الاستسلام في الضفة الغربية مرفوض: جرحى المواجهات ماضون بالنضال

09 أكتوبر 2015
الغليان الفلسطيني مستمرّ (إيليا يمفيموفيتش/getty)
+ الخط -
تعلم عائلة الفتى خالد (اسم مستعار)، أن إصابته هذه المرة، على الرغم من خطورتها، ربما لن تكون الأخيرة، فلا شيء يثني (خالد) الذي يخضع لعلاجٍ في العناية المكثفة في أحد مستشفيات الضفة الغربية، عن المشاركة مرة ثانية في المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، هامساً بصوته الضعيف: "سأكون على رأس المواجهات المقبلة"، في الوقت الذي تشتعل فيه الضفة الغربية منذ أيام بالمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، متسببة في سقوط جرحى جدد بما في ذلك الإصابات بالرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاطي التي تعرض لها عدد من طلبة المدارس خلال مواجهات مع جنود الاحتلال عند مدخل مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين شمالي مدينة الخليل. 

اقرأ أيضاً: آفاق تصعيد المواجهة الشعبية الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي 


خالد (17 عاماً)، أُصيب برصاصة في ظهره، خرجت من صدره محدثة جروحاً كبيرة في أعضائه الداخلية ورئتيه. وقد نجا بأعجوبة من موت محقق، وذلك بعد إصابته في المواجهات التي اندلعت قرب مستوطنة بيت إيل، يوم الثلاثاء، بين شبان غاضبين وقوات الاحتلال، في أيام الغضب التي تعيشها الضفة الغربية. الفتى الذي استشهد اثنان من رفاق مدرسته، أحدهما قبل شهرين والآخر قبل نحو عام، كان قد نجا من الموت أيضاً في شهر مايو/أيار الماضي، حين مرّت رصاصة قرب أذنه، محدثة جرحاً عميقاً في الأذن والرأس.
تقول أم خالد لـ"العربي الجديد" "قبل ستة أشهر لم يصدق أحد أن ابني نجا من موت محدق، برصاص قنّاص إسرائيلي. مرّت الرصاصة قرب أذنه ورأسه وانفجرت في مكان بعيد، بدلاً من أن تنفجر في رأسه، كما أراد لها القنّاص القاتل".

اقرأ أيضاً: تخوّف لدى فلسطينيي الداخل من تداعيات تعيين روني الشيخ

الفتى الذي بالكاد يتكلم، ويهمس بصوته الضعيف من شدة ألمه، تعلم عائلته وأصدقاؤه بأن إصابته هذه لن تكون الأخيرة، ولن تردعه عن المشاركة في أول مواجهات مع قوات الاحتلال عندما يستردّ عافيته.
فضلاً عن خالد، هناك المئات من الفتيان والشبان الفلسطينيين الذين ولدوا بعد اتفاقية أوسلو، ولم يعرفوا من سنوات السلام سوى جثامين أصدقائهم تُساق تباعاً لمقابر الشهداء، في وقتٍ يستولي فيه المستوطنون على أراضيهم وشوارع مدنهم أمام أعينهم. 


جريح آخر في مقتبل العمر، أُصيب أيضاً برصاصة في فخذه، وينتظر تقارير الأطباء، كي يعلم ما إذا كان بوسعه المشي والركض مجدداً أم لا. يقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بالغضب، كل من أراهم يومياً يشعرون بالغضب بعد استشهاد محمد أبو خضير، وإحراق عائلة دوابشة، وبعد كل مشهد تنكيل بالنساء في الأقصى. أشعر بالغضب، فإما أن أشارك بالمواجهات، أو أجلس في البيت". ويتابع "أشعر بغضبٍ على السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع حمايتنا، لكن بدلاً من توجيه غضبي إليها ولعجزها، أوجّهه نحو عدونا الوحيد، أي الاحتلال".
وعلى بعد عشرات الأمتار من موقع المواجهات مع الاحتلال على مشارف مستوطنة "بيت إيل"، ينتشر عشرات من رجال الأمن الفلسطيني. وعلى عكس ما جرت عليه العادة من "منع المتظاهرين من الوصول إلى أقرب نقطة للمستوطنة والاشتباك مع قوات الاحتلال"، غيّرت الأجهزة الأمنية في اليومين الماضيين من تكتيكها، وباتت تسمح للمتظاهرين بالوصول، مع توجيه كلام ودي لهم عن خطورة الوصول، وإمكانية الموت برصاص الاحتلال.
يقول مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، إنه "بناء على أوامر من الرئيس محمود عباس، نقوم بامتصاص غضب المتظاهرين، عبر السماح لهم بالوصول، لكننا نراقب بحرصٍ عدم استخدام أي أسلحة ضد جنود الاحتلال، وسنمنع بقوة أي استخدام للسلاح للإبقاء على المقاومة شعبية بالحجارة فقط".

ويتفق المتحدث باسم حركة "فتح" في رام الله، حسين حمايل مع ما سبق، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "حركة فتح مع المقاومة الشعبية السلمية، وتمنع إطلاق النار على الاحتلال، حتى لا يردّ بسلاحه الثقيل، فموازين القوى من هذه الناحية مع الاحتلال".


من جهته، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الخميس، عن رفض "الانجرار" إلى ما سماه "مربع المستوطنين" بقوله إن "المستوطنين يريدون تخريب مشروعنا الوطني، ونحن نريد أن نبنيه، ولن ننجرّ إلى مربّعهم، ولن نستعمل العنف ولا القوة، نحن مؤمنون بالسلام وبالمقاومة الشعبية السلمية، فهي حقنا ويجب أن نستمر فيها ما دام هناك عدوان".
وأوضح عباس في كلمة له، خلال افتتاح برج تجاري في مدينة رام الله، أن "الفلسطينيين لا يعتدون على أحد، ولكن لا نريد الإسرائيليين أيضاً أن يعتدوا علينا، نريدهم أيضاً ألا يدخلوا المسجد الأقصى".

وبينما تستمر أيام الغليان الفلسطيني تأخذ المواجهات الفلسطينية مع الاحتلال منحى متصاعداً، إذ بات يدرك الاحتلال أنه أمام هبّة شعبية لم يُحسب لها حساب، تتباين درجاتها ومظاهرها، ما بين مواجهات بالحجارة، والزجاجات الحارقة على نقاط التماس بالضفة الغربية المحتلة، إلى حوادث طعن ودهس في عمق الدولة العبرية.

وسجلت المقاومة التي تحررت من المظلة الفصائلية عمليات فردية عدة منذ عملية مقتل المستوطنين قرب نابلس، مطلع الشهر الحالي. وأمام التصاعد في عمليات المقاومة، عمد الاحتلال إلى تفعيل استخدام وحدات "المستعربين"، أي الذين يدّعون أنهم عرب. وتقوم عناصر هذه الوحدة، التي يشتهر المنتسبون إليها بأنهم "قَتَلَة"، بتنفيذ أحكام بالإعدامات الميدانية من مسافة صفر، والتغلغل بين المقاومين لخطفهم، واستهداف الشبان بالرصاص الحي في الجزء العلوي، بهدف القتل أو إحداث إعاقة.

واعتمدت قوات الاحتلال على "المستعربين" في مواجهات بيت إيل الساخنة، شمال رام الله يوم الأربعاء. ورصدت كاميرات الصحافيين كيفية قام المستعربين بخطف أحد الشبان المشاركين في مواجهات بيت إيل، وسحله، وإطلاق الرصاص عليه من مسافة صفر.

وفي السياق، يتعمد جنود الاحتلال إطلاق الرصاص الحي والمعدني على الجزء العلوي من أجساد الشبان، وتعاملت طواقم الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني وحدها مع حوالي 1289 إصابة منذ يوم السبت الماضي، من بينها 76 إصابة بالرصاص الحي.
وفي السياق، ذكر المتحدث باسم وزارة الصحة أسامة النجار، لـ"العربي الجديد"، أن "معظم الإصابات هي في الجزء العلوي من الجسد، أي البطن، والصدر، والرقبة، والوجه. من الواضح أنها رصاصات قنّاص يقصد القتل، لا الإصابة".

ويضيف النجار "حتى الرصاص المعدني، الذي تدّعي قوات الاحتلال أنه غير قاتل، يتم تصويبه على الرأس، ما يؤدي إلى ارتجاج في الدماغ ونزيف داخلي".
وتفيد إحصائيات "نادي الأسير الفلسطيني" بأن "قوات الاحتلال اعتقلت منذ مطلع الشهر الحالي وحتى فجر أمس الخميس 350 مواطناً، نصفهم من الأطفال، بمعدل اعتقال 45 مواطناً كل ليلة، في مختلف أنحاء الضفة الغربية".