البرلمان المصري يمهّد لـ"مذبحة عمالية" بقانون جديد

16 أكتوبر 2018
نصّ القانون على تشغيل الأطفال دون سن 18(فرانس برس)
+ الخط -
"المبالغة في إعطاء الحقوق للعمال في القانون الجديد يدمّر مستقبل الاستثمار"، بهذه الكلمات عبر رئيس لجنة الصناعة في البرلمان المصري، محمد فرج عامر، عن موقف اللجنة أخيراً من قانون العمل الذي ينتظره الملايين من المصريين العاملين في القطاع الخاص، وينحاز في مسودته الحالية إلى مصالح أصحاب الأعمال، إذ جرّم حق الإضراب للعمال، المكفول دستورياً، وقنّن عمالة الأطفال دون السن القانوني.

ومن المرتقب أن يقرّ مجلس النواب قانون العمل الجديد، خلال جلساته المنعقدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك بعدما أثارت مسودته حالة من الغضب داخل الأوساط العمالية، واعتبر قياديون نقابيون أنها "تمهّد لمذبحة عمالية"، ما دفع لجنة القوى العاملة في البرلمان إلى إعادة مشروع القانون إلى وزارة القوى العاملة مجدداً، بغرض إدخال تعديلات على بعض مواده ولا سيما المتعلقة بالمرأة والطفل، لتجنّب تصادمها مع نصوص الدستور.

ونصّ مشروع القانون على تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة لمدة 6 ساعات يومياً، تتخلّلها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وكذلك نصّ على عدم تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية، وهو ما يتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقّعة عليها مصر في مجال حقوق الإنسان، وتحظر عمالة الأطفال قبل بلوغهم السن القانوني.

وترفض الحكومة المصرية مطالب أعضاء لجنة القوى العاملة في البرلمان بإخضاع العاملات في الخدمة المنزلية إلى أحكام القانون، وهو ما يعرّضهن للضرر البالغ وضياع حقوقهن، بحجة أنّ عمال المنازل لهم ظروف خاصة، ولا يجوز تفتيش المنازل إلا بإذن من النيابة العامة. في حين يسمح التشريع الجديد بعمل المرأة المصرية كخادمة في الخارج، من دون التقيّد بشروط محددة، أو إعطاء ضمانات لها.

وبحسب وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان، محمد وهب الله، فإنّ مشروع القانون يخاطب نحو 26 مليون مصري يعملون في القطاع الخاص، ويستهدف إعادة تنظيم العلاقة على ضوء السلبيات التي شابت تطبيق قانون العمل الصادر عام 2003، موضحاً أنّ اللجنة تعتزم عقد جلسة أو اثنتين للحوار المجتمعي، للاستماع إلى مطالب ممثلي النقابات العمالية، وأصحاب العمل، بهدف تقريب وجهات النظر بينهم حول مواد القانون.

وأضاف وهب الله في تصريح خاص، أنّ "القانون تضمّن العديد من النصوص الإيجابية للعمال، مثل إلغاء (استمارة 6) المتعلقة بالفصل التعسفي، وإلزام صاحب العمل بالتأمين على جميع العاملين، واللجوء إلى المحاكم العمالية للفصل في المشكلات والقضايا المتعلقة بالعمال"، معتبراً أنّ "القانون من شأنه الحدّ من أزمة ارتفاع معدلات البطالة، والمساهمة في زيادة إقبال الشباب على العمل بشركات القطاع الخاص".

وكالات التشغيل

اللافت أنّ لجنة العمال في حزب المحافظين، الذي يوالي الحكومة، وينتمي إليه وهب الله، أعلنت رفضها لمشروع القانون، كونه يعمل على قوننة "وكالات التشغيل الخاصة" التي تورد العمالة إلى الشركات والمصانع، وتتسبب في إهدار حقوق العامل المادية في العلاوات الخاصة، ونصيبه من الأرباح، وغيرها من المستحقات المالية، منبهةّ إلى أنّ هذه الشركات "تعدّ باباً خلفياً للفصل التعسفي للعاملين، ومن أهم أسباب عزوفهم عن الالتحاق بالقطاع الخاص".

وأفادت اللجنة بأنّ القانون اشترط تقديم المفوّض عن العمال مستنداً رسمياً عند التحكيم، وهو ما يمثّل شرطاً تعجيزياً للعمال، لأنّ المستند الرسمي لا بدّ أن يختم بشعار الجمهورية الصادر عن الشهر العقاري، وبالتالي موافقة الطرفين كتابة، على تحويل موضوع النزاع إلى التحكيم، الأمر الذي يجعل صاحب العمل هو الطرف الأقوى، ويمكنه من رفض التوقيع أو الجلوس مع العمال للتفاوض من الأصل. 


غلاء المعيشة

وشملت ملاحظات حزب المحافظين مادة استحقاق العاملين علاوة في أول يناير/كانون الثاني من كل سنوية دورية بنسبة 7 في المائة من الأجر التأميني، إذ أغفل التشريع نسبة العلاوة الخاصة (غلاء المعيشة) المحددة بواقع 10 في المائة للعاملين في القطاع الحكومي في أوّل يوليو/تموز من كل عام، بالرغم من أنّها تعمل على سدّ الفجوة "الرهيبة" بين ارتفاع الأسعار والأجور المتدنية للعاملين، وهو ما يعدّ تمييزاً بين المواطنين وجرّمه الدستور. كذلك ألغى التشريع الجديد مادة تنصّ على أنّ "العامل يستحقّ إجازة سنوية بأجر، لا يدخل في حسابها أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية وأيام الراحة الأسبوعية، تصل إلى خمسة عشر يوماً في السنة الأولى، وواحد وعشرين يوماً اعتباراً من السنة الثانية، وثلاثين يوماً لمن أمضى عشر سنوات كاملة لدى صاحب عمل أو أكثر، وخمسة وأربعين يوماً لمن تجاوز سنه الخمسين عاماً، وكذلك لذوي الإعاقة".

ربط الأجر بالإنتاج

من جهته، قال عضو البرلمان عن حزب "الوفد"، فايز أبو خضرة، إنّ "فلسفة القانون ترتكز عل ربط الأجر بالإنتاج، والقضاء على ظاهرة تراخي الموظفين في أداء أعمالهم"، وذلك بدعوى تحسين الخدمة المقدمة إلى الجمهور، ودفع العامل إلى بذل أقصى جهد للحصول على دخله كاملاً في إطار تشريعي منظّم، يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب العمل وحقوق العمال على حدّ سواء.

وأضاف أبو خضرة في تصريح خاص، أنّ "لجنة القوى العاملة في البرلمان ستسعى جاهدة لتلافي أي شبهات غير دستورية بمواد القانون، وإعادة ضبط صياغات مواد عمالة المرأة والأطفال، بذريعة ضمان توافقها مع معايير العمل الدولية، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان"، مستدركاً بالقول: "اللجنة استقرت على ألا يقل سنّ تدريب الطفل عن 15 عاماً، مع وضع ضمانات كافية لمنع تسرّب الأطفال من التعليم للالتحاق بسوق العمل".

تقييد الإضراب

وتتمسّك المنظمات النقابية العمالية بإلغاء مادة تقييد حقّ الإضراب، التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء النقابة العامة لإضراب العمال، ومنح رئيس مجلس الوزراء سلطة تحديد المنشآت "الاستراتيجية" التي لا يجوز لعمالها الإضراب عن العمل، في إطار سياسات السلطة الحاكمة لتضييق الخناق على العمال. علماً بأنّ مجلس الدولة (جهة مراجعة التشريعات) أوصى بضرورة تحديد هذه المنشآت في نصّ القانون. ومنح القانون أصحاب العمل الحقّ في فصل أي عامل، في حال تقاعسه عن أداء عمله، شريطة إعطائه مستحقاته المادية، وتوقيع غرامة لا تزيد على 10 آلاف جنيه عند الإضراب من دون التفاوض مع صاحب العمل، وذلك بعد اشتراط إخطار الأخير قبل التاريخ المحدّد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، من خلال كتاب مُسجّل وموصى عليه بعلم الوصول، على أن يتضمّن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب، وتاريخ بدايته، ونهايته.

التنظيمات العمالية

وكان مجلس النواب وافق في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على إصدار قانون التنظيمات النقابية العمالية، متضمناً نصاً يقيّد تشكيل اللجنة العمالية بعدد 150 عضواً، مع إقرار ضوابط مشددة لإنشاء أي نقابة عمالية جديدة، كما حظر التشريع تكوين نقابات عمالية موازية، خلاف الرسمية، وهو ما يستهدف تقييد حرية العمل النقابي، والانحياز إلى مصالح أصحاب العمل، بالتزامن مع إصدار قانون العمل الجديد. وفي وقت سابق، دانت 6 أحزاب مصرية، و7 مراكز حقوقية، و10 نقابات، وأكثر من 100 شخصية عامة، العراقيل التي تضعها وزارة القوى العاملة أمام عملية توفيق أوضاع النقابات العمالية المستقلة، والشروط التعجيزية، ككم البيانات المفترض توافرها في أوراق التوفيق خلال مدة لا تتجاوز الشهرين، بما يخالف الحق الدستوري في إنشاء النقابات باستقلالية عن أجهزة الدولة، وإدارات وأصحاب العمل.