الاتصالات في سورية... سردية النهب المتواصل

07 مارس 2016
ارتفاع أسعار المكالمات الهاتفية (Getty)
+ الخط -
تميل أسعار الاتصالات عالمياً نحو الانخفاض مع تقدم تكنولوجيا المعلومات، بالمقابل يزداد إجمالي الأعمال الاقتصادية التي تدخل الاتصالات بفروعها المختلفة كمكون خام ضمن سلعها وخدماتها النهائية. خلافاً لهذا الميل، تسير الأمور في سورية نحو غلاء متزايد لأسعار الاتصالات، بقيمتها من جهة، ونسبتها من دخل العائلة السورية، من جهة أخرى.
يتضمن قطاع الاتصالات في سورية فرعين أساسيين: شبكة الهواتف الأرضية وشبكة الخليوي، وتقدم الشبكتان خدمتي الاتصال الهاتفي والإنترنت. ومن المعروف أن قطاع الخليوي محتكر من شركتي سيرياتل و"أم تي أن"، ومن المعروف أيضاً أن نسبة مهمة من أسهم سيرياتل تعود ملكيتها لرامي مخلوف ابن خالة الرئيس السوري بشار الأسد.

احتكار القطاع 

تبدو مشكلات الاتصالات في سورية نتاجاً طبيعياً لعاملين أساسيين: الأول هو احتكار خدمة الخليوي من قبل عدد محدود جداً من الشركات والأشخاص. والثاني هو التخريب المتعمد والمستمر لشبكة الاتصالات الأرضية وإمكانات توسيعها، مما يجعل التوجه نحو الخليوي خياراً إجبارياً للمناطق والأشخاص.
وتشير شركة بحثية عالمية متخصصة باقتصاديات الاتصالات، هي شركة telegeografy في تقرير صادر عنها في عام 2015، إلى أنّ العقود الموقعة مع الحكومة السورية من جانب شركتي سيرياتل و"أم تي أن" هي عقود من نوع BOT (إنشاء-تشغيل-تسليم)، وأن تلك العقود تنتهي عام 2015. وتلجأ الدول وخاصة النامية منها إلى هذا النوع من العقود لضعف تقدمها التكنولوجي، فتعهد لشركة خاصة بإنشاء البنى التحتية، على أن تقوم الشركة باستثمار القطاع لمدة يحددها العقد، وتدفع خلالها نسباً من الأرباح للدولة، وبعد انتهاء المدة يجري نقل ملكية الشركة إلى الدولة المعنية.
ما جرى في سورية يخالف كل القواعد، وهو ما تنبأت به دراسة قديمة صدرت في عام 2011 على موقع "سيريا تروث، هالف تروث" المعني بملاحقة الشأن الاقتصادي السوري. إذ بينت الدراسة في حينه أنّ إجمالي الوفر (زيادة الربح) الذي ستحققه سيرياتل إذا تمكنت من تغيير طبيعة العقد من B.O.T إلى رخصة تشغيل، كما جرى ابتداءً من مطلع العام الماضي، هو 13.43 مليار ليرة سورية سنوياً، وهو المبلغ نفسه الذي ستخسره الحكومة السورية من جراء تغيير طبيعة العقد.
بالمحصلة فإن العقود الجديدة قلصت نسبة الحكومة السورية من أرباح الشركتين إلى 25%، علماً أن الانتظار لعام واحد إضافي، أي حتى انتهاء مدة العقود، كان يعني انتقال الملكية كاملة للحكومة السورية، وحصولها على كامل الأرباح من دون اقتطاعات، في قطاع من المفترض أنه تعرض للتطوير وفق شروط العقد الموقع مع الشركتين.
في المسألة الثانية؛ أي تخريب شبكة الهواتف الأرضية وإمكانية توسيعها، يظهر واضحاً مثال الشركة السورية الكورية، والتي تأسست سنة 1996 بإدارة حكومية ونسبة تملك 51% ضمن عقد يمتد لعشرين عاماً، والتي أصبح مستقبلها مجهولاً منذ أشهر. لا بل ذكرت جريدة الوطن السورية أنّ الهيئة العامة للشركة قررت تصفيتها خلال هذا العام بعد اعتذار الشركة الكورية عن متابعة الشراكة.
وكان عمل الشركة السورية الكورية يقوم على إنشاء البنية التحتية للاتصالات الأرضية أي المقاسم الهاتفية، وكانت هذه "الصناعة" في حين توقيع العقد مسألة احتكارية على المستوى العالمي، وكان كسر هذا الاحتكار إنجازاً مهماً سمح بربط سورية بشبكة اتصالات أرضية وبتأهيل عدد كبير من الكوادر السورية لتخديم هذا النمط من الصناعة، وراكم خبراتهم عبر عشرين عاماً.
لكن كما هي الحال في العديد من مجالات الاقتصاد السوري، حين وصلت الأمور إلى المكان الذي يسمح بشيء من الاستقلالية عن "السمسرة" الاقتصادية مع الشركات العالمية، سيتم حل هذه الشركة بانتهاء العقد هذا العام، علماً أن الحكومة كانت قادرة على شراء باقي الأسهم ومتابعة الإنتاج على أحسن وجه، ولكن ذلك، على ما يبدو، لا يناسب "أصحاب" شركتي الخليوي. وما يجري عملياً هو أنّ السوريين يشترون "هواء" بلادهم الذي يحمل أمواج الاتصالات الكهرطيسية ويدفعون ثمنه لمجموعة قليلة من الأشخاص والشركات المحظية، بدلاً من استعادة ما يدفعونه، خدمات عامة وتحسيناً في ظروفهم المعيشية.

اقرأ أيضاً: سلطات جديدة تنافس النظام السوري

 

المساهمون