الانفلات الأمني في البصرة: المليشيات والعشائر أقوى من الدولة

14 يوليو 2017
"الحشد الشعبي" يدير البصرة فعليّاً (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
للشهر الثالث على التوالي، تستمر حالة الانفلات الأمني في محافظة البصرة، المطلة على الخليج العربي، جنوبي العراق، والحدودية مع الكويت، التي شهدت في الأيام الماضية ارتفاعاً خطيراً في معدلات عمليات الاغتيال ذات البعد الطائفي وجرائم السرقة والسطو المسلح. كما ذكر سكان أن "مسلحين يرتدون أزياء عسكرية، يجوبون الطرقات على مرأى من قوات الشرطة، وينفذون عمليات اقتحام في عربات ترفع صور المرشد الإيراني، علي خامنئي، وزعيم مليشيا العصائب قيس الخزعلي، وزعيم مليشيا أبو الفضل العباس، أوس الخفاجي، من دون صور زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله".

وأدّى سحب الحكومة العراقية لوحدات الجيش القتالية العاملة في البصرة إلى محافظة نينوى، بعد أيام على بدء المعارك في الموصل، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى تسلم الشرطة ملف أمن المحافظة النفطية، التي تعتبر عاصمة العراق الاقتصادية حالياً، وتقع فيها موانئ تصدير النفط على مياه الخليج العربي، وموانئ استيراد البضائع الضرورية، بعد توقف منافذ العراق الحدودية مع الأردن، وقبلها مع سورية والسعودية. ويوم الخميس الماضي، أقدم مسلحون يرتدون ملابس الجيش على اغتيال الدكتور بجامعة البصرة، أبو بكر السعدون وشقيقه نذير السعدون، في مدينة الزبير، غربي البصرة. ولقي الشقيقان مصرعهما عندما هاجم المسلحون سيارتهما قرب حاجز تفتيش للشرطة، إلا أن المهاجمين انسحبوا بشكل طبيعي من دون حتى إسراعهم بالسيارة، التي كانت تقلّهم، وفقاً لما كشفت مصادر أمنية عراقية لـ"العربي الجديد".

بدوره، رأى القيادي في التحالف الوطني الحاكم، النائب عن البصرة، عبد السلام المالكي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "البصرة تشهد صراعات مخيفة منذ مدة، وهذه الصراعات تقودها قوى من داخل البصرة وتعمل تحت غطاء الأحزاب والكتل السياسية". وأضاف أن "هناك قصوراً واضحاً، ليس فقط في القوات الأمنية، بل في قيادات تلك الأجهزة الموجودة في البصرة. وبسبب ذلك، لم يفصح أحد، حتى الآن، عن الجهات التي تعبث بأمن البصرة وحولتها لساحة جريمة". ووصف الاغتيالات بأنها "مجهولة الدافع من جهات تريد الفوضى داخل محافظة البصرة".

وتابع المالكي "إن النزاعات العشائرية هي حالات تحدث منذ زمن قديم في البصرة، لكننا نتحدث عن الجماعات المسلحة والعصابات والشبكات المنظمة المسلحة التي تنتشر في البصرة اليوم". وبيّن إن "هنالك قوى تحاول السيطرة على كل موارد البصرة الاقتصادية، سواء كان على الموانئ أو على المنافذ الحدودية أو مجموع ما يدخل للبصرة من مال. وهم وراء ما يحدث اليوم من انفلات، وهذه جهات كثيرة، بعضها معروف ولن يكون مجدياً الاستمرار في السكوت عنها. وعلى المحافظة ومجلس المحافظة الكشف عن هذه الجهات، فالشارع يريد أن يعرف من هي هذه الجهات المسلحة".

وطالب المالكي من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بـ"دعم القوات العسكرية التي تحت سيطرته، لأن القوى العسكرية الموجودة الآن لدى قيادة عمليات البصرة، غير قادرة على حفظ الأمن في البصرة، باعتبار أن القوة قليلة وتحتاج إلى دعم". من جانبه، كشف محافظ البصرة السابق، النائب الحالي خلف عبد الصمد لـ"العربي الجديد"، عن "تقديم مقترح إلى هيئة رئاسة البرلمان، لأن تكون هناك فقرة خاصة لمناقشة وضع البصرة". وأشار إلى أن "وضع البصرة من ناحية أمنية خطر للغاية، وفي الوضع الاقتصادي يوجد تردٍّ، وفي الوضع الاجتماعي هناك خوف من وجود الجرائم الكثيرة". وأضاف أن "هناك مشكلة على المستوى السياسي في البصرة، أتمنى أن يتدخل البرلمان أو التحالف الوطني، لحلّ هذا الإشكال. فالوضع بصورة عامة ينذر بخطر قد لا تحمد عقباه".

من جهته، أكد عقيد في قيادة شرطة البصرة القاطع الغربي لـ"العربي الجديد"، عدم "قدرة الشرطة على ضبط الأوضاع والبصرة في حاجة إلى الجيش مع أسلحته الثقيلة". وتابع "هناك جرائم قتل وخطف وسرقة وسطو مسلح تقع يومياً، كما أن هناك جماعات مسلحة لا نعرف إلى أي جهة تنتمي، وتفرض سطوتها على مناطق وتفرض بعضها (الخوات)". ونوّه إلى أن "هناك جماعات مسلحة أخرى تم تشكيلها أخيراً، لأن تلك الجرائم تمثل تجارة رابحة، لأن بعض الجماعات المسلّحة، يصل مدخولها الشهري إلى مليون دولار من (خوات) وجباية بالقوة من الموانئ الخاصة بالتصدير أو الاستيراد، أو من التجار ورجال الأعمال وسائقي الشاحنات الآتية من خارج البصرة".

وأضاف أنهم "ينتمون لمليشيات العصائب وبدر وسرايا السلام وحزب الله والخراساني ويعملون معهم، لكن قيادة تلك المليشيات ينفون أنهم ينتمون لهم في كل مرة، ويقولون للشرطة اعتقلوهم أو اقتلوهم لا دخل لنا بذلك. وهم يعلمون جيداً عدم قدرة الشرطة على فعل ذلك".

بدوره، رأى الصحافي مقداد الحميدان، وهو من أهالي البصرة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القطاع الشمالي من البصرة الذي يضم مدن القرنة والكرمة والهارثة والمدينة، لا يفرق عن المدن المنكوبة. ولو أرادت الحكومة تسليط الضوء على البصرة، لتأكدت من ذلك". وتابع "هناك عمليات يومية إجرامية تقع في المحافظة، والانفلات الأمني كبير للغاية، والجرائم التي تحصل كجرائم القتل ليست كلها طائفية، فهناك دوافع قتل عشائرية وثأر وأخرى بدافع الجريمة المنظمة". ولفت إلى أنه "خلال أسبوع واحد وقعت ثلاث جرائم قتل في الزبير وأبو الخصيب لشبان من دون أن تنجح الشرطة في القبض على العصابات المتورطة في تلك الحوادث".

وطالب عضو غرفة تجارة الجنوب حسين عبد الهادي، من الحكومة "إيجاد طريقة لطرد العصابات المنتشرة في موانئ البصرة ومنافذها البحرية". وأضاف "يبدأ مسلسل فرض (الخوات) والترهيب من لحظة الدخول إلى البصرة بالنسبة للتجار وسائقي الشاحنات. وهناك عمليات ابتزاز قذرة لا يقدر أحد على رفضها أو مقاومتها، من التجار أو السائقين ناقلي البضائع. كما أن المقاولات وفرص الاستثمار صارت حكراً على أحزاب بعينها هي نفسها من يمتلك قسماً من الجماعات المسلحة تلك".

المساهمون