البحث في لبنان عن بديل للأسد
طبيب وكاتب ومترجم سوري، يكتب في عدد من الصحف العربية، وعمل بالترجمة مع عدد من دور النشر العربية
بقي السؤال نظرياً وتعجيزياً في أحيانٍ كثيرة: هل يوجد بديل للأسد؟ لكنه لم يرقَ إلى مستوى طرحه بجديّة، لا من محور النظام السوري وداعميه، الذين يلقونه "مناكفة سياسية"، ولا من محور "أصدقاء سورية" الذين يجدون فيه شماعةً تبرّر تخبطهم في سياساتهم العرجاء تجاه الشرق الأوسط.
لكن، السؤال خلف السطور: هل من الضروري إيجاد بديل للأسد؟ سؤال أشد راهنية، لم يُجب عليه أيٌّ من الأطراف المعنية بالأزمة، على الرغم من أن تحركاتهم كانت تدل على أن الجواب النفي، بدءاً بالائتلاف السوري المعارض، الذي لم يحاول هيكلة نفسه، أو التحول إلى مؤسسة حقيقية، ومروراً بالحكومة المعارضة المؤقتة، التي لا تمل من إصدار بياناتٍ من تركيا، تعلق فشلها على شماعة الصواريخ في سورية. كذلك بقي الغرب متأرجحاً تجاه هذه القضية على الدوام، فوزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، يقول إنه ما من بديل، في حين يقول أوباما إن المعارضة بديل أفضل، ثم يتراجع، فيقول إن مجموعة مهندسين أو أطباء أسنان لا يمكنها أن تسقط نظام الأسد، ويقصد أن عليها محاولة إسقاطه وحدها، لأن البديل ليس مشرقاً في أعين الإدارة الأميركية.
لكن ما يحدث في لبنان، اليوم، يستدعي طرح السؤال الأخير الأهم، إذ لا بد من بديلٍ للأسد في لبنان، في ظروفٍ لن تعود بأي خير على سورية ولبنان معاً. وقد تناسى ذلك النظام الخشبي وجود السوريين في لبنان (ووجود لبنان أصلاً) منذ أصبح حزب الله سورياً. ولم يتذكّرهم، إلا في أثناء مراسم سوقهم إلى صناديق انتخاباته المزعومة، والتي ما إن انتهت حتى عاد فطوى صفحتهم، واعتبر وجودهم قابلاً للتجاهل سبع سنوات أخرى.
اليوم، تشتعل الأحداث في لبنان ضد السوريين اللاجئين، ولا يمكن توقع ألا يكون رد فعل على كل ما يحدث من عنصريةٍ، تنتقل بالتواتر من مكان إلى آخر. بالتالي، ما يظهر، اليوم، من حوادث فردية لا ينقصها من ظروف الاشتعال ما هو كفيل بتحويلها إلى مجازر. الدولة اللبنانية صامتة، تارة بذريعة الضغط الشديد، وأخرى بحجة الفراغ الرئاسي. ولم يصدر عن السفارة السورية في بيروت حرف، منذ إغلاق آخر صندوق انتخابي لـ"عرسها الوطني". والمنظمات المدنية السورية في لبنان حائرة، لا تعرف من يمثل "الدولة"، لتفتح قنواتها معه. والحل المؤقت الوحيد، الممكن حالياً، تفرغ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وتحولها إلى "مخفر شرطة"، أو "مكسر عصا"، ينبغي أن يخترع حلولاً لمشكلات عنصرية مليوني لبناني ضد مليوني سوري، وبالعكس.
كان مجلس الأمن في قراره 2139 قد طرح، للمرة الأولى، بديلاً جزئياً للأسد، حينما أقرّ، بالإجماع، أن المساعدات الإنسانية يجب أن تمر بمعزل عن النظام وحكومته. والآن، ثمة تحد جزئي آخر في مكان آخر: يجب أن تتشكل سلطةٌ بديلةٌ ما، لتشرف على وضع السوريين والانتهاكات ضدهم (وانتهاكاتهم ضد الآخرين كذلك). ويجب ألا تكون سلطة النظام الخشبي، الذي يتناسى وجود لبنان، ووجود مليوني سوري فيه.
ويعيش لبنان، اليوم، فترة هي الأقسى في تاريخ سلمه، وتكاد تكون أقرب إلى تاريخ حربه. فهو، الآن، ليس معنياً وحسب بالبحث عن بديلٍ للرئيس السابق، ميشال سليمان، وحل مشكلة الفراغ الدستوري، بل كذلك عليه أن يبحث عن بديل للأسد، يمكن للدولة أن تحاوره، وتتعاون معه على قوننة وجود السوريين، الذي سيطول في لبنان. وسد الفراغ الرئاسي اللبناني لن يحل مشكلة لبنان، ما دام غير قادر، في كل الحالات، على استيعاب تضاعف قاطنيه في عامين، وما لم يعترف الساسة اللبنانيون بهذه القضية، لن تزيد ردود الفعل عن بضع كلمات وبيانات وشعارات فارغة عن الأخوة والمحبة والتسامح، بينما يتشابك السوريون واللبنانيون في الشوارع بالأيدي والعصي والسكاكين.
ثمة خزان بشري من المؤسسات السورية المدنية في لبنان يكفي، بالتأكيد، لإيجاد بديل، ولو مؤقت، للدولة السورية الغائبة. وفيه من الكوادر وأصحاب الخبرة والوعي والرغبة ما يكفي لتشكيل كيان سوريٍ، يكون مسؤولاً ومعنياً بإدارة وضع السوريين في لبنان، في الأقضية والمناطق، التي يقطنونها، بتعاون الدولة وإشرافها. المطلوب من الدولة اللبنانية أن تعترف بضرورة إيجاد هذا الحل، والبحث عن البديل، وهي مسألة ليست سهلة، في وضع مفكك لا يكاد يشي بوجود "دولة لبنانية" أساساً.
طبيب وكاتب ومترجم سوري، يكتب في عدد من الصحف العربية، وعمل بالترجمة مع عدد من دور النشر العربية