البحث عن بطل الرواية

20 نوفمبر 2015
+ الخط -
لكل ثورة مفكروها وكتابها، وأبطال الرواية الفلسطينيه كُثر. كيف لا؟ والبطولة خلقت فلسطينية كما تقول الأسطورة. ولكن، في زمن أصبحت فيه البطولة للسياسيين ومتحدثي الفضائيات وأبطال الصفحات الالكترونية، بات من الصعب معرفة أبطال المواجهة الحقيقيين.
بشير خيري اسم يجهله كثيرون من أبناء جيلي، على الرغم من تاريخه الطويل في محاربة الاحتلال الاسرائيلي، فهو بطل رواية قرأت فصولها قبل سنوات، وعندما لم أجد لاسمه أثراً على متصفح غوغل للغة العربية، قررت البحث عنه في أول فرصة تحصل لي وأزور فيها أرض فلسطين.
بشير بطل الرواية، رفيق الثورة، اللاجئ الفلسطيني ابن الرملة الفلسطينية الذي سجن على أرض أجداده 15عاماً بتهمة حب فلسطين، ذلك الطفل الفلسطيني الذي فقد يده اليسرى وهو طفل في مخيمات غزة إِثر العبث في لغم إسرائيلي، والذي هُجر من رام الله إلى لبنان بعد أربعين عاماً من تهجيرة الأول، إثر اتهامه بالمشاركة وتنظيم انتفاضه الحجر، وهو المحامي الذي وقف خلف جدران المحاكم الإسرائيلية بتهمة اشتراكه بتفجير سوبرماركت في القدس في ستينات القرن الماضي، وهو الذي سجن أكثر من مائة يوم بسبب تنظيم إضراب المحامين بعد سنوات النكسة الأولى، وهو لم يزل يؤمن بحل الدولة الواحدة! الدولة الفلسطينية التي لاحق فيها لأي يهودي جاء إلى فلسطين بعد الوعد المشؤوم.
بشير الذي عاد إلى فلسطين بعد "أوسلو" على الرغم من رفضه لها، والذي أعاد الاحتلال اعتقاله مرات ومرات، بعد انتفاضة الأقصى، وهو الذي لم تته دالية إشكنازي، في البحث عنه بعد أشهر من حرب النكسة، بسبب علو صيته، ولكني لم أجد من سمع باسمه في شوارع رام الله قبل أسابيع ، هو الذي قضى نصف سنوات عمره بين محاكم وسجون والاحتلال وما لبث يكرر "أحب فلسطين أكثر من أي وقت مضى، وأكره الاحتلال أكثر من أي وقت مضى".
بشير خيري هو بطل رواية "شجرة الليمون" للكاتب الأمريكي ساندي تولان، تلك الروايه التي تعد مصدراً لفهم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والتي من خلالها اِستسلمت دالية اشكنازي الإسرائيلية لتنضم إلى حلف الدفاع عن المحامي بشير خيري، وهي على سرير مرضها بعد قرار إبعاده في العام 1988.
لا يمكن لقارئ ألا يتأثر بدفاع بشير الأشبه بدفاع سقراط. والفضل في ذلك يعود إلى حيادية الكاتب، فالقضية التي ركز عليها بشير في دفاعه وسرد تفاصيل حياته هي ما هاجم به نتنياهو الفلسطينيين قبل أيام، باتهامهم بأنهم من كانوا وراء الهولوكست! بشير كررها أكثر من مرة خلال صفحات الرواية حين قال: "لم علينا نحن الفلسطينيين أن ندفع ثمن الهولوكست، نحن لم نقتل اليهود أو نشارك بقتلهم! بالعكس وقف الفلسطينيين في صف اليهود أثناء الحرب العالمية وبعدها"، فهجرة بشير من منزله في الرملة هو وعائلته كانت مقابل أن تجد دالية اشككنازي المهاجرة من بلغراد الجنة الأمنه لها ولعائلتها.
على مدار ثلاثة أسابيع، وهي الفترة التي قضيتها في فلسطين، كنت أمر بجانب المواجهات التي تجري على مدخل رام الله بشكل شبه يومي، لألمح شُبان فلسطينيين منهم من أخفى وجهه، ومنهم من أبقى عليه مكشوفا، وهم يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة وقنابل المولوتوف. كنت أنظر إليهم وأتساءل: هل هناك من سيذكر أسماءهم ويحفظها بعد سنوات؟ هل هناك من يقدر دماءهم وبطولاتهم؟ وكم هناك أسماء لأبطال ناضلوا وضحوا من أجل أن نحيا أحراراً في حين أننا نجهل قصصهم وتفاصيل حياتهم؟ كيف لنا أن نحرّر أرضنا، ونحن لا نعرف أسماء من ضحوا بأعمارهم لأجلنا؟ كم أسير نجهل؟ كم مصاب وكم شهيد؟
لهم المجد جميعا، ولنا ولهم أرض سيبقى يجمعنا حلم تحريرها، حتى وإن لم نحفظ أسماءهم، فليسامحوا ويعفو عنا فهم أكبر وأكثر من أن تجمع أسماءهم بين دفتي كتاب.
avata
avata
فاطمة شحادة (فلسطين)
فاطمة شحادة (فلسطين)