الانتخابات المحلية الفلسطينية: تعزيز الانقسام بأمر قضائي

03 أكتوبر 2016
الانتخابات ستجرى في الضفة دون غزة (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

بقرار محكمة العدل العليا، اليوم الإثنين، إجراءَ الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط، دون قطاع غزة، على أن يتمّ تحديد موعدها خلال شهرٍ من تاريخه؛ تكون أعلى سلطة قضائية فلسطينية قد حسمت أمر ترسيخ واستمرار الانقسام من جهة، وأجهضت أي أمل قريب بعقد انتخابات المجلس الوطني، والانتخابات التشريعية والرئاسية، ليبقى الترهّل ملازماً النظام السياسي الفلسطيني الذي أوهنه الانقسام.

وقرار محكمة العدل العليا ليس الأول من نوعه، فقد أصدرت المحكمة ذاتها، عام 2012، قراراً يلزم الحكومة بعقد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط، دون قطاع غزة، ما يعني أن السابقة القانونية أصبحت ترقى إلى "العرف القانوني"، وبالتالي من الممكن أن يقاس عليها في ما يتعلق ببقية أشكال الانتخابات في النظام السياسي الفلسطيني.

واستند القرار إلى المادة 291 من قانون أصول المحاكمات المدنية في الجلسة التي ترأسها القاضي هشام الحتو.

وفي أوّل ردّ فعلٍ لها على القرار، أوصت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية، في رسالة بعثتها إلى الرئيس محمود عباس، بتأجيل إجراء الانتخابات المحلية لمدة ستة أشهر، بحيث "يتم خلالها ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، ومعالجة الأنظمة والقوانين ذات الصلة بما يخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني". 

وذكرت اللجنة، في بيان أعقب اجتماعها اليوم، أنها "إذ تحترم قرار محكمة العدل العليا، فإنها ترى أن ذلك سيزيد من حدة الانقسام بين شطري الوطن، ويضر بالمصلحة العامة والمسيرة الديمقراطية في فلسطين".

وحول ما يحمله القرار من قيمة قانونية وعملية، قال الخبير في الإعلام والقانون، ماجد العاروري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد": "قرار المحكمة ملزم للجنة الانتخابات بموجب القانون، لأن الحكومة أصدرت قراراً بعقد الانتخابات في الضفة والقطاع، ومحكمة العدل العليا اليوم أصدرت قراراً بإلغاء جزء من قرار الحكومة المتعلق بقطاع غزة".

وتبدو القيمة الفعلية باهظة على المشهد السياسي والاجتماعي الفلسطيني، لأن القرار يرسخ الانقسام، حيث أوضح العاروري أن "القرار يعمق الانقسام في قطاع غزة والضفة الغربية، ويعزز امتداده على المستوى القضائي، فيما يتعلق بشرعية القرارات في محاكم قطاع غزة، وبالتالي يمكن أن ينعكس سلباً على ثقة الناس في القرارات القضائية في القطاع، وينعكس سلباً على حالة السلم الأهلي هناك".

وكان مبرّر محكمة العدل العليا مفاده بأن الجهات القضائية في قطاع غزة "غير مخوّلة" بموجب القانون، أي أن المحاكم لم تتشكل وفق إجراءات مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي فإن المحاكم في قطاع غزة غير قانونية، وليست لديها صفة شرعية لتفرض رقابتها على الانتخابات.

غير أنّ الأمر الأساسي في كل ما يجري، هو أن الشارع الفلسطيني يدرك أن القضاء ينظر في مشاكل سياسية، وبالتالي لا يمكن تجاهل إمكانية تسييس القرارات.

بدوره، علّق المستشار ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، عيسى أبو شرار، على القرار قائلاً، في حديث مع "العربي الجديد": "الخلاف في الأراضي الفلسطينية سياسي، والأفضل عدم إقحام القضاء في الخلافات السياسية، لأن القضاء لا يستطيع أن يعمل على حل المشاكل السياسية التي تسود الساحة الفلسطينية".

لكن الخبراء في القانون يرون أن ما قامت به محكمة العدل العليا هو تجاوز لصلاحياتها، حيث يؤكد الخبير القانوني إبراهيم البرغوثي، أنّه "إذا ما صحّ ما تداولته وسائل الإعلام حول مضمون القرار، فإن ما قامت به المحكمة اليوم هو تجاوز لصلاحيات محكمة العدل العليا، فالقضاء الإداري هو قضاء إلغاء وليس إنشاء، وبالتالي لا تستطيع المحكمة أن تقوم مقام السلطة التنفيذية".

وأوضح، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّه "وفقاً لاختصاصات محكمة العدل العليا المنصوص عليها في القوانين النافذة، هي محكمة إلغاء وليست محكمة إنشاء، أو تعويض، وبالتالي كان على المحكمة أن تقرر قبول الطعن وإلغاء القرار الصادر عن مجلس الوزراء، أو تردّ الطعن ويكفي قرار مجلس الوزراء، أي إما رد الطعن أو قبوله".

ويعتبر قرار محكمة العدل العليا قراراً نهائياً غير قابل للاستئناف، حيث أكد البرغوثي أنّه "لا يوجد قضاء إداري على درجتين، بل على درجة واحدة، أي أنه لا يوجد جهة ليتم استئناف قرار محكمة العدل العليا لديها".

ولم يستطع "العربي الجديد" الوصول إلى المسؤولين في لجنة الانتخابات المركزية، لأخذ تعليق اللجنة حول القرار، بسبب عدم الرد على هواتفهم.

وكانت محكمة العدل العليا الفلسطينية قد أرجأت النظر في القضية المرفوعة أمامها بخصوص الطعون المقدمة ضد عقد الانتخابات المحلية مرتين؛ الأولى في الثامن من أيلول/سبتمبر، وأجّلته في حينها حتى 21 من الشهر ذاته، وفي الموعد الأخير، أرجأت المحكمة إصدار قرارها في القضية حتى اليوم الثالث من تشرين الأول/أكتوبر.


وتعقيباً على الحكم، دعت الجبهة الشعبية في بيان لها، إلى معالجة قرار محكمة العدل العليا بإجراء الاتصالات اللازمة مع القوى السياسية وكل ذوي الشأن بالانتخابات المحلية، لتهيئة المناخات اللازمة لإعادة إجرائها وتحديد موعد جديد وسريع من أجل ذلك، بعيداً عن التسييس المبالغ فيه، والذي كان أحد الأسباب التي أدت إلى تعطيلها.

ورأت الجبهة في إجراء الانتخابات المحلية بالضفة دون قطاع غزة "قطعاً مع الجهود التي بُذلت، ولا تزال، من الجبهة الشعبية وغيرها"، مضيفةً أنّ "الإصرار على السير في إجراء الانتخابات المحلية في الضفة دون القطاع؛ سيجعل العديد من القوى، ومنها الجبهة الشعبية، في موقف يصعب عليها التساوق معه والسير فيه".

وعقبت النائبة في المجلس التشريعي، والقيادية في الجبهة الشعبية، خالدة جرار، على القرار لـ"العربي الجديد" بالقول: "أعتقد أن هناك تسييساً زائد ومبالغاً فيه لموضوع الانتخابات المحلية".

وتابعت: "إذا ما بقي هذا القرار قائماً؛ فإن مشاركة الجبهة الشعبية ستصبح في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط"، مؤكدة أن الجبهة "في طور دراسة قرار نهائي حول مشاركتها أم لا".

من جانبها، اعترضت حركة "المبادرة" على قرار محكمة العدل العليا بتعطيل عملية الانتخابات البلدية ومنع إجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة، واعتبرت القرار يتعارض مع المصالح الوطنية والديمقراطية للشعب الفلسطيني، ويطيح بفرصة إجراء الانتخابات لأول مرة في الضفة والقطاع معا منذ عام 2006، وبما كان يمكن أن يفتح الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني.

وشددت "المبادرة" على أنها "لا تستطيع أن توافق على حرمان أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من حقهم الطبيعي في المشاركة في الانتخابات البلدية"، لافتةً إلى أنه كان من الممكن معالجة كافة الإشكاليات الخاصة ببعض المواقع دون إلغاء الانتخابات في قطاع غزة بكامله، وأن الحجج التي قدمت لتبرير القرار غير مقنعة قانونياً.

المواقف المندّدة بالقرار لقيت صدىً داخل حركة "فتح" أيضاً، إذ وصف عضو اللجنة المركزية للحركة، محمد اشتيه، اليوم، القرار بـ"المحزن".

غير أنّه حمّل، في بيان صحافي، حركة "حماس" كامل المسؤولية عن "تعطيل المسار الديمقراطي، عبر تدخلها في الانتخابات والطعونات غير القانونية التي أقدمت عليها، ولجوئها إلى محاكم غير شرعية"، حسب تعبيره، قائلاً: "نريد للعملية الانتخابية أن تكون كاملة ومكتملة، بما يشمل جميع الأراضي الفلسطينية".

وطالب اشتيه وزيرَ الحكم المحلي بأن يتولّى تعيين بلديات في قطاع غزة، بصفته وزيراً في حكومة التوافق الوطني، على اعتبار أنّه "صاحب الشأن في هذا الأمر"، حسب قوله.