تحت ستار مكافحة جائحة كورونا والقلق من الموجة الثانية التي ضربت أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بدأ الاحتلال الإسرائيلي يروّج لفقدان السلطة الفلسطينية القدرة على السيطرة على مجريات الأمور في مجال مكافحة كورونا، والزعم بتراجع ثقة الفلسطينيين فيها، مع التحذير من تداعيات وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وأقرّت صحيفة "مكور ريشون"، المحسوبة على تيار اليمين الاستيطاني، في تقرير، اليوم الأربعاء، أن جهات في إسرائيل، لم تكشف هويتها، أبلغت مراسلي شؤون الأراضي المحتلة في الإعلام الإسرائيلي بأن "السلطة الفلسطينية تفقد السيطرة على أراضيها"، وهو ما نقلته صحيفة "هآرتس" على لسان محلّل الشؤون الأمنية والعسكرية عاموس هرئيل، الذي لم يشر صراحة إلى أن جهات رسمية إسرائيلية وراء هذه التقديرات.
ونقلت صحيفة "مكور ريشون" عن ما قالت إنه إحاطة لمراسلي "المناطق"، وهو التعبير الذي يطلق على الصحافيين الإسرائيليين الذين يغطون أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشمل ذلك مراسلين عسكريين ومراسلين للشؤون العربية والفلسطينية؛ إنه على الرغم من انتشار الموجة الثانية من جائحة كورونا بأعداد لم تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، أمس الثلاثاء، استمر وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وأقرّ تقرير الصحيفة اليمينية، بأن هذا الوضع يحمل في طياته لإسرائيل، بشرى جيدة وأخرى سيئة، موضحاً أنه في سياق وقف التنسيق الأمني وجائحة كورونا فإن ذلك يضع مزيدا من التحديات أمام جيش الاحتلال وعناصر المخابرات العامة "الشاباك"، في إحباط عمليات فدائية ضد الاحتلال وقواته، ولا سيما في تنفيذ عمليات الاعتقال، حيث عاد الاحتلال لتسيير وحدات المستعربين، وتنفيذ الاعتقالات، كما حدث الأسبوع الماضي في مخيم الجلزون، عبر استخدام سيارات وشاحنات يفترض أنها للتبريد، لكنها مليئة بعناصر الوحدات الخاصة ولا سيما دوفدوفان، بحرية أكبر من دون حاجة للتنسيق الأمني.
مع ذلك، اعتبر التقرير، على ذمة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أن الأخيرة رصدت في الآونة الأخيرة غياب بل وعدم قدرة السلطة على بسط حكمها في المناطق "الإشكالية"، وهي بحسب الصحيفة، المناطق القروية ومخيمات اللاجئين. وتدعي الأجهزة الإسرائيلية أن هذه المناطق حتى من دون جائحة كورونا، ومن دون وقف التنسيق الأمني، تفتقر للوجود وحضور قوات الأمن الفلسطينية. وبحسب الصحيفة، فإن الجانب الفلسطيني يشكو من عدم قدرته على الوصول إلى هذه المناطق، الأمر الذي يشجع الفصائل والتنظيمات، وهي تنظر إلى عجز الأجهزة السلطوية إلى بسط سيطرتها هي على الشارع.
وادعى التقرير أن الفصائل والتنظيمات الفلسطينية على استعداد للمضي باتجاه عمليات خطيرة، كالعمليات التي نسبها الاحتلال، أمس الثلاثاء، لخلية قال إنها تابعة لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبأن عناصرها اعتقلوا، بزعم الارتباط بعناصر في سورية و"حزب الله" وإيران، وكان هدفهم تنفيذ عمليات خطف جنود، على غرار عملية خطف المستوطنين الثلاثة في يونيو/حزيران 2014 التي سبقت العدوان الإسرائيلي على غزة تحت مسمى "الجرف الصامد".
وتحاول "هذه التحذيرات" والإحاطة الإسرائيلية، تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية تفشي جائحة كورونا في موجتها الثانية بفعل قرار وقف التنسيق الأمني، وما تتبع ذلك من خطوات فلسطينية أدت إلى قطيعة تامة مع دولة الاحتلال، وفق ما يوحي به تقرير عاموس هرئيل في "هآرتس".
وذهب هرئيل إلى القول إنّ "محنة السلطة الفلسطينية تتمثل في تقاطع الأزمة الصحية في أراضيها هذه المرة مع المواجهة السياسية مع دولة إسرائيل. فقد قطع الرئيس محمود عباس رسمياً علاقاته مع الولايات المتحدة، على إثر قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية للقدس في عام 2018، ورفض "صفقة القرن" التي أعلن عنها في بداية العام، وفي شهر مايو/أيار الأخير عندما كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في أوج الترويج لخطة ضم أجزاء من الضفة الغربية تبعاً للاتفاق الائتلافي مع كاحول لفان أعلن عباس عن وقف التنسيق الأمني والعلاقات المدنية مع إسرائيل".
يدعي هرئيل بأنه إلى جانب تفشي كورونا والقطيعة مع إسرائيل يبرز في الضفة الغربية توجّه متصاعد من عدم ثقة الجمهور الفلسطيني في خطوات القيادة
وأضاف أنه "وخلافاً لإعلانات سابقة اتضح أن الرئيس الفلسطيني جاد هذه المرة، وأوقف الفلسطينيون تنسيق العلاج الصحي للمرضى، وأوقفوا تلقي الرزمات والطرود البريدية عبر الموانئ الإسرائيلية، وقطعوا التنسيق مع الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك)، لدرجة قيامهم بحجب تقنية الاتصالات أو الرسائل النصية عبر الهواتف وشبكات التواصل من زملائهم الإسرائيليين".
ويتّجه هرئيل لاستخدام لغة التحريض المبطن ضد رئيس السلطة الفلسطينية؛ إذ يقول إنه "حتى بعد فشل تنفيذ مخطط الضم، فقد أصر عباس على مواصلة القطيعة التي لم تضر فقط بالتنسيق الأمني، بل أيضاً بمكافحة كورونا، خلافاً للموجة الأولى التي اعتمدت واستعانت فيها كل من السلطة في الضفة الغربية وحماس في القطاع على مساعدات وإرشادات من إسرائيل، فإن الموجة الثانية شهدت بقاء أكثر من مائة ألف جهاز لفحص كورونا عالقة في مطار بن غوريون حيث ترفض السلطة تنسيق أمر تسلمها".
وينتقل هرئيل بعد ذلك إلى محاولة إقحام الأردن والعزف على قلق أردني من وقف السلطة الفلسطينية أيضاً مراقبة الحركة على المعابر البرية مع الأردن (جسر النبي)، علماً أنه يقر بأن السلطة سعت إلى إلقاء هذه المهام والمسؤوليات على الأمم المتحدة ولكن لغاية الآن من دون نجاح. زيادة على ذلك، تواصل السلة رفض تلقي أموال المقاصة الفلسطينية من الضرائب المستحقة لها من دولة الاحتلال، وهو ما انعكس سلباً على الميزانية الفلسطينية العامة، ورواتب موظفي السلطة.
وخلافاً لصحيفة "مكور ريسشون" اليمينية التي نسبت "التقديرات" لجهات رسمية قامت باطلاع الصحافيين الإسرائيليين على تقديراتها، يتّجه هرئيل إلى القطع من دون ذكر مصدر تقديراته، بأنه: "إلى جانب تفشي كورونا والقطيعة مع إسرائيل يبرز في الضفة الغربية توجّه متصاعد من عدم ثقة الجمهور الفلسطيني بخطوات القيادة بشكل من شأنه أن يبدو مألوفاً للقارئ الإسرائيلي، إذ يشكك الفلسطينيون بقرارات واعتبارات السلطة، ويبدون قلقاً من مشاكل العمل وكسب رزقهم، كما يعترضون علناً على القيود الجديدة التي تفرضها السلطة الفلسطينية".
وادعى التقرير أن الأيام الأخيرة تشهد حالات كثيرة من أعمال شغب وتشويش النظام العام، تعبيراً عن الغضب على طرق إدارة أزمة كورونا.
وبعد استعراض جوانب الأزمة الصحية يصل هرئيل إلى القول إن القلق يتصاعد في صفوف المستوى السياسي والأمني في إسرائيل من أداء السلطة الفلسطينية، ومن إمكانية فقدان الأخيرة سيطرتها على الوضع في الضفة الغربية على ضوء انتشار كورونا وتراجع الوضع الاقتصادي وخيبة أمل الجمهور من أدائها.
ويشير هرئيل في تقريره المذكور إلى زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري لرام الله، ليخرج إلى أنه يبدو أن رسائله للقيادة الفلسطينية تبدو كما لو تم تنسيقها مع إسرائيل في محاولة لإنزال عباس عن الشجرة على فرض أن نتنياهو تراجع عن مخطط الضم مؤقتاً، وبالتالي ما الفائدة من التحصن في موقف هدف أساساً إلى تحذير نتنياهو من تبعات المضي في خطة الضم.