أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، أمس الجمعة، أن 2173 قائمة ترشحت للانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 مايو/ أيار المقبل، بينها 177 قائمة ائتلافية و897 قائمة مستقلة و1099 قائمة حزبية.
وبحسب توزيع القوائم، فإن المشهد السياسي التونسي سيحافظ في هذه الانتخابات على التنافس ذاته القائم منذ انتخابات 2014، إذ تتصدر حركتا نداء تونس والنهضة المشهد بـ350 قائمة لكل منهما، أي أنهما ستتنافسان في كل البلديات. وحل ائتلاف الجبهة الشعبية اليسارية بعدهما بـ132 قائمة، ثم حركة مشروع تونس بـ84 قائمة، فحزب التيار الديمقراطي بـ72، وحراك تونس الإرادة بـ47، وآفاق تونس بـ46، والائتلاف المدني (ائتلاف من 10 أحزاب) بـ43، وحركة الشعب بـ40، والحزب الدستوري الحر بـ32، والبناء الوطني بـ20، والحزب الاشتراكي بـ13، وبني وطني بـ9 قوائم، والمبادرة بـ8، والاتحاد الشعبي الجمهوري بـ7، والبديل التونسي (حزب رئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة) بـ4 قوائم فقط. وتعكس هذه الأرقام بدقة تفاصيل المشهد السياسي الحالي، مع صعود نسبي للتيار الديمقراطي، واقتصار التحالفات الحزبية، بين الجبهة الشعبية اليسارية والائتلاف المدني، على 177 بلدية فقط، وهو ما يعني أن هذه التحالفات لم تنجح في اختراق المشهد السياسي وتغييره. فباستثناء الجبهة الشعبية التي حافظت على موقعها الثالث، فشلت أحزاب الائتلاف المدني الأخرى في تقديم بديل سياسي ممكن في هذه الانتخابات، مع ترشح أهم مكوناتها الحزبية، مشروع تونس وآفاق تونس والبديل وغيرها، بشكل مستقل، ما سيزيد من اللّبْس لدى الناخبين.
غير أن المفاجأة الحقيقية تمثلت في المستقلين، إذ نجح هؤلاء في تقديم 897 قائمة في مختلف البلديات، أي أنها ستمثل بمعدل 3 قوائم في كل البلديات الـ350، وهو رقم مهم يعكس طبيعة الانتخابات البلدية التي تميل إلى استثمار الشخصيات المحلية والانتماءات العائلية والقبلية والجهوية. وسيكون التنافس بهذا الشكل قوياً بين النهضة والنداء من جهة، والمستقلين من جهة أخرى. لكن يجب التنويه بأن بعض القوائم المستقلة تقف خلفها أحزاب أو شخصيات حزبية نافذة محلياً، في انتظار نتائج الاعتراض على هذه القوائم. ويبدو أن عدداً من قوائم النهضة والنداء سيسقط، بسبب عدم احترامها لبعض شروط الترشح، وأبرزها المناصفة بين الرجال والنساء.
وستشكل هذه الانتخابات معياراً جديداً لشعبية الحزبين الكبيرين أولاً، ولبقية الأحزاب الأخرى، وربما تكون طبيعة الحملة الانتخابية عاملاً مهماً في هذا التنافس. لكن وبرغم الانتقادات الكبيرة لتحالف النداء والنهضة حكومياً، فإنهما استطاعا إقناع الكفاءات المحلية بالانضمام إليهما، على عكس منتقديهما من المعارضة. ولعل التركيز في هذه الحملات المنتظرة سيكون حول الفشل الحكومي والوضع الاقتصادي الصعب. والسؤال هو ما إذا كان هذا الأمر سينجح خلال عملية التصويت، بعد أن فشل في استدراج شخصيات للانضمام إلى قوائم المعارضة؟
ويُفترض أن تنتقل الحملات الانتخابية إلى مربع التناحر الإيديولوجي والمدني وتخرج عن طبيعة المشاريع المحلية التنموية، وهو خطاب لا تستطيع النخبة السياسية تجاوزه بأي حال، برغم أن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، أفلح في تأجيل موعد تقديم مقترحات اللجنة التي شكلها حول الإرث والحريات الفردية إلى ما بعد الانتخابات. ولو حافظت على موعدها في فبراير/ شباط الحالي كما كان منتظراً، لشكلت من دون شك رحى هذه الانتخابات وموضوعها الرئيسي. وبرغم المخاوف من العزوف التي رافقت انتخابات ألمانيا الجزئية، وانصراف التونسيين عن الشأن العام، وبرغم الشروط الصعبة التي وضعت للترشح، فإن العدد الإجمالي للمرشحين، وهو 57020، يبعث مؤقتاً على الاطمئنان، في انتظار نتائج الاقتراع وعدد المقترعين.
ولم تنته فصول الخلافات بين الأحزاب بتقديم القوائم، إذ ينتظر أن تشهد الفترة المقبلة صراعاً حول مجلة الجماعات المحلية (قانون تنظيم الحكم المحلي وعمل البلديات). فقد أنهت لجنة تنظيم الإدارة في البرلمان التونسي، أول من أمس، بشكل رسمي المصادقة على جميع بنود مجلة الجماعات المحلية بعد أن توصلت إلى توافق حول غالبية البنود الخلافية. وأعلنت اللجنة إتمام النظر في المجلة وإحالتها إلى الجلسة العامة للتصويت عليها قبل إصدارها، والشروع في تنفيذ ما جاءت به من أحكام تنظم التصرف المالي والإداري في المجالس البلدية والمحلية المنتخبة. ولم يكن مرور اللجنة إلى الجلسة العامة سهلاً. وشهدت المناقشات خلافات عميقة حول "تفرغ رئيس البلدية" من وظائفه، مع اعتبار بعض الكتل أن هذا الإجراء سيحول دون الإقبال على الانتخابات، إذ يفترض إيقاف الأنشطة التجارية وتعليق أنشطة العيادات ومكاتب المحاماة وغيرها من المهن الحرة. كما دار خلاف حول تعميم المستفيدين من النشاط البلدي ترشحاً ومشاركة من "المواطنين" لتشمل بعد التوافق "المتساكين"، ما يعني أن المقيمين والعابرين وغير حاملي الجنسية التونسية يتمتعون بالإجراءات نفسها. كما احتد النقاش عند إعفاء وسحب الثقة من رئيس البلدية خشية التغول. وكآلية لضمان التوازن داخل المجلس البلدي، فقد انتهى الأمر إلى ضمان شروط تحافظ على استقرار الهيئات المنتخبة.
وتشير بعض الأرقام، التي قدمتها الهيئة أمس، إلى بعض المؤشرات المهمة، فهناك 206 بلديات، من بين 350، لا توجد فيها قوائم ائتلافية، و29 بلدية لم تترشح فيها قوائم مستقلة، ما يعني أن التنافس الحزبي سيسيطر على هذه الانتخابات، وسيتركز على حزبي النهضة والنداء أساساً. وأعلنت الهيئة أنه بخصوص ترتيب عدد القوائم حسب الجهات، فإن المنستير تحتل المرتبة الأولى بـ190 قائمة، ثم سيدي بوزيد بـ130 قائمة، تليها القصرين بـ128 قائمة، فسوسة بـ115 قائمة، ثم القيروان بـ106 قوائم، وقفصة والمهدية بـ105 قوائم، ثم نابل1 بـ99 قائمة، في حين تحتل دائرة تونس 1 المرتبة الأخيرة بـ20 قائمة، وهو ما يعني أن جهات الداخل تبقى معنية أكثر بالشأن العام من العاصمة. وأشارت الهيئة أيضاً إلى أن عدد المعوقين في القوائم بلغ 1812، أي أقل من عدد القوائم المتقدمة إلى الانتخابات، ما يعني أن بعضها سيسقط، لكنه مؤشر مهم، في الوقت ذاته، على دخول معايير جديدة في العمل السياسي المحلي على الأحزاب أن توليها عناية في الفترة المقبلة.