إقدام وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون على التوقيع على مرسوم يقضي باقتطاع حوالي 500 مليون شيقل (حوالي 140 مليون دولار)، من عوائد الضرائب التي تجبيها تل أبيب لصالح السلطة الفلسطينية، كما كشفت اليوم الإثنين صحيفة "يسرائيل هيوم"، ينطوي على تداعيات كبيرة.
فعلى الرغم من أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية
(الكابينيت) قد أقر، قبل شهر، تطبيق التشريع الذي سنه الكنيست في الصيف الماضي، والذي يلزم الحكومة باقتطاع المبلغ الذي تخصصه السلطة الفلسطينية لدفع رواتب الأسرى والجرحى وعوائل الشهداء، إلا أن هناك في تل أبيب من راهن على ألا يقدم كحلون على التوقيع على المرسوم، الذي ينظم اقتطاع مخصصات الأسر تحت تأثير الضغوط التي يمارسها الجيش والمخابرات الإسرائيلية، التي تحذر من خطورة هذه الخطوة وتداعياتها الأمنية بالغة التعقيد.
وإن كان جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، هو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي عادة ما تتبنى المواقف الأكثر تشددا تجاه الفلسطينيين، إلا أن هذا الجهاز تحديدا يعد الأكثر صخبا في معارضته لأي قرار يفضي إلى المس بالواقع الاقتصادي في مناطق السلطة، خشية أن يسهم هذا التطور بدافعية السلطة الفلسطينية لمواصلة التعاون الأمني مع إسرائيل، وهو التعاون الذي تجاهر تل أبيب بأنه يلعب دورا محوريا في إحباط عدد كبير من عمليات المقاومة، سواء تلك التي تخطط الفصائل لتنفيذها، أو تلك التي تتم على أساس المبادرة الفردية.
فحسب ما ذكره آفي سيخاروف، معلق الشؤون الفلسطينية في موقع "وللا" الإسرائيلي، مؤخرا، فإن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة مسؤولة عن إحباط حوالي 30% من عمليات المقاومة التي يتم التخطيط لتنفيذها في الضفة الغربية، أو انطلاقا منها.
وقد خاض نداف أرغمان، رئيس "الشاباك"، في جلسات المجلس الوزاري المصغر، التي عقدت مؤخرا، عدة مواجهات مع وزراء اليمين بسبب موقفه الرافض للاقتطاع من عوائد الضرائب والمس بموازنة السلطة الفلسطينية.
وفي خطوة تهدف للضغط على صناع القرار في تل أبيب للعدول عن قرارهم، أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها تسلم كل عوائد الضرائب التي تجبيها إسرائيل.
وقد راهنت السلطة في قرارها هذا على إدراك المستوى السياسي والعسكري في تل أبيب للدور الذي تلعبه أجهزتها الأمنية في ضمان استقرار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وإسرائيل، من خلال التعاون الأمني مع جيش الاحتلال.
لكن الحملة الانتخابية ورغبة أحزاب وحركات اليمين المشاركة في الائتلاف الحاكم القوية في إبراز دورها في تجفيف البيئة التي تساعد على تنفيذ عمليات المقاومة، من خلال المس بمخصصات الأسرى والجرحى والشهداء، ألزم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتمرير القرار الملزم بالاقتطاع من عوائد الضرائب.
وفي حال تحققت استطلاعات الرأي العام المتواترة التي تؤكد أن تحالف اليمين بقيادة نتنياهو سيفوز في الانتخابات التي ستجرى الأسبوع المقبل، فإن فرص تشبث الحكومة القادمة بقرار الاقتطاع من عوائد الضرائب لن تتعاظم فقط، بل إن هذه الحكومة، تحت تأثير الأحزاب والحركات التي تمثل هوامش اليمين المتطرف المشاركة فيها، قد تلجأ إلى فرض عقوبات اقتصادية أخرى على السلطة الفلسطينية.
وقد حذر الكثير من الجنرلات المتقاعدين وعدد كبير من المعلقين من أن المس بالواقع الاقتصادي في الضفة الغربية قد لا يفضي فقط إلى المس بتواصل التعاون الأمني، بل يمكن أن يسهم في انهيار السلطة الفلسطينية، وهو ما يمثل وصفة لانفجار الأوضاع الأمنية هناك.
ومما يفاقم الأمور خطورة أن الجهاز القضائي الإسرائيلي عمد مؤخرا إلى قبول دعاوى تعويض ضد السلطة الفلسطينية التي ترفعها عائلات إسرائيلية قتل أو جرح أفرادها في عمليات للمقاومة، حيث يتهم وكلاء هذه العائلات السلطة بالمسؤولية عنها، بسبب دورها في منح رواتب للأسرى والشهداء والجرحى.
وقد قبلت محكمة إسرائيلية في القدس المحتلة قبل شهرين، دعوى تعويض ضد السلطة الفلسطينية رفعتها عائلة قتل أحد أفرادها في عملية للمقاومة، حيث ألزمت المحكمة الحكومة الإسرائيلية باقتطاع مبلغ مليوني شيكل ( حوالي 700 ألف دولار) من عوائد الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة.
وفي حال واصل الجهاز القضائي الإسرائيلي هذا النمط من التعاطي، فإن هذا سيفضي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة بشكل هائل.
وإذا أخذ بعين الاعتبار أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أوقفت المساعدات المالية التي تقدمها للسلطة الفلسطينية، وضمنها المساعدات المخصصة للأجهزة الأمنية، فإن خطر انهيار الاقتصاد في الضفة الغربية سيتعاظم إلى حد كبير.