15 نوفمبر 2024
الانتخابات.. "طبعة السيسي"
تعد الانتخابات إحدى علامات العملية الديمقراطية، وتشكل مؤشرا على الاحتكام إلى الصناديق، حتى يمكن تبيّن عناصر الرضا والشرعية، وربما قد يرد على هذا المؤشر بعض التحفظات، خصوصا في إطار موسمية الانتخابات والمشاركة فيها، فيؤكد مع تباعد الفترة الزمنية أن الرضا لا بد وأن يعبر عنه بشكل مضطرد، وبأشكال أخرى قد تتعدى الصندوق. ولكن يظل الصندوق محكا ومقياسا للاحتكام إليه في أحوال سياسية مختلفة. ومن المهم أن لا تكون الانتخابات وحدها مؤشرا على مسألة النشاط والفاعلية في العملية السياسية، إلا أنه في ظل انسداد الأفق السياسي في مصر، بعد انقلاب العسكر وبعد مسرحية انتخابات هزلية في العام 2014، رأى بعضهم أن الانتخابات في 2018 تشكل فرصة للتغيير، أو حلحلة الموقف عما هو عليه، بعد أن قرّر عبد الفتاح السيسي، ضمن تدبيراته الانقلابية، اغتصاب السياسة وتأميم معظم ساحاتها، وتوجيه كل المؤسسات إلى أن تكون في خدمته، ولسان حال طغيانه ويده التي يبطش بها ليؤسس لجمهورية الخوف، إلا أنه مع حلول موسم الانتخابات، كان عليه أن لا تكون تلك الانتخابات كما تعرفها الديمقراطيات، ولكن كما اصطنع كل شيء بعد الانقلاب، رأى أن ينتج طبعته الجديدة من الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية.
وامتازت هذه الانتخابات بخمس من الخصائص أو السمات، تعبر عن طبعة فاشية للأسف تسمى انتخاباتٍ تجاوزا وما هي بالانتخابات، إلا أنه يمرّرها في بيئة اعتاد على اصطناعها من الإرهاب المحتمل، ومن صناعة الكراهية والفرقة، ومن مصادرة كل فعل للمعارضة أو
الاحتجاج أو التعبير عن مجرد الرأي، فأخرج من ترسانة التشريع ما أراد، ومن جحافل البرلمان ما صنع به بيئةً تكمم الأفواه، وتجفف كل شيء يتعلق بالسياسة والحياة المدنية، ومصادرة كل ما يتعلق بفاعليات المجال العام، ووصلنا إلى أعلى درجات الاستخفاف، فلم تكن مقولة حسني مبارك المخلوع "خليهم يتسلوا" بعد الانتخابات البرلمانية في آخر العام 2010، وقبيل نشوب الثورة بقليل، فإن السيسي لم ترضه حتى هذه الطبعة في الاستخفاف، وفي إجراء الانتخابات. على هذا النحو، اصطنع طبعة فاشية مكّن لها ضمن سياساته الاستخفافية بعموم الناس وآرائهم وأصوات الناس وتمثيلهم، فاتسمت هذه الانتخابات الهزلية بخمس سماتٍ، نستطيع أن نؤكد أنها انتخابات زائفة هزلية، أو كما يشيع على ألسنة المصريين "انتخابات تايواني"، تشكل انتخابات مضروبة في ابتدائها وفي انتهائها:
تتعلق السمة الأولى بالانتخابات القسرية، فاتخذت أشكالا في القسر، لا يمكن تصورها، وتمثلت بأشكال ثلاثة:
الأول، الانتخابات القسرية في مرحلة الترشيح، من تجرأ أن يترشح واجهه السيسي، فشحن أحدهم من بلدٍ كان يقيم فيها، وتحديد إقامته وإجباره على الخروج من هذا السباق من غير معقب منه، إلى أن قال إنه كان بعيدا عن مصر، لا يفهم ولكنه حينما أتى فهم وعرف، و"أن القيادة يجب أن تستكمل مسيرتها". نعم مسيرتها في البطش والعسف بالناس، وتكميم الأفواه واستباحة النفوس، وسجن الناس واختطافهم، وتصفيتهم خارج إطار القانون. وأصبحت معدلات مسلسلات الإعدام يوما بعد يوم تتزايد ترويعا وتفزيعا من دون رادع أو حساب. أما المرشح الثاني فقد تم سجنه واعتقاله، ثم تقديمه إلى محاكمة عسكرية، وحكم عليه بست سنوات. أما الثالث، وكان رئيسا لأركان القوات المسلحة في أخريات عهد مبارك، وفي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بعد ثورة يناير، فإنه أودع في السجن الحربي، بدعوى أنه خالف القوانين والأعراف العسكرية الثلاثة ينتمون للجيش. أما المرشح المدني، حينما رأى ذلك كله، فقد أراده السيسي أن يكون "كومبارسا" مثل من سبق في انتخابات 2014، فأدى به ذلك بعد توافقٍ مع أنصاره إلى أن ينسحب من المسرحية الهزلية.
أما الشكل الثاني فهي رحلة البحث عن "التيس المستعار"، كانت رحلته تلك في اختيار من ينافسه، حتى لا يشمت الأعداء، ويقنع الغرب بانتخاباته الهزلية، كأنها كذلك من خلال ترشيح أي أحد يقوم هو بتحديده وتعيينه، صدق أو لا تصدق، فإن رئيس حزب الوفد الذي ملأ الدنيا ضجيجا بتأييده منعه من الترشح شباب حزبه (حزب الوفد)، مؤكدين أن الحزب سيفقد كل معنى لوجوده واستمراره، إذا ما اشترك في تلك المسرحية الهزلية، فما كان من البحث في دفاتره تحت عنوان جديد "مطلوب مرشح يا ولاد الحلال". وأخيرا فقد عثر عليه، عثر على شخصٍ، كان يؤيده بشدة، ويؤكد على حاجة مصر إلى أن يترشح السيسي لفترة ثانية، وربما إلى الأبد. وقع الاختيار على "التيس المستعار"، وحينما واجهه بعضهم برفع قضية لعدم توفر الشروط فيه، خصوصا في مؤهله وشهادته التي حصل عليها أمر المستبد "لجنة القطاع" التي تقوم بمعادلة الشهادات، كذلك المجلس الأعلى للجامعات للاجتماع فورا لمعادلة شهادته، تحت ذلك العنوان الشهير "الدفاتر دفاترنا". استقر الأمر على هذا التيس الجديد الذي ما ترك فرصة إلا ليسبح بحمد السيسي، فلم يكن إلا ظلا باهتا حتى لا يشمت الأعداء، ورد ذلك على لسانه، كما ورد على لسان إعلام السيسي.
الثالث، التصويت القسري في العملية الانتخابية. على الرغم من أنه ينافس نفسه أمام نكرة اصطنعها إلا أنه تخوف من مقاطعة واسعة تفشل ما يسميه العرس الانتخابي. ونسي هذا المستبد الفاشي أن من يمنع الناس من النزول عند الاحتجاج والغضب، يصعب عليه أن يدفع الناس إلى الحشد والنزول عند الطلب. حينما ووجه بهذه الحقيقة، قرّر أن يصنع الزيف في ثوب القهر والقسر، فهدد وتوعد ورغب وروج ونادى عليهم، وعلى المرأة لتدفع الرجال إلى النزول، وتصطحب حتى من ليس له صوت، إنه يريد صناعة الصورة. وحتى ذلك لا يضمنه، فقد طلب منهن أن ينزلن مع أهاليهن في شكل مظاهرة. الآن يطلب السيسي المظاهرة، وقد منع الاحتجاجات بقانون يؤدي إلى الحبس، وحينما امتنع الناس عن النزول، حينما أرادهم أن ينخرطوا في مسرحيته، هدّدهم بالحبس والغرامة.
وكل أمر يتعلق بتصويت قسري في تجمعات من الموظفين والعمال وشحنهم إلى اللجان الانتخابية، بل وتهديدهم بالتوقيع في كشوف، عارضا إصبعه المغموسة في الحبر الفسفوري على من يكتب تلك الجداول من هؤلاء الذين لم يذهبوا. وها هو يرغب بعضهم بوجبات غذائية وأكياس من السلع، بل ودعايات من ألعاب مخفضة لمشاركين في الانتخابات، بل أكثر من ذلك، تخرج علينا محافظة لواحدة من المحافظات لتجري مسابقة بين القرى، إذا زادت نسبتها في
المشاركة، فتوصل إليها مياه شرب والصرف الصحي. إنه التصويت المملوء بالذل والإذلال والقهر والقسر الذي يعبر عن نظرته الدونية لهذا الشعب، في إطار التطبيع لعقلية القطيع.
السمة الثانية، الانتخابات الراقصة والتي لا نعرف لها معنى أو مغزى لربط التصويت بالرقص، إلا أن يكون ذلك رغبة منه في تشكيل لعبة القرود التي تفعل ما تؤمر به، في شكل هزلي لم نعرف له مثيلا، لا في كتب السياسة ولا في غيرها، ولكنها "الطبعة السيسية".
السمة الثالثة، انتخابات اللقطة وصناعة الصورة الإعلامية، فاجتهد إعلام الإفك، في اليوم الأول، أن يشيع أن هناك إقبالا جماهيريا، ولم يكن ذلك إلا تغطيةً على مشاركة هزيلة وهزلية، لا يمكن أن تشكل أصابع اليد الواحدة في المئة من الكتلة الانتخابية التي تصل في عددها إلى 60 مليونا، فركز الإعلام على بعض اللجان، في لقطة حشد، فواجهه بعضهم بلقطات بمئات اللجان الفارغة.
السمة الرابعة، انتخابات العجائز. لو طالعت الطوابير المصنوعة، لن تجد إلا هؤلاء الذين يشكلون سدنة للسيسي من نجوم الفن والرياضة، وبعض العجائز وبعض من النساء في مشهد ينبئ عن اختفاء الشباب، ومقاطعته المسرحية الهزلية.
تتعلق السمة الخامسة والأخيرة بصورة العسكرة للانتخابات، وصور الجنود والضباط وهم يركضون في الشوارع، ليوزعوا على حراسة اللجان في عملية ترويع كبرى، يحمل هؤلاء أسلحتهم، هذا هو منطق العسكر، لا سياسة ولا مجال عام ولا فعاليات مدنية. هذه "طبعة السيسي" في إجراء الانتخابات.
وامتازت هذه الانتخابات بخمس من الخصائص أو السمات، تعبر عن طبعة فاشية للأسف تسمى انتخاباتٍ تجاوزا وما هي بالانتخابات، إلا أنه يمرّرها في بيئة اعتاد على اصطناعها من الإرهاب المحتمل، ومن صناعة الكراهية والفرقة، ومن مصادرة كل فعل للمعارضة أو
تتعلق السمة الأولى بالانتخابات القسرية، فاتخذت أشكالا في القسر، لا يمكن تصورها، وتمثلت بأشكال ثلاثة:
الأول، الانتخابات القسرية في مرحلة الترشيح، من تجرأ أن يترشح واجهه السيسي، فشحن أحدهم من بلدٍ كان يقيم فيها، وتحديد إقامته وإجباره على الخروج من هذا السباق من غير معقب منه، إلى أن قال إنه كان بعيدا عن مصر، لا يفهم ولكنه حينما أتى فهم وعرف، و"أن القيادة يجب أن تستكمل مسيرتها". نعم مسيرتها في البطش والعسف بالناس، وتكميم الأفواه واستباحة النفوس، وسجن الناس واختطافهم، وتصفيتهم خارج إطار القانون. وأصبحت معدلات مسلسلات الإعدام يوما بعد يوم تتزايد ترويعا وتفزيعا من دون رادع أو حساب. أما المرشح الثاني فقد تم سجنه واعتقاله، ثم تقديمه إلى محاكمة عسكرية، وحكم عليه بست سنوات. أما الثالث، وكان رئيسا لأركان القوات المسلحة في أخريات عهد مبارك، وفي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بعد ثورة يناير، فإنه أودع في السجن الحربي، بدعوى أنه خالف القوانين والأعراف العسكرية الثلاثة ينتمون للجيش. أما المرشح المدني، حينما رأى ذلك كله، فقد أراده السيسي أن يكون "كومبارسا" مثل من سبق في انتخابات 2014، فأدى به ذلك بعد توافقٍ مع أنصاره إلى أن ينسحب من المسرحية الهزلية.
أما الشكل الثاني فهي رحلة البحث عن "التيس المستعار"، كانت رحلته تلك في اختيار من ينافسه، حتى لا يشمت الأعداء، ويقنع الغرب بانتخاباته الهزلية، كأنها كذلك من خلال ترشيح أي أحد يقوم هو بتحديده وتعيينه، صدق أو لا تصدق، فإن رئيس حزب الوفد الذي ملأ الدنيا ضجيجا بتأييده منعه من الترشح شباب حزبه (حزب الوفد)، مؤكدين أن الحزب سيفقد كل معنى لوجوده واستمراره، إذا ما اشترك في تلك المسرحية الهزلية، فما كان من البحث في دفاتره تحت عنوان جديد "مطلوب مرشح يا ولاد الحلال". وأخيرا فقد عثر عليه، عثر على شخصٍ، كان يؤيده بشدة، ويؤكد على حاجة مصر إلى أن يترشح السيسي لفترة ثانية، وربما إلى الأبد. وقع الاختيار على "التيس المستعار"، وحينما واجهه بعضهم برفع قضية لعدم توفر الشروط فيه، خصوصا في مؤهله وشهادته التي حصل عليها أمر المستبد "لجنة القطاع" التي تقوم بمعادلة الشهادات، كذلك المجلس الأعلى للجامعات للاجتماع فورا لمعادلة شهادته، تحت ذلك العنوان الشهير "الدفاتر دفاترنا". استقر الأمر على هذا التيس الجديد الذي ما ترك فرصة إلا ليسبح بحمد السيسي، فلم يكن إلا ظلا باهتا حتى لا يشمت الأعداء، ورد ذلك على لسانه، كما ورد على لسان إعلام السيسي.
الثالث، التصويت القسري في العملية الانتخابية. على الرغم من أنه ينافس نفسه أمام نكرة اصطنعها إلا أنه تخوف من مقاطعة واسعة تفشل ما يسميه العرس الانتخابي. ونسي هذا المستبد الفاشي أن من يمنع الناس من النزول عند الاحتجاج والغضب، يصعب عليه أن يدفع الناس إلى الحشد والنزول عند الطلب. حينما ووجه بهذه الحقيقة، قرّر أن يصنع الزيف في ثوب القهر والقسر، فهدد وتوعد ورغب وروج ونادى عليهم، وعلى المرأة لتدفع الرجال إلى النزول، وتصطحب حتى من ليس له صوت، إنه يريد صناعة الصورة. وحتى ذلك لا يضمنه، فقد طلب منهن أن ينزلن مع أهاليهن في شكل مظاهرة. الآن يطلب السيسي المظاهرة، وقد منع الاحتجاجات بقانون يؤدي إلى الحبس، وحينما امتنع الناس عن النزول، حينما أرادهم أن ينخرطوا في مسرحيته، هدّدهم بالحبس والغرامة.
وكل أمر يتعلق بتصويت قسري في تجمعات من الموظفين والعمال وشحنهم إلى اللجان الانتخابية، بل وتهديدهم بالتوقيع في كشوف، عارضا إصبعه المغموسة في الحبر الفسفوري على من يكتب تلك الجداول من هؤلاء الذين لم يذهبوا. وها هو يرغب بعضهم بوجبات غذائية وأكياس من السلع، بل ودعايات من ألعاب مخفضة لمشاركين في الانتخابات، بل أكثر من ذلك، تخرج علينا محافظة لواحدة من المحافظات لتجري مسابقة بين القرى، إذا زادت نسبتها في
السمة الثانية، الانتخابات الراقصة والتي لا نعرف لها معنى أو مغزى لربط التصويت بالرقص، إلا أن يكون ذلك رغبة منه في تشكيل لعبة القرود التي تفعل ما تؤمر به، في شكل هزلي لم نعرف له مثيلا، لا في كتب السياسة ولا في غيرها، ولكنها "الطبعة السيسية".
السمة الثالثة، انتخابات اللقطة وصناعة الصورة الإعلامية، فاجتهد إعلام الإفك، في اليوم الأول، أن يشيع أن هناك إقبالا جماهيريا، ولم يكن ذلك إلا تغطيةً على مشاركة هزيلة وهزلية، لا يمكن أن تشكل أصابع اليد الواحدة في المئة من الكتلة الانتخابية التي تصل في عددها إلى 60 مليونا، فركز الإعلام على بعض اللجان، في لقطة حشد، فواجهه بعضهم بلقطات بمئات اللجان الفارغة.
السمة الرابعة، انتخابات العجائز. لو طالعت الطوابير المصنوعة، لن تجد إلا هؤلاء الذين يشكلون سدنة للسيسي من نجوم الفن والرياضة، وبعض العجائز وبعض من النساء في مشهد ينبئ عن اختفاء الشباب، ومقاطعته المسرحية الهزلية.
تتعلق السمة الخامسة والأخيرة بصورة العسكرة للانتخابات، وصور الجنود والضباط وهم يركضون في الشوارع، ليوزعوا على حراسة اللجان في عملية ترويع كبرى، يحمل هؤلاء أسلحتهم، هذا هو منطق العسكر، لا سياسة ولا مجال عام ولا فعاليات مدنية. هذه "طبعة السيسي" في إجراء الانتخابات.