوري، أن "تعامل القوات الأمنية مع المتظاهرين يزداد قسوة يوماً بعد يوم، حتى وصل أخيراً إلى إطلاق الرصاص الحي، وهو أمر مرفوض محلياً وحكومياً"، موضحاً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "القادة العسكريين يتحججون بأن المتظاهرين ينوون اقتحام شركات النفط في شمال البصرة، وهو عذر قبيح وغير حقيقي، لذا ندعو رئيس الحكومة إلى فصل بعض العناصر غير المنضبطة التي تسبّبت بمقتل متظاهرين وجرح آخرين، وقد تقتل متظاهرين في التظاهرات المقبلة".

ولفت المنصوري إلى أن "تنسيقيات تظاهرات البصرة تعتقد أن لنا صلاحية في توقيف العناصر الأمنية التي تعتدي على المتظاهرين، إلا أن الحقيقة هي أننا أقل من أن نتعامل مع السلك العسكري، خصوصاً أن رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، وقبل انتهاء حكمه، أشبع المدينة بعناصر أمن ليسوا من البصرة، وهم كانوا قد شاركوا بعمليات التحرير والحرب على تنظيم داعش، وهم حالياً يتعاملون مع المتظاهرين كإرهابيين"، مستدركاً أن "المجالس المحلية في البصرة، تعمل على تشكيل لجان تحقيق بشأن الأحداث الأخيرة، وعودة استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين".

أما النائب في البرلمان العراقي عن البصرة، عدي عواد، فقال إن "البصرة التي تمتلك أكبر ثروة نفطية في العراق، وتغذي 60 في المائة من ميزانية البلاد المالية، تنتظر من يعطف عليها بالمياه الصالحة للشرب". وقال عواد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين في البصرة يشعرون اليوم بأن طريقهم مسدود في تحقيق مطالبهم بعد ستة أشهر من التظاهر، إذ لم يلقَ أي مطلب نتيجته الإيجابية، حتى آلاف فرص العمل التي أطلقتها الحكومة، ما هي إلا بطولات إعلامية لا جدوى منها"، مشيراً إلى أن "البرلمان ومنظمات المجتمع المدني ومفوضية حقوق الإنسان، قلقون من تصاعد وتيرة العنف الذي تمارسه القوات الأمنية بحق المتظاهرين، لا سيما مع استمرار سقوط المصابين من صفوف المتظاهرين، وكذلك استمرار الاعتقالات".

من جهته، رأى المحلل والمراقب للشأن المحلي، عبد الله الركابي، أن "تظاهرات البصرة تراجعت كثيراً في الوقت الحالي، بسبب القمع الأمني، إلا أن سخونة الأوضاع ستعود من جديد، مع انتهاء فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة في الجنوب، إذ إن درجات الحرارة المرتفعة وتردي الخدمات سيعيدان التظاهرات إلى حجمها السابق، وقد تكون أخطر". وأشار الركابي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التخوّف الوحيد على تظاهرات البصرة هو الاستيلاء عليها من قبل الأحزاب، التي تحاول بكل الطرق الوصول إلى مركز الاحتجاج، وتغيير شكل المطالب، لتتحوّل إلى سياسية بحتة"، مضيفاً أنه "إذا عادت التظاهرات من جديد، وبقوة أكبر، فإن الحكومة العراقية لن تستطيع المحافظة على نفسها، وقد يخرج مدنيو بغداد لمساندة البصرة، وقد نشهد أحداثاً فوضوياً، واقتحاماً جديداً للمنطقة الخضراء".

وكانت مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، قد أبدت، يوم الإثنين الماضي، قلقها من حصول احتجاجات عنيفة شمال المحافظة. وذكر مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في بيان، أنه "يتابع بقلق تطورات حركة الاحتجاجات في قضاء المدينة الواقع شمال البصرة، وحدوث إصابات واعتقالات"، داعياً "الحكومة المحلية، وعلى رأسها المحافظ، للعمل على احتواء الأوضاع، والاستماع إلى مطالب المتظاهرين، وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وعدم استخدام الرصاص الحي ضدهم". كذلك دعا المكتب في بيانه الحكومة المركزية إلى "النظر بأوضاع البصرة بجدية، وتوفير فرص عمل للعاطلين فيها، ومراجعة ملف عقود الشركات النفطية من حيث جعل الأسبقية في التشغيل لأبناء المحافظة"، محذراً "من تداعيات تكرار الوعود غير النافذة، وترك الأمور من دون معالجات حقيقية".

المساهمون