إن الناس لا يصبحون إرهابيين لأنهم فقراء أو غير متعلمين، أو لأنهم تعلموا في مدارس دينية أو غسلت أدمغتهم، مثل "بن لادن" المليونير، و"خطاب" الذي كان عمل متدرباً في شركة أرامكو، أو الطبيب الأردني همام البلوي.
ولا يعني هذا أيضاً، أنه لم ينضم إلى الحركات الجهادية، ومن ضمنها "داعش"، لأنهم جهال وغير متعلمين، بل هناك كثير ممن لا يعرفون القراءة والكتابة. الجهاد في سياق الحركات الجهادية هي تجربة لإثبات الذات.
وللحقيقة هناك دوماً تقاطع بين الآداب الرومانتيكية والتي تتضمن لغة حزينة وحالمة ومتجاوزة للواقع وثائرة على المجتمع بالإضافة إلى الآراء الفكرية والسياسية المستقاة من المذهب الفوضوي التي ترفض قيود الواقع والدولة، هذا ما قاله الخبير في حركات التطرف، سكوت أتران، في مقاله عن رومانسية الإرهاب، وذكرها عبدالله الرحمون في دراسته عن جاذبية "داعش".
يبدو أن كل ما يُعرف عن الإرهاب من أفكار ومسلمات باتت اليوم بحاجة إلى إعادة نظر، حيث يعزو كثيرون الإرهاب إلى القمع السياسي، أو الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، أو الظروف الاجتماعية المأساوية، وهذا تحليل فيه جانب من الصحة، إلا أن ثمة ما يغيب عن هذا التحليل، فما سبق ذكره أسباب يشترك فيها الملايين من البشر، ولكن من يستجيب لها بتطرف دموي مدمر لكل ما يحيط به أعداد محدودة.
إضافة إلى أن هذه التحليلات لن تتمكن من تفسير وجود متطرفين وإرهابيين أغنياء، أو حملة شهادات عليا، أو شباب يعيشون في دول تتسم بالحرية ولها تجربة متقدمة في حقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية كما في دول الاتحاد الأوروبي.
وقد لوحظ، أن غالب الذين نفذوا عمليات إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، في السنوات القليلة الماضية، مواطنون أوروبيون. وبالحديث عن السجون والقمع فهذا يمكن أن يفسر لنا بدايات الظاهرة وكيف نشأت، أو يفسر بعض الحالات، ولكنه لا يفسرها كاملة، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة التايمز اللندنية في عدد يوم الجمعة 29/7/2016م نقلاً عن نتائج الفحوص النفسية التي أجريت على "الانتحاري" محمد دليل (27 عاماً) الذي فجر نفسه في ألمانيا، يوم الأحد 24/7/2016م، أنه لم يصبح متطرفاً إلا بعد تعرضه للتعذيب في معتقلات نظام الرئيس، بشار الأسد، في وطنه سورية.
وكان دليل -الذي حاول الانتحار مرتين بعد معرفته، أنه سيطرد من ألمانيا- قد تحدث عن معاناته على أيدي "قساة غلاظ"، حسبما ورد في خطة علاجه التي كشفتها صحيفة "بيلد" الألمانية، وقال "دليل" إنه أرغم على مشاهدة سجناء آخرين وهم يحرقون حتى الموت، كما تعرض للضرب بآلات مختلفة.
وفي المقابل يوجد مثال الأستاذ الجامعي، براء سراج، الطبيب في جامعة نورث ويسترن – شيكاغو، مؤلف كتاب "من تدمر إلى هارفرد" والذي قضى أكثر من عقد في سجن تدمر وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب وخرج من السجن ودرس بجامعة هارفرد دون أن يلتحق بحركات التطرف. وهذا ينطبق على بقية الظروف التي يمر بها الإنسان، حيث تختلف طريقة تعامله معها بحسب تصوراته ومبادئه وقيمه وطريقة تفكيره، فما تتسبب في تطرف شخص ما، لا تفعل ذلك مع شخص آخر.
بمعنى أن الاستجابة للظروف المحيطة مختلفة بين من يتعرضون لها. حينما لا يستطيع الإنسان التأقلم مع الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو التربوية أو خليط منها جميعاً؛ قد يدفعه ذلك نحو الإحباط، حيث إن الإحباط يعبر عن شعور الإنسان لسبب أو لآخر أن حياته ميؤوس منها، وهو مزيج من المشاعر السلبية مثل الحزن، والعجز، وخيبة الأمل، والقهر، والغضب.
ويلاحظ أن المحبطين يشكلون غالبية الأتباع الجدد في الحركات المتطرفة، وهم ينضمون إليها بمحض إرادتهم، حيث إن الإحباط بحد ذاته يكفي لتوليد معظم خصائص الإنسان ذي الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل قضية مقدسة. وما تقوم به حركات التطرف هو استقطاب هؤلاء الأفراد عن طريق تشجيع النزعات والاتجاهات التي تملأ عقلهم المحبط، فهي تحقق أهدافها حينما تجعلها متفقة مع نزعات المحبطين.
يقول غازي القصيبي بزوال الإحباط يزول التطرف، وبزوال التطرف ينتهي الإرهاب. فمن ضمن ما يجذب الناس للحركات الثورية أو المتطرفة أنها تقدم بديلاً للأمل الفردي الخائب. كما عبر عن ذلك الثائر تشي جيفارا حينما قال: "لا يستطيع المرء أن يكون متأكداً من أن هناك شيئاً يعيش من أجله إلا إذا كان مستعداً للموت في سبيله". فكثير من الذين ينضمون إلى حركات متطرفة صاعدة يتطلعون إلى تغيير مفاجئ كبير في أوضاعهم المعيشية. حيث إن الحركات الثورية والدينية والقومية أداة واضحة من أدوات التغيير. وأن نوعاً من الحماسة والانفعال ضروري لتحقيق أي تغيير كبير وسريع. وهذا ما تقدمه حركات التطرف الصاعدة مثل داعش وتنظيم القاعدة التي تعد أتباعها بالتغيير الكبير وفق منظومة خطاب البروباغاندا.
وتستميل حركات التطرف أولئك الذين يودون التخلص من أنفسهم، فهي تجتذبهم لأنها تلبي الشوق إلى الخلاص من الذات. فالإيمان بقضية مقدسة هو -إلى درجة كبيرة- محاولة للتعويض عن الإيمان الذي فقده الإنسان بنفسه، وكلما استحال على الإنسان أن يدعي التفوق لنفسه، كلما سهل عليه أن يدعي التفوق لأمته، أو لدينه أو لعرقه، أو لقضيته المقدسة. أخيراً يقول آرنست بيكر: "إن أهم دافع من دوافع البشر الرئيسية دافع البطولة، كلنا منغمسون في ذواتنا بطريقة مفزعة".
ولا يعني هذا أيضاً، أنه لم ينضم إلى الحركات الجهادية، ومن ضمنها "داعش"، لأنهم جهال وغير متعلمين، بل هناك كثير ممن لا يعرفون القراءة والكتابة. الجهاد في سياق الحركات الجهادية هي تجربة لإثبات الذات.
وللحقيقة هناك دوماً تقاطع بين الآداب الرومانتيكية والتي تتضمن لغة حزينة وحالمة ومتجاوزة للواقع وثائرة على المجتمع بالإضافة إلى الآراء الفكرية والسياسية المستقاة من المذهب الفوضوي التي ترفض قيود الواقع والدولة، هذا ما قاله الخبير في حركات التطرف، سكوت أتران، في مقاله عن رومانسية الإرهاب، وذكرها عبدالله الرحمون في دراسته عن جاذبية "داعش".
يبدو أن كل ما يُعرف عن الإرهاب من أفكار ومسلمات باتت اليوم بحاجة إلى إعادة نظر، حيث يعزو كثيرون الإرهاب إلى القمع السياسي، أو الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، أو الظروف الاجتماعية المأساوية، وهذا تحليل فيه جانب من الصحة، إلا أن ثمة ما يغيب عن هذا التحليل، فما سبق ذكره أسباب يشترك فيها الملايين من البشر، ولكن من يستجيب لها بتطرف دموي مدمر لكل ما يحيط به أعداد محدودة.
إضافة إلى أن هذه التحليلات لن تتمكن من تفسير وجود متطرفين وإرهابيين أغنياء، أو حملة شهادات عليا، أو شباب يعيشون في دول تتسم بالحرية ولها تجربة متقدمة في حقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية كما في دول الاتحاد الأوروبي.
وقد لوحظ، أن غالب الذين نفذوا عمليات إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، في السنوات القليلة الماضية، مواطنون أوروبيون. وبالحديث عن السجون والقمع فهذا يمكن أن يفسر لنا بدايات الظاهرة وكيف نشأت، أو يفسر بعض الحالات، ولكنه لا يفسرها كاملة، فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة التايمز اللندنية في عدد يوم الجمعة 29/7/2016م نقلاً عن نتائج الفحوص النفسية التي أجريت على "الانتحاري" محمد دليل (27 عاماً) الذي فجر نفسه في ألمانيا، يوم الأحد 24/7/2016م، أنه لم يصبح متطرفاً إلا بعد تعرضه للتعذيب في معتقلات نظام الرئيس، بشار الأسد، في وطنه سورية.
وكان دليل -الذي حاول الانتحار مرتين بعد معرفته، أنه سيطرد من ألمانيا- قد تحدث عن معاناته على أيدي "قساة غلاظ"، حسبما ورد في خطة علاجه التي كشفتها صحيفة "بيلد" الألمانية، وقال "دليل" إنه أرغم على مشاهدة سجناء آخرين وهم يحرقون حتى الموت، كما تعرض للضرب بآلات مختلفة.
وفي المقابل يوجد مثال الأستاذ الجامعي، براء سراج، الطبيب في جامعة نورث ويسترن – شيكاغو، مؤلف كتاب "من تدمر إلى هارفرد" والذي قضى أكثر من عقد في سجن تدمر وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب وخرج من السجن ودرس بجامعة هارفرد دون أن يلتحق بحركات التطرف. وهذا ينطبق على بقية الظروف التي يمر بها الإنسان، حيث تختلف طريقة تعامله معها بحسب تصوراته ومبادئه وقيمه وطريقة تفكيره، فما تتسبب في تطرف شخص ما، لا تفعل ذلك مع شخص آخر.
بمعنى أن الاستجابة للظروف المحيطة مختلفة بين من يتعرضون لها. حينما لا يستطيع الإنسان التأقلم مع الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو التربوية أو خليط منها جميعاً؛ قد يدفعه ذلك نحو الإحباط، حيث إن الإحباط يعبر عن شعور الإنسان لسبب أو لآخر أن حياته ميؤوس منها، وهو مزيج من المشاعر السلبية مثل الحزن، والعجز، وخيبة الأمل، والقهر، والغضب.
ويلاحظ أن المحبطين يشكلون غالبية الأتباع الجدد في الحركات المتطرفة، وهم ينضمون إليها بمحض إرادتهم، حيث إن الإحباط بحد ذاته يكفي لتوليد معظم خصائص الإنسان ذي الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل قضية مقدسة. وما تقوم به حركات التطرف هو استقطاب هؤلاء الأفراد عن طريق تشجيع النزعات والاتجاهات التي تملأ عقلهم المحبط، فهي تحقق أهدافها حينما تجعلها متفقة مع نزعات المحبطين.
يقول غازي القصيبي بزوال الإحباط يزول التطرف، وبزوال التطرف ينتهي الإرهاب. فمن ضمن ما يجذب الناس للحركات الثورية أو المتطرفة أنها تقدم بديلاً للأمل الفردي الخائب. كما عبر عن ذلك الثائر تشي جيفارا حينما قال: "لا يستطيع المرء أن يكون متأكداً من أن هناك شيئاً يعيش من أجله إلا إذا كان مستعداً للموت في سبيله". فكثير من الذين ينضمون إلى حركات متطرفة صاعدة يتطلعون إلى تغيير مفاجئ كبير في أوضاعهم المعيشية. حيث إن الحركات الثورية والدينية والقومية أداة واضحة من أدوات التغيير. وأن نوعاً من الحماسة والانفعال ضروري لتحقيق أي تغيير كبير وسريع. وهذا ما تقدمه حركات التطرف الصاعدة مثل داعش وتنظيم القاعدة التي تعد أتباعها بالتغيير الكبير وفق منظومة خطاب البروباغاندا.
وتستميل حركات التطرف أولئك الذين يودون التخلص من أنفسهم، فهي تجتذبهم لأنها تلبي الشوق إلى الخلاص من الذات. فالإيمان بقضية مقدسة هو -إلى درجة كبيرة- محاولة للتعويض عن الإيمان الذي فقده الإنسان بنفسه، وكلما استحال على الإنسان أن يدعي التفوق لنفسه، كلما سهل عليه أن يدعي التفوق لأمته، أو لدينه أو لعرقه، أو لقضيته المقدسة. أخيراً يقول آرنست بيكر: "إن أهم دافع من دوافع البشر الرئيسية دافع البطولة، كلنا منغمسون في ذواتنا بطريقة مفزعة".