09 نوفمبر 2024
الانتخابات الجزائرية.. إغلاق اللعبة السياسية
يلاحظ على الانتخابات الجزائرية أن الخطاب السياسي فيها انتهى إلى تبارٍ يمكن وصفه أنه "جيلي"، أي بين جيلين، هما جيل السياسيين الذين يتعدّون، في أغلبهم، الخمسين سنة، والجيل الشبابي المولع بوسائل الاتصال الحديثة، والتي سعى إلى استخدامها تعبيراً عن مواقفه، بعد إغلاق منافذ التعبير عن الآراء التي لا تساير خطاب السلطة، بحيوية الانتخابات وأهميتها، على الرغم من ظاهرة العزوف التي ترافقها، والتي تشكل، في كل مرة، هاجساً للنظام.
بتحليل هذا الخطاب، نجده حاملاً منظومةً من الرسائل ذات المضمون المتكامل في نهاية الأمر، كونه يهدف إلى تشريح الوضع، تقييمه ثم تقديم البدائل بمنهجياتٍ إصلاحيةٍ مختلفة، حيث ينحو خطاب الفريق الأول إلى منهجيةٍ تركز على معطى البقاء للحفاظ على "إنجازاتٍ"، تتوهم أنها حققتها، وتهدف إلى الإبقاء على الوضع كما هو، لأن ثمة مخاطر وتهديدات للاستقرار الذي يظنونه مضموناً بتلك الإنجازات، فيما تنحو منهجية "الفريق الشبابي" إلى تغيير الوضع باقتراح بدائل يراها الأجود والأقدر على رفع تحديات المرحلة المقبلة بأدوات جديدة وبكفاءاتٍ ترى أنها غيبت تماماً عن أداء دورها في السابق.. باختصار، الصراع هو لتجديد النخب في إطار صراع مجتمعي، تعرفه كل الدول، جيلاً بعد جيل.
يتجّه خطاب السّلطة إلى التّركيز على الإنجازات، كما يرتكز على توجيه الأنظار نحو رؤية إيجابية للحكم، بدون نقاش لجوانب التقييم لتلك الإنجازات على أصعدة الميادين التي تؤكّد تقارير المؤسسات الدولية أن ثمة فشلاً ذريعاً فيهـا، وخصوصاً الاقتصاد، الصحة، التربية والتعليم، وعملية التحول نحو الديمقراطية التي تراوح مكانها منذ عقود، وفي ميادين أخرى كثيرة، أضحت البلاد معها في وضع يوصف بأن مؤشراته حمراء. ويبرز في تحليل خطاب السلطة التركيز على أن ثمة نخبة حققت تلك الإنجازات، وينبغي أن تبقى محتلة مناصب ومرشحة في الانتخابات ومتصدرة المشهد السياسي كله، ولو بلغت من العمر عتيّا في مجتمع "هرمت" الكفاءات الشابة، ولم يسلّم لها المشعل، كما وعد الرئيس، منذ نحو 15 سنة، أنه سيسلمه لها في إطار عملية تجديد للنخبة ظهر، آنذاك، أنه طبيعي، بحكم تغير الحقائق المجتمعية، وبروز تحدياتٍ لا يليق برفعها إلا نخبة جديدة.
أما في أثناء هذه الحملة الانتخابية، فإن خطاب السلطة اتسم بتراجع أكيد عن تلك الوعود
والتركيز فقط على حقيقتين، هما الحفاظ على استقرار البلاد في محيط إقليمي متفجر، إضافة إلى إنجازات حققت، وخصوصاً على الصعيد الاجتماعي، ينبغي ملاحظة أنها الأجدر بالبروز، بعيداً عن ملفات الفساد، تجديد النخب والقوائم الانتخابية التي كثر الكلام على أن رؤوسها جاءت بناءً على مؤشر المال، وليس مؤشر الكفاءة.
وبشأن المعارضة في الجزائر، فإنها تنقسم إلى "موالية" وأخرى حقيقية، ويمكن لمؤشر الاختلافات في البرامج الانتخابية أن يدلل على ذلك، حيث تتحدث المعارضة "الموالية" في برامجها أن هدفها ليس الوصول إلى السلطة، وبأنها تدافع وترافع لصالح برنامج الرئيس. أما المعارضة "الحقيقية" فهي بعض الأحزاب التي دأبت على تشريح خطاب السلطة، والتركيز على أن جوانب كثيرة سيئة فيه تحتاج، من خلال الأداة الانتخابية، إلى التدليل عليها في البرلمان أو في الإعلام، من دون تجاوز تلك الإشكاليات لطرح برامج بديلة، والتعبير عن طموحاتٍ للوصول إلى اقتراح بديل لمنظومة الحكم الحالية، بل من دون تجاوز تلك السياسات، للمطالبة بتجديد النخب السياسية. ويوصف خطاب هذه المعارضة، بمناسبة هذه الانتخابات، على سبيل المثال، بأنه دون المستوى المطلوب، بل ينحو، في أحيانٍ كثيرة إلى السلبية، من حيث اللغة المستخدمة، وفي البلاغة التي تستخدم لدفع الناس إلى الاقتراع.
وعن الشباب، في هذه الانتخابات، فإنه قدّم قراءته الأوضاع، وعكس الصورة النمطية للنظام وللانتخابات في مخيلة الجزائريين، باستخدام جيد للوسائل التكنولوجية، والتي صنعت الحدث، بالنظر إلى نسبة الممتنعين والأصوات الملغاة (أكثر من 16 مليون صوت)، ما دفع السلطة إلى مضاعفة جهودها في الحملة الانتخابية، لحث الناس على الانتخاب، ودفعت، يوم الانتخاب، آلافاً من مناصريها إلى مكاتب الاقتراع، وتمديد مدة الاقتراع ساعة، بعد ملاحظة ارتفاع نسبة العزوف. وقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي مجهودات هؤلاء الشباب. ومما كتب عن أبرزهم (شمس الدين العمراني وأنس تينا) أنهما "لم يدمرا الحملة الانتخابية، ولكنهما نشرا وعياً مغايراً للخطاب الذي حاولت الحملة الانتخابية غرسه، وكأنه الخطاب الوحيد، في حين أن الديمقراطية تقتضي فتح الباب أمام الجميع للتعبير. كان العزوف سلوكاً انتخابياً في الجزائر. وفي هذه السنة، لم ينتبه ربما أصحاب خطاب السلطة والمشاركون للخطاب الشبابي ولحجم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي...". وكتب أيضاً "أما تصريح أحدهم بأن فيديو شمس الدين تلاعب، لأنه أنجز بتقنية عالية، فيكفي للسياسي الذي صرّح هذا أن يسأل عن آخر التقنيات في التصوير، والمكساج، بل والتطبيقات المنتشرة على الإنترنت، ليعلم أن ذلك يتم بوسائل رخيصة الثمن وبجودة أكثر من جيدة..."، و"تحياتي لمن قرّر المشاركة، ولمن قرّر المقاطعة، فالكل جزائري، والديمقراطية تكفل للكل الحرية في انتهاج سلوكٍ انتخابي، يليق بإرادته كمواطن".
وعن نتائج الانتخابات، فيمكن إجمال أهمّها في أن الحزبين الرئيسين في التحالف الرئاسي، جبهة التحرير وتجمع أويحيى الديمقراطي، فازا بأغلبية المقاعد، ولن يحتاجا إلى حزب آخر لتكوين الحكومة، ولا للتصويت على مشاريع قوانين حيوية للنظام في أفق رئاسيات 2019 (على فرض أن الرئيس سيلجأ إلى أحدهما لتكوين الحكومة، وهو غير ملزم بذلك دستورياً). وأن الأحزاب الإسلامية كانت الخاسر الأكبر في الاقتراع، حتى مع تكوينها تكتلين، وهو ما ينذر بتراجعهما للاصطفاف ضمن "معارضة" ضعيفة في الحياة السياسية وداخل البرلمان. وتدلّل النتائج أن اللعبة السياسية أصبحت، الآن، مغلقةً بفوز حزبي السلطة بالأغلبية، وهو رهان المشاركة الذي سعت السلطة إلى ضمانه لهذه الانتخابات، في أفق قرارات أليمة سيتم اتخاذها، وخصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتردّي (انخفاض حاد لمداخيل الخزينة بانخفاض أسعار المحروقات).
ومن النتائج أيضاً إغلاق مجال اللعبة السياسية في أفق التحضير لخلافة الرئيس الحالي، وهو
ما دفع النظام الى المراهنة على حزبين "مضمونين"، من دون الحاجة لتوسيع دائرة "الثقة"، حتى بالنسبة لأحزاب الموالاة، حمس، تاج وحزب بن يونس. وأكبر حزب في الجزائر هو حزب الممتنعين عن التصويت، سواء تعلق الأمر بالمقاطعين أو المصوتين لأظرفة ملغاة، وصل مجموعهما إلى قرابة 16 مليوناً. وقد تغيرت في لغة المنهزمين من أحزاب كانت تعتبر، إلى وقت قريب، من الموالين للنظام، حيث صرحت رئيسة حزب العمال، لويزة حنون، إن آليات التفاعل مع النظام تغيرت، بفعل التزوير الواسع لأصوات المشاركين في الانتخابات. وبالتالي، فالمستقبل هو المعارضة بأدوات أخرى، لم توضح طبيعتها، غير الانتخابات، سعياً إلى التفاعل الجديد من موقع المعارضة الحقيقية.. أما "حمس"، على لسان رئيسها، عبد الرزاق مقري، فقد أقرّ باستخدام النظام آلية التزوير على نطاق واسع، ما يستدعي تعاملاً جديداً مع النظام من موقع المعارضة، أيضاً.
وبالنسبة لمنطقة القبائل، فإن حزبيها الرئيسيين لم يفوزا إلا بالفتات (23 مقعداً) لكل من جبهة القوى الاشتراكيـة والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على التوالي، ما يعني أن المنطقة ستغرق، مرة أخرى، في التهميش، ما سيوسّع من نطاق التعبير عن "القطيعة مع النظام"، والتي يناصرها كثيرون من أبناء المنطقة، وصولاً بتلك القطيعة إلى درجة المطالبة بالاستقلال عن الجزائر بالنسبة لفصيل صغير.
وقد تؤدي الانتخابات بنسبة المشاركة الضئيلة فيها، وفق قراءة سياسية في الجزائر، إلى لجوء الرئيس إلى التشريع من خلال مراسيم بالنظر إلى عدم تمثيلية البرلمان الحالي الشعب، وهي قراءة مستبعدة، بسبب نية إغلاق اللعبة السياسية، والمراهنة على حزبي السلطة لتكوين الحكومة وتسيير عملية التشريع في العهدة الخمسية المقبلة. وقد أصبح الباب واسعاً، الآن، أمام النظام، لتسيير الفترة المقبلة، والتي يمثل رهان رئاسيات 2019، أو الرئاسيات المسبقة، أهم نقطتين في أجندتها.
... قال الشعب الجزائري كلمته في انتخاباتٍ أعادت الأوضاع إلى نقطة الصفر، وأغلقت اللعبة السياسية في أفق رهاناتٍ، ترى السلطة أنها لن تحتاج لخوضها إلا لمن تثق فيهم، وهو إعلان بنهاية عهد المرحلة الانتقالية بتقييمٍ لعملية التحول نحو الديمقراطية، رأت السلطة أنه فشل نهائياً.
من ناحية أخرى، هل يمكن أن نتحدّث عن رهاناتٍ أخرى، لم تفكّر فيها السلطة بالنسبة لمستقبل الحياة السياسية؟ الجواب في أيدي الأغلبية الصامتة التي ستقرّر الإمساك بالفضاءات المتبقية من مساحة الحرية لتحويل "العزوف" إلى دافعٍ لاختيار بدائل وفرض خيارات أخرى.. إنه مستقبل العملية الديمقراطية برمتها، وهو رهان قادم الأيام في الجزائر، وإن غداً لناظره لقريب.
بتحليل هذا الخطاب، نجده حاملاً منظومةً من الرسائل ذات المضمون المتكامل في نهاية الأمر، كونه يهدف إلى تشريح الوضع، تقييمه ثم تقديم البدائل بمنهجياتٍ إصلاحيةٍ مختلفة، حيث ينحو خطاب الفريق الأول إلى منهجيةٍ تركز على معطى البقاء للحفاظ على "إنجازاتٍ"، تتوهم أنها حققتها، وتهدف إلى الإبقاء على الوضع كما هو، لأن ثمة مخاطر وتهديدات للاستقرار الذي يظنونه مضموناً بتلك الإنجازات، فيما تنحو منهجية "الفريق الشبابي" إلى تغيير الوضع باقتراح بدائل يراها الأجود والأقدر على رفع تحديات المرحلة المقبلة بأدوات جديدة وبكفاءاتٍ ترى أنها غيبت تماماً عن أداء دورها في السابق.. باختصار، الصراع هو لتجديد النخب في إطار صراع مجتمعي، تعرفه كل الدول، جيلاً بعد جيل.
يتجّه خطاب السّلطة إلى التّركيز على الإنجازات، كما يرتكز على توجيه الأنظار نحو رؤية إيجابية للحكم، بدون نقاش لجوانب التقييم لتلك الإنجازات على أصعدة الميادين التي تؤكّد تقارير المؤسسات الدولية أن ثمة فشلاً ذريعاً فيهـا، وخصوصاً الاقتصاد، الصحة، التربية والتعليم، وعملية التحول نحو الديمقراطية التي تراوح مكانها منذ عقود، وفي ميادين أخرى كثيرة، أضحت البلاد معها في وضع يوصف بأن مؤشراته حمراء. ويبرز في تحليل خطاب السلطة التركيز على أن ثمة نخبة حققت تلك الإنجازات، وينبغي أن تبقى محتلة مناصب ومرشحة في الانتخابات ومتصدرة المشهد السياسي كله، ولو بلغت من العمر عتيّا في مجتمع "هرمت" الكفاءات الشابة، ولم يسلّم لها المشعل، كما وعد الرئيس، منذ نحو 15 سنة، أنه سيسلمه لها في إطار عملية تجديد للنخبة ظهر، آنذاك، أنه طبيعي، بحكم تغير الحقائق المجتمعية، وبروز تحدياتٍ لا يليق برفعها إلا نخبة جديدة.
أما في أثناء هذه الحملة الانتخابية، فإن خطاب السلطة اتسم بتراجع أكيد عن تلك الوعود
وبشأن المعارضة في الجزائر، فإنها تنقسم إلى "موالية" وأخرى حقيقية، ويمكن لمؤشر الاختلافات في البرامج الانتخابية أن يدلل على ذلك، حيث تتحدث المعارضة "الموالية" في برامجها أن هدفها ليس الوصول إلى السلطة، وبأنها تدافع وترافع لصالح برنامج الرئيس. أما المعارضة "الحقيقية" فهي بعض الأحزاب التي دأبت على تشريح خطاب السلطة، والتركيز على أن جوانب كثيرة سيئة فيه تحتاج، من خلال الأداة الانتخابية، إلى التدليل عليها في البرلمان أو في الإعلام، من دون تجاوز تلك الإشكاليات لطرح برامج بديلة، والتعبير عن طموحاتٍ للوصول إلى اقتراح بديل لمنظومة الحكم الحالية، بل من دون تجاوز تلك السياسات، للمطالبة بتجديد النخب السياسية. ويوصف خطاب هذه المعارضة، بمناسبة هذه الانتخابات، على سبيل المثال، بأنه دون المستوى المطلوب، بل ينحو، في أحيانٍ كثيرة إلى السلبية، من حيث اللغة المستخدمة، وفي البلاغة التي تستخدم لدفع الناس إلى الاقتراع.
وعن الشباب، في هذه الانتخابات، فإنه قدّم قراءته الأوضاع، وعكس الصورة النمطية للنظام وللانتخابات في مخيلة الجزائريين، باستخدام جيد للوسائل التكنولوجية، والتي صنعت الحدث، بالنظر إلى نسبة الممتنعين والأصوات الملغاة (أكثر من 16 مليون صوت)، ما دفع السلطة إلى مضاعفة جهودها في الحملة الانتخابية، لحث الناس على الانتخاب، ودفعت، يوم الانتخاب، آلافاً من مناصريها إلى مكاتب الاقتراع، وتمديد مدة الاقتراع ساعة، بعد ملاحظة ارتفاع نسبة العزوف. وقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي مجهودات هؤلاء الشباب. ومما كتب عن أبرزهم (شمس الدين العمراني وأنس تينا) أنهما "لم يدمرا الحملة الانتخابية، ولكنهما نشرا وعياً مغايراً للخطاب الذي حاولت الحملة الانتخابية غرسه، وكأنه الخطاب الوحيد، في حين أن الديمقراطية تقتضي فتح الباب أمام الجميع للتعبير. كان العزوف سلوكاً انتخابياً في الجزائر. وفي هذه السنة، لم ينتبه ربما أصحاب خطاب السلطة والمشاركون للخطاب الشبابي ولحجم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي...". وكتب أيضاً "أما تصريح أحدهم بأن فيديو شمس الدين تلاعب، لأنه أنجز بتقنية عالية، فيكفي للسياسي الذي صرّح هذا أن يسأل عن آخر التقنيات في التصوير، والمكساج، بل والتطبيقات المنتشرة على الإنترنت، ليعلم أن ذلك يتم بوسائل رخيصة الثمن وبجودة أكثر من جيدة..."، و"تحياتي لمن قرّر المشاركة، ولمن قرّر المقاطعة، فالكل جزائري، والديمقراطية تكفل للكل الحرية في انتهاج سلوكٍ انتخابي، يليق بإرادته كمواطن".
وعن نتائج الانتخابات، فيمكن إجمال أهمّها في أن الحزبين الرئيسين في التحالف الرئاسي، جبهة التحرير وتجمع أويحيى الديمقراطي، فازا بأغلبية المقاعد، ولن يحتاجا إلى حزب آخر لتكوين الحكومة، ولا للتصويت على مشاريع قوانين حيوية للنظام في أفق رئاسيات 2019 (على فرض أن الرئيس سيلجأ إلى أحدهما لتكوين الحكومة، وهو غير ملزم بذلك دستورياً). وأن الأحزاب الإسلامية كانت الخاسر الأكبر في الاقتراع، حتى مع تكوينها تكتلين، وهو ما ينذر بتراجعهما للاصطفاف ضمن "معارضة" ضعيفة في الحياة السياسية وداخل البرلمان. وتدلّل النتائج أن اللعبة السياسية أصبحت، الآن، مغلقةً بفوز حزبي السلطة بالأغلبية، وهو رهان المشاركة الذي سعت السلطة إلى ضمانه لهذه الانتخابات، في أفق قرارات أليمة سيتم اتخاذها، وخصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتردّي (انخفاض حاد لمداخيل الخزينة بانخفاض أسعار المحروقات).
ومن النتائج أيضاً إغلاق مجال اللعبة السياسية في أفق التحضير لخلافة الرئيس الحالي، وهو
وبالنسبة لمنطقة القبائل، فإن حزبيها الرئيسيين لم يفوزا إلا بالفتات (23 مقعداً) لكل من جبهة القوى الاشتراكيـة والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على التوالي، ما يعني أن المنطقة ستغرق، مرة أخرى، في التهميش، ما سيوسّع من نطاق التعبير عن "القطيعة مع النظام"، والتي يناصرها كثيرون من أبناء المنطقة، وصولاً بتلك القطيعة إلى درجة المطالبة بالاستقلال عن الجزائر بالنسبة لفصيل صغير.
وقد تؤدي الانتخابات بنسبة المشاركة الضئيلة فيها، وفق قراءة سياسية في الجزائر، إلى لجوء الرئيس إلى التشريع من خلال مراسيم بالنظر إلى عدم تمثيلية البرلمان الحالي الشعب، وهي قراءة مستبعدة، بسبب نية إغلاق اللعبة السياسية، والمراهنة على حزبي السلطة لتكوين الحكومة وتسيير عملية التشريع في العهدة الخمسية المقبلة. وقد أصبح الباب واسعاً، الآن، أمام النظام، لتسيير الفترة المقبلة، والتي يمثل رهان رئاسيات 2019، أو الرئاسيات المسبقة، أهم نقطتين في أجندتها.
... قال الشعب الجزائري كلمته في انتخاباتٍ أعادت الأوضاع إلى نقطة الصفر، وأغلقت اللعبة السياسية في أفق رهاناتٍ، ترى السلطة أنها لن تحتاج لخوضها إلا لمن تثق فيهم، وهو إعلان بنهاية عهد المرحلة الانتقالية بتقييمٍ لعملية التحول نحو الديمقراطية، رأت السلطة أنه فشل نهائياً.
من ناحية أخرى، هل يمكن أن نتحدّث عن رهاناتٍ أخرى، لم تفكّر فيها السلطة بالنسبة لمستقبل الحياة السياسية؟ الجواب في أيدي الأغلبية الصامتة التي ستقرّر الإمساك بالفضاءات المتبقية من مساحة الحرية لتحويل "العزوف" إلى دافعٍ لاختيار بدائل وفرض خيارات أخرى.. إنه مستقبل العملية الديمقراطية برمتها، وهو رهان قادم الأيام في الجزائر، وإن غداً لناظره لقريب.