الإجابة ببساطة تكمن في السلطة بكل معانيها من نفوذ وقوة وسطوة وحصانة وقهر للآخرين واستعباد للشعب وإذلال للفقراء وللشباب خاصة الجامعي والمتعلم، وقصر وظائف القضاء والشرطة والجيش والسلك الدبلوماسي وغيرها على فئة محدودة هم أبناء قادة الانقلاب والمخلصين لهم، "فنحن شعب وهم شعب، ونحن الأسياد وهم العبيد، والعين لا تعلو على الحاجب، وابن البواب لا يصلح أن يكون قاضياً"، كما يقول قادة الانقلاب والموالون لهم.
وربما يصاحب كل ذلك فوز قائد الانقلاب برئاسة الدولة ومعها وزارة سيادية، وفوز المساندين له برئاسة الحكومة أو بمناصب وزارية، أو على الأقل الفوز برئاسة مؤسسة رسمية مهمة، أو شركة حكومية تمنح رواتب عالية وحوافز مجزية.
ونادراً ما نجد أن قائد الانقلاب يتنازل عن السلطة عقب نجاح انقلابه، كما حدث في انقلابات تركيا الأربعة وغيرها، خاصة إذا كان هذا الانقلاب دموياً، أو أن يجري هذا القائد انتخابات رئاسية من دون المشاركة بها وتصدر قائمة المرشحين لها الذين يكونون عادة أشباه "كومبارس"، فقادة الانقلابات دائماً ما يرشحون أنفسهم في أول انتخابات صورية يتم إجراؤها، ويفوزون عادة باكتساح وبنسب تنتمي لفصيلة الثلاث تسعات.
وأحياناً تكون الانتخابات التي يجريها هؤلاء شبه نزيهة وتُجرى بدون تزوير حتى يتم إرضاء الخارج لا الداخل الذي يسيطر عليه بالدبابة وصوت الرصاص، وانتزاع موافقة المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين على منح البلاد قروضا ضخمة.
والناس تختار أحيانا قادة الانقلاب المرشحين في الانتخابات الرئاسية ربما بسبب الخوف من بطش أنظمتهم، أو بسبب عمليات غسل المخ التي تتم لهؤلاء الناخبين منذ وقوع الانقلاب وحتى موعد اجراء الانتخابات، أو بسبب تعود الناخبين على قادة الانقلاب خلال الفترة الواقعة من بدء وقوع الانقلاب وحتى إجراء أول انتخابات، وبالتالي تطبق شريحة من الناخبين المثل الذي يقول " الذي نعرفه وتعودنا عليه أحسن من الذي لا نعرفه ولم نعتد عليه".
لكن هل هناك سبب آخر وراء الانقلابات، خاصة تلك التي تتم في دول شبه مستقرة اقتصادياً وحققت حكوماتها طفرات في الأحوال المعيشية لمواطنيها، كما حدث في دول كثيرة آخرها تركيا؟
نعم، هناك سبب آخر غير سبب اكتساب السلطة والنفوذ السياسي والقوة، وهو اكتساب الثروات والأموال التي يحصدها قادة الانقلاب عقب انقلابهم، فحكم بلد غني بالثروات مثل تركيا مثلاً، ويسيطر العسكر على كل مفاصل الدولة فيه، هذا يعني ثروات طائلة ونفوذاً مالياً وعقود سلاح وصفقات أراضٍ ومشروعات وبزنس.
نجاح الانقلابات في بلد ما يعني موازنة مفتوحة للأجهزة الأمنية، ومخصصات أكبر لشراء السلاح وصفقات الطيران، ومكاسب مالية أكبر لمنفذي الانقلاب والمتعاونين معهم، خاصة من أجهزة الأمن، ويعني كذلك رواتب وحوافز متواصلة للعسكريين، في الوقت الذي يتم فيه إرهاق المواطنين بالرسوم والضرائب والجمارك وزيادة الأسعار وخفض الدعم والانفاق على الخدمات الأساسية.
نجاح الانقلابات يعني كذلك الفوز بالصفقات المطروحة لتنفيذ مشروعات كبرى كالطرق والجسور والمطارات ومحطات إنتاج الكهرباء والتنقيب عن النفط والغاز، ويعني فرض مزيد من الضرائب على موظفي الدولة والقطاع الأكبر من المواطنين مقابل إعفاءات ضريبية للجهات التابعة للمؤسسة العسكرية.
خطورة الانقلابات أنها تقضي على القطاع الخاص، وتعسكر الاقتصاد وتجعل المؤسسة العسكرية هي رقم واحد في المعادلة الاقتصادية، و"تطفّش"المستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء.
الانقلابات تقضي على أي أمل في تنمية حقيقية طويلة الأجل، تنمية تؤدي لتوفير فرص عمل حقيقية خاصة للشباب، وتوفر خدمات حقيقية مثل التعليم والصحة ورغيف الخبز.
ومن هنا تقاوم الشعوب الانقلابات، ليس لكونها مضرة فقط بالديموقراطية والحريات، ولكن لأنها تعني الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار والفساد والمحسوبية.