الاحتجاج.. فن وتكتيك ومهارات

18 فبراير 2015
الدعابة والسخرية هي المواد الأسرع انتشاراً (أ.ف.ب)
+ الخط -

مع بزوغ شمس الربيع العربي في كل من تونس ومصر وسورية واليمن، رأينا نوعاً من الإبداع لم نره كثيراً في وطننا العربي من قبل، في حين شهده العالم في مراحل تطوره وطريقه نحو التقدم، بداية من الاعتراض على قانون الملح في الهند مروراً بفترة الحريات المدنية في أميركا أثناء ستينيات القرن الماضي، وحفلات الهيبيز ضد الغزو الأميركي لفيتنام، نهاية بالثورات العربية، ألا وهو فن الاحتجاج، هذا الفن الذي لا تستطيع حصر أساليبه وطرقه. إلا أننا في هذا الموضع سنحاول رصد أهم وأبرز أساليب وتكتيكات الاحتجاج وأكثرها تأثيراً.

1-اللافتات: إن حمل لافتة أو ورقة أو يافطة مكتوب عليها عبارة احتجاجية خفيفة، يمكن التقاطها وحفظها بسهولة، يعتبر من أسهل وأهم وسائل الاحتجاج، ومن أكثرها فاعلية في نشر الأفكار، جرب أن تفعل هذه الحركة سواء في مجموعة أو كنت وحدك (إذا كنت تضمن سلامتك)، وسوف تكون محط انتباه الجميع وستجذب وسائل الإعلام.

الآن وبوجود برنامج الـ"فوتوشوب"، فإنه بإمكانك خلق لوحات مبتكرة أكثر تأثيراً في الناس عما كان في الماضي، بالإضافة إلى فن الغرافيتي وفن الشوارع، والذي له تأثير قوي، خصوصاً على الشباب.

2-المظاهرات الحاشدة: "كل مرة تقف لنصرة قيمة أو فكر أو لتحسين حال الآخرين أو لمقاومة الظلم، فإن هذا يرسل بصيصاً من الأمل، يتحول مع الوقت لتيار جارف من شأنه اكتساح جدران الظلم والقمع" روبرت كينيدي.

اجمع أكبر عدد من الأشخاص لخلق حشد ضخم يعبر عن حجم قضيتك وحجم مناصريها، يمكنك توظيف مجموعة كبيرة من التكتيكات خلال المظاهرات الحاشدة واستخدامها في خدمة قضيتك وهدفك. من المهم أن تظهر مدى التوحد مع الآخرين لإظهار التكافل والتضامن وقوة العدد، وبالطبع من المستحيل طمس قضية يقف وراءها المئات أو الآلاف.

الآن أصبح حشدُ الناس حول قضيتك، أو أية قضية أمر سهل، والفضل يرجع في ذلك إلى الهواتف الخلوية، ومواقع التواصل الاجتماعي، فبسهولة يمكنك إطلاق دعوة على موقع فيسبوك ومن المؤكد أنك ستجد من يفكر مثلك وسيقف بجانبك، مع الأخذ في الاعتبار إجراءات السلامة الواجب اتخاذها إذا كنت تتظاهر في دولة قمعية تراقب مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف، عندها يجب أخذ الحيطة والحذر.

3-الاعتصام: في الأول من فبراير/شباط عام 1960، قام 4 شباب أميركيين من أصول أفريقية بإطلاق سلسلة من الاعتصامات في جرينسبورو في آلاباما، عندما رفضوا الخروج من قاعة الطعام المخصصة للبيض، بعد ستة أشهر تم تقديم الطعام للأربعة في القاعة نفسها بعد أن ألغي العزل العنصري، (يذكر أنهم تدربوا على يد "جيمس بيفل" الذي قضى سنوات يدرس أساليب اللاعنف على يد غاندي في الهند)، هذه التظاهرة الاحتجاجية الصغيرة ساهمت بشكل كبير في انتشار وتفعيل حركة الحقوق المدنية آنذاك.

أما الآن فيعتبر تكتيك الاعتصام من أهم تكتيكات الاحتجاج والتظاهر السلمي، والذي تم استخدامه في العديد من الثورات، مثل الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وأيضاً في ثورات الربيع العربي كالثورة المصرية، كما تم استخدامه في الثورة الأوكرانية، ويعتمد الاعتصام في الأساس على اختيار مكان عام وحيوي أو أمام المنشأة التي تستهدف التظاهر ضدها (كالبنوك أو مبان حكومية).

4-الصياح: قد يتساءل أحدهم، هل الصياح تكتيك من تكتيكات الاحتجاج، الإجابة نعم، هو كذلك، لكن يتم استخدامه في ظروف معينة وباعتدال، إن الصياح والصراخ في وجه الناس من الممكن أن يكون مفيداً لجعل الناس يشعرون بعدم الارتياح، ولكنه من الممكن أن يكون ذا أثر سلبي إذا تم استخدامه أثناء الهتاف بشعار موحد لإيصال رسالة موحدة، ويعتبر الصياح أداة جيدة لتحفيز وإلهام الآخرين سواء في مجموعتك أو في الآخرين.

5-الصمت والسكون: "عليك التعلم كيفية السكون وسط الحركة، وكيفية التحرك وسط السكون"(أنديرا غاندي). عندما تشاهد الفيديوهات القديمة للمحتجين إبان فترة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، تجد كيف كانت الشرطة تقوم بالصراخ والشتم في وجه المحتجين، بل البصق في وجوههم أحياناً، ورغم ذلك لا تجد أي رد فعل من جانب المحتجين.

هناك قاعدة أساسية في المقاومة اللاعنيفة، وهي الصمت أمام الوجوه الغاضبة والسلطة والكارهين، هذه علامة تدل على سلامك الداخلي وقوتك، بل سكوتك هذا يظهر الغاضبين والكارهين أمامك بمظهر المنحطين أخلاقياً ويصمهم بالشر، وعندها يكونون محط احتقار من جانب الآخرين.

يعتبر تكتيك الصمت الآن أكثر استفزازية وتهديداً على نحو غير مسبوق، ومن الأمثلة على ذلك، جماعة "أنونيموس"، بقناع "غاي فاوكس" ذي التعبيرات الصامتة الذي يرتديه أعضاء الجماعة، والذي يثير جوّاً من الغموض والرهبة، أينما ظهروا.

6-التظاهرات: عندما تتحرك مجموعة من المتظاهرين في مسيرة لمكان محدد مسبقاً، فإن هذا من شأنه إرسال عدة رسائل، وإظهار القوة ورفع الوعي وإظهار العصيان المدني.

مثال على ذلك، عندما فرض قانون الملح، وهو قانون كان يفرض على الهنود ضرائب باهظة مقابل الملح، كما كان يجعل إنتاج وصناعة الملح حكراً على الحكومة البريطانية فقط، وانطلاقاً من هذا القانون الظالم انطلق غاندي في مسيرته الشهيرة، مسيرة الملح، نحو البحر ليستخلص الملح بنفسه عام 1930، ودعا الشعب الهندي إلى الخروج معه إلى ساحل البحر ليمارسوا العصيان المدني من خلال كسر قانون احتكار الملح المفروض عليهم من قبل السلطات البريطانية واستخراج الملح، وقد استغرقت هذه المسيرة ستةً وعشرين يوماً قطع فيها غاندي وأتباعه والمتظاهرون مسافة ثلاثمائة وثمانين كيلومتراً.

وقد كانت هذه المسيرة بمثابة الشرارة التي أدت إلى انطلاق الثورة العارمة اللاعنيفة في شتى أرجاء شبه القارة الهندية، بل ولدت حركة غيرت شبه القارة الهندية والعالم.

حتى الآن ما زالت المسيرات من أقوى التكتيكات في الاحتجاج، خصوصاً إذا كان الاعتصام أمراً صعباً في ظل دولة بوليسية قمعية، ويمكن استغلال المسيرة في إطلاق اعتصام مؤقت في أحد الميادين الحيوية أو المنشآت، ثم إنهاؤها قبل وصول الشرطة، والمسير إلى مكان آخر ومن ثمة تكرار العملية نفسها، والذي من شأنه إرهاق قوات الشرطة وشل الدولة بدون استخدام العنف على الإطلاق، كما يمكن استخدام الدراجات النارية والسيارات في المسيرات.

7-البروباغندا:  تنتشر البروباغندا أو الدعاية دائماً في سياق سلبي يعتمد على نشر الأكاذيب والإشاعات، وهذه إحدى أدوات السلطات القمعية، بهدف تشويه سمعة شيء ما، أو نشر اعتقاد خاطئ بشأنه، لكن على الناحية الأخرى فإن مقاومة هذه الأساليب ومن ورائها الأجهزة التي تنشرها، تحتاج إلى دعاية إيجابية مضادة، بهدف تجنيد أشخاص لخدمة القضية ونشر الوعي وتوضيح الأيديولوجية، فالأفكار الحقيقية لا تموت.

يعتبر نشر المعلومات والأفكار الحقيقية من الأشياء التي تنغص على السلطات القمعية التي لا تريد إظهار الحقائق للناس. أكبر مثال معاصر على ذلك هو "ويكيليكس"، التي تنشر فظائع وأسرار الحكومات والشركات العالمية، وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك، تويتر، يوتيوب، البريد الإلكتروني، من أهم الوسائل الحديثة في نشر المعلومات والحفاظ على الأمن الشخصي للناشر عن طريق استخدام بعض الإجراءات الإلكترونية المتبعة في تلك الحالات. 

8-المقاطعة: هذا التكتيك للأسف الشديد مفقود في بيئة تتميز الآن بالاستهلاك الشره، المقاطعة هي العزف عن شراء أو استخدام سلعة أو شيء ما، على سبيل المثال، أن تكتشف كيفية تعامل شركة كوكاكولا السيىء مع عمالها في أميركا اللاتينية (وهذا يحدث بالفعل)، لهذا تقوم بتنظيم مجموعة من الناس بهدف مقاطعة الشركة ومنتجاتها، ووجب التنويه إلى أنه برغم  ضآلة تأثير المقاطعة في أول الأمر، إلا أنه سيكون صوت مختلف له أثر نفسي كبير في بيئة تتميز بالاستهلاك العالي، كالتي نعيش فيها الآن.

ومن أشهر المقاطعات في التاريخ الحديث، مقاطعة مونتنغري، عندما رفضت راكبة سوداء التخلي عن مقعدها في قسم الملونين لراكب أبيض داخل حافلة، وفي رد فعل على اعتقالها، قام مجتمع مونتنغري الأسود بإطلاق حملة مقاطعة طويلة للحافلات، تم في إثرها إلغاء الفصل العنصري في الحافلات في 11مايو/أيار 1956.

الآن أصبح من السهل إيجاد طريقة لتعميم ونشر فكرة المقاطعة بين الناس، ففي الماضي كانت الطريقة الوحيدة في سبيل ذلك هي توزيع المنشورات ودعوة الجماهير شفهياً، أما الآن في ظل وجود الشركات متعددة الجنسيات وانحياز وسائل الإعلام لرجال الأعمال، فإن المقاطعة تضيع وسط تواطؤ الإعلام مع هذه الشركات ورجال الأعمال، ولهذا يجب استخدام الفضاءات التي لا تقع تحت نفوذ من سبق ذكرهم، كمواقع التواصل الاجتماعي.

9-استخدم جسدك: كلنا يتذكر الصورة الأيقونية للرجل الذي وقف أمام الدبابة في ميدان السماء بالصين، بعد أن قامت القوات الصينية بارتكاب مذبحة بهدف فض الميدان. تعتبر هذه الصورة من العلامات البارزة في التاريخ النضالي والمقاومة، وهذا يعود إلى أن الوقوف أو الجلوس أمام الآلات والأسلحة الضخمة والسلطات، يعتبر رمزاً عميقاً للشجاعة الفردية أمام جبروت السلطات وآليات قمعها المتطورة.

ومن الأمثلة الناجحة في استخدام ذلك التكتيك، عندما قام آلاف المتظاهرين في ميدان "أبيفانيو دي لوس سانتوس" بالفلبين يوم 23 فبراير/شباط 1986، بصد العربات المدرعة والدبابات المتوجهة إلى الميدان بأجسادهم، وأجبروها على التوقف، وهدد حينها قائد القوة "ارتيميو تاديار" بإطلاق الرصاص إذا لم يخل المتظاهرون الطريق، إلا أن الحاجز البشري الضخم ظل في مكانه واضطرت القوة في النهاية إلى الانسحاب دون إطلاق النار، وخلال الفترة من 22 إلى 25 فبراير/شباط أعلنت العديد من الوحدات العسكرية تمردها، وما هي إلا أيام حتى هرب دكتاتور الفلبين، ماركوس، إلى قاعدة كلارك الجوية الأميركية.

إذا كنت ستستخدم هذا التكتيك الآن، فاحرص دائماً على وجود كاميرا تصور هذا الفعل الخطير الذي سوف تقدم عليه، حتى يكون رسالة للعالم أجمع، وبهذا تكسب مزيداً من التعاطف المحلي والدولي ناحية قضيتك.

10-التخريب: وهذا التكتيك ليس له حد، فأنواعه وأساليبه متعددة يصعب حصرها، ومبدئياً هو أي شيء يعيق ويعطل خصمك بشكل دائم أو مؤقت، وهو دائماً غير قانوني، ولا شك في أن التخريب يعرضك لخطر الاعتقال والإيذاء أكثر من أي تكتيك آخر، ولكنه في بعض الأحيان يكون ضرورياً لا بد منه. وقد يأخذ التخريب أشكالاً متعددة، ففي عصرنا هذا، قد يكون التخريب عن طريق القرصنة الإلكترونية مثل ما تفعل حركة "أنونيموس"، والتي قامت بالقرصنة على أنظمة العديد من الحكومات والشركات.

11-السخرية: "إن السخرية هي أقوى أسلحة الرجل، حيث يكاد يكون من المستحيل مواجهتها، كما أنها تثير حنق وغضب الخصم، والذي يعود إلى صالحك في النهاية" (شاول ألينسكي). ليست قاعدة ثابتة أن تكون المظاهرة مليئة بالغضب والدم والرصاص، من الممكن أن تكون مظاهرة ممتعة، سواء تمثل ذلك في مسرحية هزلية احتجاجية، أو في فيديو احتجاجي ساخ. إن الدعابة جزء من إنسانيتنا ومن مهامها التخفيف عنا في الأوقات العصيبة، كما أنها تثير حنق الخصم.

الآن وفي هذا العصر الذي تطورت فيه التكنولوجيا، أي شخص يستطيع أن يصنع الفيديوهات أو الصور الاحتجاجية الخاصة به، بجانب سهولة نشرها بين الناس على شبكة الإنترنت، ولا شك في أن الدعابة والسخرية هي المواد الأسرع انتشاراً من بقية المواد.

12-الفراشة: تعتبر مظاهرات الفراشة ابتكاراً حديثاً، حيث تقوم مجموعة من الناس بالتجمع فجأة في مكان ما متفق عليه مسبقاً بهدف التظاهر، ثم فض المظاهرة والتفرق فجأة عند الإحساس بالخطر أو اقتراب الشرطة.

يمكنك تكرار العملية عدة مرات في يوم واحد، والتنقل من مكان لآخر بهذا الشكل، والذي من شأنه إرهاق قوات الشرطة وشل الدولة بدون استخدام العنف على الإطلاق، ولكن يجب الحفاظ على سرية الأماكن التي سوف يتم التجمع عندها.

13-الإضراب عن الطعام: هذا التكتيك لا شك في أنه الأصعب والأثقل على النفس ولا ينصح به إلا في حالات معينة، ويستخدماً غالباً من جانب المعتقلين السياسيين، وهو رفض تناول أي طعام حتى يتم تحقيق المطالب التي ينادي بها المضرب، ومن أشهر حالات الإضراب عن الطعام في التاريخ والمثيرة للجدل في الوقت نفسه، هي حالة بوبي ساندز، من الجيش الجمهوري الإيرلندي، والذي أضرب عن الطعام في عام 1981 بعد سجنه من جانب البريطانيين، وقد استمر ساندز في إضرابه لمدة 66 يوماً حتى توفي نتيجة إضرابه، هذه الواقعة تم تجسيدها في فيلم "Hunger".

ومن أشهر حالات الإضراب المعاصرة إضراب المعتقل محمد سلطان، الذي قضى أكثر من سنة في إضرابه عن الطعام، بعد نزوله إلى مصر اعتراضاً على مجزرة رابعة، وكانت الشرطة في ذلك الوقت تبحث عن أبيه، وعندما لم يجدوا الأب أخذوا الابن مكانه، ورغم المشاكل الصحية الخطيرة التي يواجهها سلطان، إلا أنه لا يزال مضرباً عن الطعام حتى اللحظة، مسطراً بذلك ملحمة ستكتب بمداد من نور في كتب التاريخ، حيث يعد البعض إضراب سلطان من أطول الإضرابات عن الطعام في التاريخ، هذا فيما يتعلق بحالات الإضراب الفردي، ولا يغيب عن البال إضرابات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كأبرز أمثلة الإضراب الجماعي عن الطعام.

وهنا وجب التذكير بأن إضرابك عن الطعام لن يفيدك بأي شيء إذا لم يكن هناك من يتابع ويرصد حالتك ويذيعها في وسائل الإعلام، فالمقصد ليس تعذيب النفس، إنما كسب تعاطف المجتمع المحلي والدولي مما يشكل ضغطاً على السلطات القمعية لتحقيق ما تصبو إليه.


(مصر)

المساهمون