استمع إلى الملخص
- يواجه السكان مخاطر صحية بسبب الاعتماد على مياه غير نقية، ويطالبون بحلول مستدامة مثل محطات تحلية كبيرة ومياه بأسعار معقولة، مع دعم خاص للنازحين.
- تعيق التحديات المالية والحرب تنفيذ مشاريع جديدة، وتقترح الحلول إنشاء محطات تحلية وتجهيزها بمولدات، وخطط طويلة الأمد مثل إيصال المياه من نهر النيل.
يصاب السودانيون دائماَ بأمراض مثل الحصى والإسهال والجفاف وسوء الهضم بسبب أزمة شح المياه التي فشلت الحكومات المتعاقبة في حلها. وفي زمن الحرب الحالية تزداد المخاطر على سكان مدينة بورتسودان
ضاعف انهيار سد أربعات في أغسطس/ آب الماضي أزمة شح مياه الشرب في مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان.
وتعتبر بورتسودان التي تقع على ساحل البحر الأحمر من المدن السودانية التي عانت طوال عقود طويلة من شح المياه الصالحة للشرب. وأبطأت هذه المشكلة تشييد سد أربعات على بعد 40 كيلومتراً منها عام 2003 بهدف تخزين نحو 16 مليون ليتر مكعب من مياه الأمطار لتغطية استهلاك السكان، والذي أصبح مصدراً مهماً للمياه، ويعتمد عليه نحو 750 ألفاً من السكان الذين أضيف إليهم أخيراً نحو 400 ألف نازح إليها من ولاية الخرطوم وولايات أخرى نتيجة الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويوفر السد نسبة 60% على الأقل من احتياجات مدينة بورتسودان من مياه الشرب المخزنة من مياه الأمطار، علماً أنها تحتاج إلى 200 ألف متر مكعب يومياً تؤمنها ايضاً نحو 30 بئراً بعدما تعطلت آبار أخرى خلال السنوات الماضية.
وفي أغسطس الماضي ضربت أمطار غزيرة ولاية بورتسودان، ما أحدث سيولاً عارمة تسببت في انهيار سد أربعات وغرق عدد كبير من القرى حوله ووفاة العشرات. ودفعت الكارثة السكان إلى العودة إلى مصادر أخرى للمياه، منها شراؤها من محطات التحلية التي زاد عددها بعد الحرب، لكن الكميات التي توفرها لم تكفِ إلا لتلبية احتياجات عدد قليل من السكان، ولم يعتمدها ذوو الدخل المحدود أو النازحون، فتفاقمت أزمة المياه في الفترة الأخيرة.
يقول المواطن حسن أونور لـ"العربي الجديد": "أدفع 10 آلاف جنيه سوداني (16.6 دولاراً) يومياً لشراء برميل من المياه يغطي احتياجات أسرتي. ويحدث ذلك رغم الدخل المحدود لأسرتي وباقي الأسر في بورتسودان". المياه التي يوزعها السقاؤون الذين يبيعون المياه بواسطة عربات بدائية مشكوك في نقائها، ويخاف كثيرون منها ومن تسببها في أمراض، لذا يفضلون شراء مياه معدنية معبأة في قوارير يصل سعر الليتر الواحد منها إلى 2000 جنيه (3.3 دولارات). يتابع: "بعد انهيار سد أربعات يفترض أن تجد السلطات الاتحادية وتلك التابعة للولايات حلولاً بديلة أسهلها حالياً إنشاء مزيد من محطات تحلية مياه البحر الأحمر، والتي يجب أن تكون كبيرة من أجل عرض أسعار في المتناول".
ويقول المواطن عثمان محمدين لـ"العربي الجديد": "كنا نعتمد في السابق على سد أربعات قبل أن ينهار وتصبح مدينة بورتسودان بلا مصدر مياه. وهنا الخطر لأن البديل هو شراء مياه من مصادر مجهولة تبيعها عربات الكارو البدائية". يضيف: "محطات التحلية الموجودة صغيرة ولا تلبي احتياجات حي واحد فكيف الحال بالنسبة إلى مدينة مكتظة بالسكان. ندعو السلطات المحلية للتدخل بطريقة أكثر فعّالية لحل الأزمة تمهيداً لتلبية احتياجات المواطنين والنازحين".
وتتحدث سلوى، النازحة من العاصمة الخرطوم، لـ"العربي الجديد" عن أن "شح المياه في بورتسودان فاقم معاناة النازحين الذي دخلوا المدينة بلا أي شيء، واحتاجوا إلى استئجار منازل وتأمين تكاليف العيش التي تعتبر أكثر ارتفاعاً من العاصمة الخرطوم. وفعلياً لم نتوقع أن ننفق نسبة كبيرة من الأموال التي يرسلها لنا أقاربنا لشراء مياه الشرب. نحتاج، لكوننا نازحين إلى دعم من السلطات المحلية والمنظمات الدولية والخيّرين عبر إنشاء محطات تحلية في أحياء النازحين ومخيماتهم".
من جهته، اختار المواطن تاج السر الحل الفردي المتمثل في حفر بئر داخل منزله لأن شبكة المياه لا تصل في شكل دائم. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "هذا الحل وفّر له مياه الاستخدام المنزلي وليس مياه الشرب التي لا يمكن تناولها من آبار. وأنا أدفع مثل آخرين لشراء مياه نقية".
على الصعيد الرسمي، طمأنت حكومة ولاية بورتسودان المواطنين إلى قدرتها على إيجاد بدائل بعد انهيار سد أربعات، وأشارت في أكثر من مناسبة إلى توفر نحو مليون ليتر من مياه التحلية لتغطية الاحتياجات.
وأعلن الوالي مصطفى محمد نور أن سداً جديداً سيُشيّد بدعم من الحكومة المركزية في منطقة عروس بكلفة 4 ملايين دولار من أجل توفير 4 ملايين ليتر مكعب من المياه النقية.
وتعهدت وحدة السدود التابعة لوزارة الري السودانية صيانة سدود أخرى منها سد موج، وتأهيل الخزان الرابع، وتسريع تشييد سد عروس، وحفر آبار لسد الفجوة في مياه الشرب خلال الفترة المقبلة.
ويقول علي بيرق، مقرر اللجنة الشعبية لمياه سد أربعات وإزالة الطمي، لـ"العربي الجديد": "حذرت اللجنة في دراسة نشرتها من انهيار سد أربعات بسبب الطمي الذي تراكم منذ أكثر من 20 سنة أسفل السد، ما أفقده قدرته على تخزين 11 مليون ليتر مكعب من إجمالي سعته البالغة 16 مليون ليتر مكعب، وبالتالي لم يعد السد يتضمن إلا 5 ملايين ليتر مكعب لذا استمرت أزمة مياه الشرب بمدينة بورتسودان في السنوات الأخيرة".
يتابع: "لم تأخذ السلطات المختصة بتوصيات الدراسة ولم تضعها في حساباتها لأنها لم تتخيل أن انهيار السد سيحصل في أي لحظة. ويستبعد أن تستطيع الحكومة بناء سد جديد بسبب انعدام قدراتها المالية في ظل ظروف الحرب الحالية التي تمنع تمرير ميزانيات أو الحصول على قروض مالية من صناديق دولية، أو طرح مشروع التشييد بنظام "بي أو تي" أو غيره من طرق الاستثمار، لذا يتوقع أن تتفاقم أزمة المياه في المدينة التي تستهلك 90% من مياه الآبار الآن، ويخصص قسم منها للتجارة وآخر للهيئة القومية للمياه".
ويذكر أن "ما يفاقم الأزمة أيضاً توقف عمل ناقلات المياه التي دخلت العمل مضطرة نتيجة الحرب. وإذا حدثت أي أزمة في الغازولين ستنعكس على هذه الناقلات وعلى أزمة المياه، وترفع كلفة الشراء. الحل الوحيد المتاح هو إنشاء محطات تحلية في شكل عاجل وبسعة تخزين كبيرة، رغم أن هذه المحطات تواجه نفسها مشاكل عدم استقرار التيار الكهربائي وعدم توفر معدات الصيانة، لذا لا بدّ من تجهيز مولدات كهرباء احتياطية. أما الحل النهائي فهو إيصال المياه من نهر النيل عبر أنابيب بطول نحو 500 كيلومتر من مدينة عطبرة، وإنشاء سدود صغيرة في الخيران غربي بورتسودان، وتنفيذ خطة شاملة ودقيقة تستفيد من الأخطاء السابقة لإعادة تشييد سد أربعات".