الانغلاق يضمن صمود الصحف الدينية الإسرائيلية

24 ديسمبر 2016
الصحف العلمانية لفظت أنفاسها في الثمانينيات (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أنّ الصحافة الحزبيّة العلمانيّة في إسرائيل قد لفظت أنفاسها، أواخر ثمانينيّات القرن الماضي، بسبب التحولات المتلاحقة على الحلبة الحزبيّة والمجتمع وسوق الإعلام، إلا أنّ الصحف التي تمثّل الأحزاب الدينيّة المختلفة تواصل الصدور، بل وتحظى برواج في أوساط القطاعات السكانية التي تشكل مصدر التأييد الجماهيري لهذه الأحزاب. 

وتنقسم الصحافة الدينيّة في إسرائيل، تبعاً للتباينات "الفقهية" والعرقيّة داخل المجتمع المتدين فيها. فقد انقسم المجتمع الديني الحريدي الغربي في إسرائيل وفق الاجتهادات "الفقهية" إلى معسكرين رئيسيين، وهما: التيار الحسيدي، الذي يمثله حزب "يغودات يسرائيل"، والتيار الليتائي، والذي يمثله حزب "ديغل هتوراة".

ويُصدِر التيار الحسيدي صحيفة "هموديع"، وهي صحيفة يوميّة، وتعدّ أقدم الصحف الدينيّة، في حين أنّ صحيفة "ياتيد نئمان"، وهي صحيفة يومية أيضاً، تمثّل التيّار الليتائي. وعلى الرغم من أنّ كُلاًّ من حزبي "يغودات يسرائيل" و"ديغل هتوراة" قد توحّدا لأسباب انتخابية وآنية في حزب "يهدوت هتوراة"، المشارك في الحكومة الحاليّة، فإنّ "هموديع" و"ياتيد نئمان" تعبّران عن خطين مختلفين، حيث إن "ياتيد نئمان" أكثر تحررًا في مناقشة القضايا السياسيّة والاجتماعيّة مقارنةً بصحيفة "هموديع"، التي تفرض خطاً تحريرياً متشددًا.

وعلى الرغم من الفروقات التي يُمكن ملاحظتها في السياسة التحريرية لكلتا الصحيفتين، إلا أنّهما تخضعان بشكل مباشر لـ "لجان روحية" تشكّلها المرجعيات الدينية للحزبين لإدارة كل صحيفة، حيث إنّ هذه اللجان تحدد السياسة التحريرية وأنماط التغطية.
أما التيار الديني الحريدي الشرقي، الذي تُمثله حركة "شاس" المُمَثّلة في الحكومة ويرأسها وزير الداخلية الحاخام أرييه درعي، فيملك صحيفة "يوم ليوم" وقد بدأت هذه الصحيفة التي دُشّنت عام 1994 كصحيفة يوميّة، ثم تحولت إلى صحيفة أسبوعية.
وإلى جانب الصحف الثلاث، فإنّ الأحزاب الحريدية الشرقية والغربية تُصدر العديد من المطبوعات الدوريّة وغير الدروية.

وتعدّ الصحف والمطبوعات التي تعبّر عن التيار الديني الحريدي الشرقي أكثر انفتاحاً وتحرراً من الصحف التي تُعبّر عن التيار الديني الحريدي الغربي. فمع أنّ صحيفة "يوم ليوم" تعبر عن الخط الديني والسياسي لحركة "شاس"، إلا أنها تركز بشكل كبير على القضايا المجتمعيّة المتعلقة باليهود الشرقيين سواء كانوا علمانيين أم متدينين، حيث تسلّط الأضواء على ما تعتبره "مظاهر التمييز" ضد الشرقيين.

لكن بغضّ النظر عن طابع الخلافات الفقهيّة والسياسية والعرقية بين الصحف الدينيّة الحريدية، إلا أنّها جميعاً تتبنى موقفاً أيديولوجياً متطرّفاً من قضايا الصراع مع العرب والفلسطينيين، وذلك تماشياً مع توجهات المجتمع الديني في إسرائيل. فقد دلّت نتائج دراسة أشارت إليها صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أخيراً، على أن 100 بالمئة من المتدينين في إسرائيل تقريباً يُعرّفون أنفسهم على أنهم من ذوي التوجهات اليمينية في كل ما يتعلق بالموقف من الصراع مع الفلسطينيين.

لقد حافظت الصحف الحزبيّة التي تمثل الأحزاب الدينية الحريدية على وجودها لأنّ المجتمع الحريدي في إسرائيل يُعدّ منغلقاً ويتسمّ بحرصٍ منقطع النظير على العمل وفق توجيهات القيادات الروحية لكلّ تيار من التيارات الحريدية. فاليهود الحريديم لا يتجاهلون الصحف الخاصة العلمانية فقط، بل إن أتباع كل تيار ديني حريدي لا يُطالعون الصحف التي تُعبّر عن التيارات الأخرى. وهذا ما جعل هذه الصحف تتمكّن من الصمود والاحتفاظ بجمهورها.

وتتعرض الصحف الدينية الحريديّة لمنافسة حالياً، بسبب ظهور صحف حريدية خاصة لا تخضع لسلطة "اللجان الروحية"، حيث تمتاز هذه الصحف بالاهتمام بقائمة كبيرة من القضايا، مثل الصحة، والأكل والتكنولوجيا والحياة الزوجية، وهي قضايا لا يمكن للصحف الحريدية الحزبية أن تناقشها. وضمن هذه الصحف، أسبوعية "شيشي" (يوم الجمعة)، التي تتميز عن الصحف الحريدية الحزبية باستخدام المؤثرات الفنية، مثل الألوان والتصميم والإخراج المُحكم. ونظراً لنجاح تجربة "شيشي"، فقد صدرت المزيد من الصحف الحريدية الخاصة، مثل صحيفة "همشبحاه" (العائلة) و"هشفوع" (الأسبوع).

أما التيار الديني الصهيوني، والذي بخلاف من التيار الديني الحريدي تقبل الفكرة الصهيونيّة منذ انطلاقها ولم يتردد في الاندماج في مؤسسات "الدولة"، فقد تعرضت صحفه لما تعرضت له الصحف الحزبية العلمانيّة. فقد كان هذا التيار يملك صحيفة يومية يطلق عليها "هتسوفيه"، لكنها توقفت عن الصدور قبل 5 أعوام. ويرجع هذا التطور إلى أن النخب التي تمثل التيار الديني الصهيوني قد تسللت إلى وسائل الإعلام العلمانية سواء التي تمولها الدولة أو الخاصة منها. ويكفي المرء أن يشاهد بثّ قنوات التلفزة الرائدة في إسرائيل ليلحظ بسهولةٍ الحضور المتزايد لمقدمي البرامج والمراسلين والمعلّقين من أتباع هذا التيار، من الذين يعتمرون القبعات الدينيّة المزركشة.

دلالات
المساهمون