الاستطلاعات تخدم نتنياهو وتخيف شركاءه وخصومه

10 مارس 2018
لايزال نتنياهو يحظى بتأييد 33 بالمائة من الإسرائيليين(فرانس برس)
+ الخط -
ليس واضحاً بعد وبشكل يقيني ما إذا كانت أزمة الائتلاف الحالية في حكومة بنيامين نتنياهو، التي فجّرتها أحزاب "الحريديم" على خلفية قانون "تجنيد الحريديم"، هي أزمةٌ حقيقية أم أنّها مفتعلة نسّقها نتنياهو بالذات مع عضو واحد من أحزاب الحريديم، هو يعقوف ليتسمان. ويواصل الأخير الإصرار على مطلب تشريع قانون يوسّع نطاق الإعفاء الممنوح لطلبة المعاهد الدينية "الحريديم" من الخدمة العسكرية، متذرعاً بطلب قادة مجلس كبار حكماء التوراة، في وقت يبذل رفاقه من أحزاب "الحريديم" جهوداً للتوصّل إلى تسوية مع الليكود، بموازاة جهود أخرى يبذلها باقي شركاء الائتلاف الحكومي لتفادي الذهاب للانتخابات. ووسط كل ذلك لا يزال نتنياهو يتصرّف ببرود أعصاب تجاه الأزمة بالرغم، وربما، بفعل ملفات الفساد والتحقيقات التي تلاحقه.

ويستغل نتنياهو في واقع الحال، مخاوف شركائه في الحكومة من أنّ انتخابات مقبلة من شأنها أن تفقدهم عدداً من المقاعد البرلمانية، في حالة حزب "البيت اليهودي"، مقابل خطر اندثار وعدم عبور نسبة الحسم في حالة "حركة شاس"، وحتى في حالة حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، الذي يقوده وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، مع أن الأخير لمّح إلى إمكانية التوصل إلى تسوية للأزمة الحالية، فيما يستغل وزير المالية الحالي موشيه كاحلون هو الآخر الأزمة لرفع أسهم حزبه، وإن كان كاحلون يدرك أنه دخل في مصيدة يمكنها أن توجه لحزبه ضربة قاضية.

ويبني نتنياهو تحرّكاته مع ما يرافقها من غموض حول حقيقة القرار الذي اتخذه في قرارة نفسه بشأن تبكير موعد الانتخابات وإجرائها في شهر يونيو/ حزيران المقبل، مستفيداً من هالة من الإنجازات والأجواء التي سترافق احتفالات دولة الاحتلال بذكرى سبعين عاماً على إقامتها على أنقاض الشعب الفلسطيني، على التأييد شبه الثابت الذي تظهره له الاستطلاعات المختلفة للرأي العام، والتي منحته في الأشهر الأخيرة أكبر عدد ممكن من المقاعد، وكرّسته باعتباره السياسي الأفضل بين جميع خصومه لمواصلة قيادة الدولة وترؤس الحكومة المقبلة، حتى لو جرت الانتخابات في ظلّ قرار من المستشار القضائي للحكومة بتقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو. وهذا قرار يبدو أنّه لن يصدر قريباً بفعل الإجراءات القضائية والقانونية اللازمة، ومنها بداية استنفاد التحقيقات مع نتنياهو نفسه في الملفين اللذين قدّمت فيهما الشرطة توصيات نهائية، وهما ملفا الهدايا غير القانونية بنحو مليون شيقل من رجل الأعمال أرنون ميلتشين، وملف محاولة إبرام صفقة مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، لتغيير خط تحرير الصحيفة لصالح نتنياهو. وكل هذا قبل الخوض في الملف الذي تفجّر أخيراً وهو ملف شركة "بيزك" وموقع "والاه".


وقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أن الليكود تحت قيادة نتنياهو سيحصل على 30 مقعداً، فيما سينهار حزب المعسكر الصهيوني وستتراجع قوة حزب "البيت اليهودي" بقيادة نفتالي بينت، مع تراجع "حركة شاس" واحتمالات عدم اجتيازها نسبة الحسم. وقد عزّز الاستطلاع الأخير الذي نشرت نتائجه خلال اليومين الماضين في صحيفة "يسرائيل هيوم"، هذا الاتجاه المساند لنتنياهو، مع ارتفاع في عدد المقاعد التي سيحصل عليها الليكود لو جرت الانتخابات اليوم. وتوقّع الاستطلاع أن يحصل الليكود على 34 مقعداً. لكن المعطى الأهم في هذا الاستطلاع هو الذي يؤكّد أن نتنياهو لا يزال يحظى بتأييد 33 في المائة من الإسرائيليين باعتباره الأمثل لرئاسة الحكومة، ويتبعه بفارق كبير يصل إلى النصف تقريباً، زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد، مع تأييد يصل إلى 17 في المائة فقط.

إلى ذلك، فإنّ الاستطلاع بيّن أن بمقدور نتنياهو إعادة تشكيل الحكومة المقبلة بائتلاف يحظى بتأييد 67 عضواً في الكنيست من أصل 120، حتى في حال عدم عبور "حركة شاس" نسبة الحسم. وعدا عن الاستطلاع بشأن القوة البرلمانية، فإن الاستطلاع يفيد بأن هناك تأييداً لنتنياهو لجهة عدم المسارعة لحل الأزمة الائتلافية الحالية بقبول شروط أحزاب "الحريديم"، إذ قال 57 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنّ على نتنياهو أن يعارض قانون التجنيد الذي يقترحه الحريديم حتى لو أدّى ذلك إلى تبكير موعد الانتخابات.

وتبدو صورة الساحة الحزبية في إسرائيل الآن، أقلّ وضوحاً مما كانت عليه في منتصف الأسبوع، فبعد حالة التهديد ومظاهر "الثقة بالنفس" التي أوحت بها الأحزاب المشاركة في حكومة نتنياهو بشأن استعدادها لخوض انتخابات جديدة، تبدلت الصورة في الأربع وعشرين ساعة الماضية إلى حالة من اهتزاز الثقة والتردد، لدرجة بذل هذه الأحزاب في اليومين الماضيين جهوداً كبيرة لمحاولة عرض مقترح قانون يكون مقبولاً على شركاء الائتلاف الحكومي وعلى قادة مجلس حكماء التوراة، وخصوصاً رئيس حاخامات "أغودات يسرائيل"، الذي أوعز لليتسمان بتفجير الأزمة الائتلافية الأسبوع الماضي.

وبالرغم من إعداد هذه التسوية، فإنه لن يكون ممكناً البتّ في ما إذا كانت ستفضي إلى حلّ للأزمة، ما لم يقبل بها نتنياهو أولاً، ومجلس كبار حاخامات التوراة لـ"أغودات يسرائيل" ثانياً، ليتم إعطاء المقترح الجديد ضوءاً أخضر لتحويله إلى مقترح قانون تقرّه، غداً الأحد، اللجنة الوزارية للتشريع، وتدفع مباشرة نحو التصويت عليه بالقراءة التمهيدية، يوم الاثنين، مع الحرص على المسارعة في عملية التشريع حتى قبل التصويت على الميزانية العامة. ويصرّ وزير المالية على إقرار الميزانية العامة للعامين 2019 - 2020، قبل نهاية دورة الكنيست الحالية أواخر الشهر الحالي، فيما يصرّ "الحريديم" على تمرير القانون بقراءاته الدستورية الثلاثة قبل التصويت على الميزانية، وهو ما يعقّد من الأزمة، إلّا إذ ارتضى "الحريديم" بتسوية تفضي إلى تشريع القانون بالقراءة التمهيدية، شرط مواصلة عملية التشريع في دورة الربيع بعد عيد الفصح اليهودي.

وكان نتنياهو، الذي أبدى حتى الخميس الماضي نوعاً من اللامبالاة تجاه الأزمة الائتلافية، اشترط قبل عودته لإسرائيل أن يلتزم الشركاء كافة بالبقاء في الحكومة حتى نهاية مدتها القانونية، أي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام المقبل، ومواصلة عمل الحكومة الحالية وحلّ الأزمة. شرط يترجم محاولة من نتنياهو لابتزاز الشركاء، وخصوصاً حزب "كولانو" بزعامة موشيه كاحلون، الذي يملك 10 مقاعد، لكي يتعهد الأخير بعدم الانسحاب من الحكومة في حال تمّ تقديم لوائح اتهام رسمية ضد نتنياهو أواخر العام الحالي ومطلع العام القادم.

وإذ يدرك نتنياهو كل هذه الحسابات والمخاوف، فإنه يبني عليها من خلال تصعيد حربه ضدّ الإعلام واليسار والشرطة بأنهم يعملون، وفق مقربين من نتنياهو وحتى أعضاء بارزين في الكنيست مثل النائب ميكي زوهر ووزيرة الثقافة والرياضة ميري ريجف، من أجل تنفيذ انقلاب على حكم اليمين عبر التحقيقات، وعبر السعي لمنح حصانة لكل من يقبل بتلفيق الأكاذيب ضدّه، بحسب رسالة الفيديو التي صورها نتنياهو أخيراً وبثّها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، معلناً أنه وزوجته لن يسكتا بعد الآن.

ويشي هذا التوجه الأخير من نتنياهو بأنه يعتزم تصعيد تحريضه ضد ما بات يشكّل عملياً، وفق المخيلة التي يرسمها رئيس وزراء الاحتلال لأنصاره ومؤيديه، "الدولة العميقة" لليسار، التي تشمل أيضاً جهاز القضاء. علماً أنّ نتنياهو نفسه هو من اختار وعيّن كلاً من المفتش العام للشرطة روني الشيخ، والمستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت. وسيعزز نتنياهو من خلال دعايته التي تلقى قبولاً في الشارع الإسرائيلي، فكرة أنّ المستهدف ليس هو بشخصه وزوجته، بل حكم اليمين في الأساس، وهو عنصر يهدد في حال إبرازه أيضاً، بإضعاف حزب "البيت اليهودي"، ويهدد بانتقال الناخبين من تيار الصهيونية الدينية، من التصويت لحزب البيت اليهودي إلى التصويت مباشرة لصالح الليكود. وهو ما يفسّر الارتفاع الأخير وفق استطلاعات الرأي، في المقاعد التي يحصل عليها الليكود من 30 مقعداً حتى هذا الأسبوع لـ34 مقعداً.