05 نوفمبر 2024
الاتحاد النسائي السوري... وغيره
استقبلت، في العشرين من إبريل/ نيسان الحالي، رئيسة الاتحاد العام النسائي في سورية في مقرّه في دمشق، نائبة مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان، مارتا بيريث ديل بولغر، ومديرة برامج الجندر في الصندوق، الدكتورة أميرة أحمد. وتناول الاجتماع مناقشة التعاون بين الاتحاد والصندوق لافتتاح مشروع مركز دعم للمرأة في حلب، ودراسة الخطوات العملية للتنفيذ. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، صدر مرسوم تشريعي بحل الاتحاد العام النسائي، حتى يصحّ المثل "العرس في حرستا والطبل في دوما"، أو للدقة أكثر حال الاتحاد مثل حال "الأطرش في الزفة"، وكـأن الاتحاد النسائي ابن قاصر، تتّخذ القرارات المصيرية بشأنه من دون الرجوع إليه، أو استطلاع رأيه، وهو أثبت قصوره خمسين عامًا.
تأسس الاتحاد العام النسائي في سورية بمرسوم تشريعي في 26/ 8/ 1967، ألغي وحل محله القانون رقم 33 لسنة 1975 المعدل بمرسوم تشريعي في 5/ 2/ 1984. ويعد الاتحاد "أول تنظيم جماهيري في الجمهورية العربية السورية يوحّد جهود المرأة في مؤسسةٍ تخصها، ويعبر عن إرادتها الواعية، وتستطيع المرأة فيه أن تمارس دورها الفعال في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية"، كما جاء في نظامه الداخلي. لكن، ما يهم إذا حُلّ الاتحاد أم بقي؟ لم يكن إلا اتحادًا هامشيًا قياسًا بالاتحادات والمنظمات الأخرى التي كان النظام قد فصلها وسواها لتصادر إرادة الشعب، بدعوى الدفاع عن حقوقه التي أمعن في هدرها، فهذا الاتحاد كان مؤسسةً خاصةً بالمرأة التي كانت، وما زالت، تشكل الشريحة الأكثر تهميشًا وانتهاكًا لحقوقها في المجتمع، وكانت مقموعةً، ومن السهل قيادتها الفردية والجماعية.
لم يعمل الاتحاد العام النسائي على توعية المرأة ومساعدتها في وعي ذاتها ووعي المجتمع،
لكي تكون قادرة على المساهمة والبناء، كان منظمةً ملحقةً بنظام سياسي تقوم بدورها في تكريس سلطته، وتحقيق سياساته في تطويع الشعب، عن طريق إعداد كوادره في تلك المنظمات منذ مراحل التعليم الباكرة، مثل منظمة طلائع البعث، ثم اتحاد شبيبة الثورة يليه اتحاد الطلبة، عدا المنظمات الأخرى، كاتحاد الفلاحين واتحاد نقابات العمال والاتحاد الرياضي العام وغيرها.
مُنح الاتحاد النسائي صفة "مؤسسة"، وأوكل إلى المرأة نظريًا مهمة مزاولة دورها الفعال في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، لكن دورها الاجتماعي بقي مشلولاً وعاجزًا عن المبادرة، فهي مرهونةٌ لسلطة الأعراف والدين والموروث الثقافي بأعتى ممارساته مدعومًا بسلطة القوانين والتشريعات، خصوصا لناحية الأحوال الشخصية، فبقيت المرأة رهينة الوظائف الاجتماعية التي حدّدتها لها الأعراف والتقاليد، وحبيسة الصورة النمطية التي رسمتها لها سلطةٌ ثقافيةٌ ذكوريةٌ مستبدة، وبقيت المرأة، في الغالب، لا تعي ذاتها إلا من خلال هذه الثقافة التي عملت المناهج التربوية والتعليمية على ترسيخها منذ المرحلة التأسيسية في الابتدائية، إذ تقدّم الأسرة بالصور والكلمات على أساس الأدوار الموزعة جندريًا في المجتمع، الأم تطبخ أو تكوي أو تمسح وتجلي، والأب يعمل خارج البيت في مهن متنوعة. وفي الجلسات الحميمة، يصور الأب يمسك كتابًا والأم تمسك أدوات الحياكة والتريكو. في المدارس، كانت هناك حصص الخياطة والتربية النسوية في مدارس الإناث.
هل دافع الاتحاد العام النسائي عن كيان المرأة، وسعى، بوصفه منظمة وجدت من أجل المرأة إلى حمايتها من عنف المجتمع والنظام؟ هل دافع عن المعتقلات السياسيات اللواتي يتعرّضن لكل أشكال العنف والامتهان لإنسانيتهن، لمجرد تبني رأي مغاير لنهج النظام؟ وماذا عن المرأة السورية اليوم، وهي تدفع في حرب عبثية غاشمة لتكون أم الشهيد وأخته وابنته وزوجته؟ أن تقدّم أمّ أبناءها للموت، وتتباهى بشهادتهم على الشاشات؟
هل سعت النساء القياديات والمسؤولات في الاتحاد إلى بلورة مشروعٍ يحمي المرأة من سلطة
قوانين جائرة أو حتى الإصلاح اللغوي لتلك القوانين؟ فالمفردات الرهيبة التي تصاغ بها بعض القوانين الشخصية تدفع المرأة إلى مراتب دون بشرية، تنص المادة 34 على أنه: يحرم على الرجل زوجة أصله أو فرعه و"موطوءة" أحدهما، وأصل "موطوءته" وفرعها وأصل زوجته. وبإمعان النظر في كلمة "موطوءة" يفتح سياق زمني ضارب في القدم لمعنىً تشكّل ليبقى راسخًا في الوعي الجمعي، يساهم في صياغة منظومة القيم. أما ما صنف تحت مسمى "قوانين الشرف" فهو سياقٌ لغوي آخر يصب في الحوض المعرفي نفسه، والذي بواسطته تتخلى الدولة عن حقها في مزاولة دورها مشرعةً، وضامنة للحقوق، وتتنازل عنه لصالح عقلية ذكورية أو قبلية وعشائرية، وفيه ما فيه من اعتداءٍ على كرامة المرأة وحياتها. وهو دليلٌ على مدى الانحطاط الأخلاقي أو القانوني لدى الفرد أو المجتمع.
وعلى الرغم من أن التعليم كان مفتوحًا أمامها، وسوق العمل أيضًا، إلا أن المرأة السورية كانت مرتهنةً لقوانين الظل، بمباركة من السلطات مجتمعة، ازدادت عبوديتها وازداد استغلالها واستثمار جهدها، إذ كانت المرأة تدخل سوق العمل، لتساعد في ميزانية الأسرة، وبقيت وظائفها المنزلية كما هي، من دون مساهمة الرجل، وتعرّضت لاستغلال أرباب العمل، وبقيت النظرة إليها دونيةً، ولم تمنح الثقة في المناصب التي تشغلها، بل كانت تستنفر رفض المرؤوسين من الرجال الذين، بغالبيتهم، لم يكونوا قادرين على تحمل فكرة أن ترأسهم امرأة. وبقي تمثيلها السياسي والإداري الفعلي محدودًا، ولا يعدو أن يكون أداة إشهارية لتسويق فكرة العلمانية والحداثة للنظام الحاكم.
بقيت المرأة، حتى لو حصلت على أرفع المراكز العلمية والثقافية خاضعةً لقوانين الأحوال
الشخصية التي تضعها في مرتبةٍ دنيا اجتماعيًا وإنسانيًا، خصوصا لجهة قوانين الزواج وتعدّد الزوجات والزواج من غير المسلم، ومن غير السوري، وقوانين الطلاق، والميراث، وهي مهدّدة بالطلاق في كل لحظة، بينما يمنحها القانون حق الطلاق في حالتين، إذا كان فيه إحدى العلل المانعة من الدخول، بشرط سلامتها هي منها، وإذا جنّ الزوج بعد العقد.
ماذا فعل الاتحاد العام النسائي خمسين عامًا، وما هي إنجازاته في مجال النهوض بوعي المرأة بذاتها وبمجتمعها؟ هل دافع عن حقوق المرأة المهدورة، أم عن معتقلات الرأي والناشطات اللواتي تغصّ بهن السجون؟ لم يقدّم أكثر من تأمين فرصٍ بسيطة لها، لتعمل في قطاعات خدمية متواضعة، لا تتعدى نشاطاته محو الأمية في التعامل مع الحياة في عصر الثورة الرقمية والحداثة. وبقي هذا الجيش من اللواتي يملأن مكاتب التنظيم ومقرّاته المترامية الأطراف ينتظر شواغر تلتحق النساء من خلالها بجيش البطالة المقنعة، في بلادٍ أنهكتها الحرب، ودفعت المرأة فاتورتها الباهظة. بل ما الغاية من وجود منظمات من هذا القبيل؟ ما الجدوى من أن يكون هناك اتحاد للنساء، وآخر للرياضيين، وللعمل والفلاحين، وحتى للأدباء والكتاب؟ وماذا عملت هذه المنظمات الملحقة بالنظام، غير أن تحوّلت إلى أدوات تطويع للشعب، وجعله وفق نموذجٍ وحيدٍ يمجّد الحزب والوطن والقائد؟ تحوّلت إلى ما يشبه المليشيات، همها تحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب، في مقابل أن تكون خادمة مطيعة للفروع الأمنية.
صحيح أن استحقاقات المرحلة أعظم من هذه الإصلاحات الخلبية. لكن، لماذا لا تحلّ كل هذه الهياكل المعيقة للتطور والإبداع، وترفع الوصاية عن الشعب السوري الذي أثبت أنه ليس قاصرًا، لقد استعاد نبض الحياة الكريمة منذ صرخ للحرية.
تأسس الاتحاد العام النسائي في سورية بمرسوم تشريعي في 26/ 8/ 1967، ألغي وحل محله القانون رقم 33 لسنة 1975 المعدل بمرسوم تشريعي في 5/ 2/ 1984. ويعد الاتحاد "أول تنظيم جماهيري في الجمهورية العربية السورية يوحّد جهود المرأة في مؤسسةٍ تخصها، ويعبر عن إرادتها الواعية، وتستطيع المرأة فيه أن تمارس دورها الفعال في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية"، كما جاء في نظامه الداخلي. لكن، ما يهم إذا حُلّ الاتحاد أم بقي؟ لم يكن إلا اتحادًا هامشيًا قياسًا بالاتحادات والمنظمات الأخرى التي كان النظام قد فصلها وسواها لتصادر إرادة الشعب، بدعوى الدفاع عن حقوقه التي أمعن في هدرها، فهذا الاتحاد كان مؤسسةً خاصةً بالمرأة التي كانت، وما زالت، تشكل الشريحة الأكثر تهميشًا وانتهاكًا لحقوقها في المجتمع، وكانت مقموعةً، ومن السهل قيادتها الفردية والجماعية.
لم يعمل الاتحاد العام النسائي على توعية المرأة ومساعدتها في وعي ذاتها ووعي المجتمع،
مُنح الاتحاد النسائي صفة "مؤسسة"، وأوكل إلى المرأة نظريًا مهمة مزاولة دورها الفعال في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، لكن دورها الاجتماعي بقي مشلولاً وعاجزًا عن المبادرة، فهي مرهونةٌ لسلطة الأعراف والدين والموروث الثقافي بأعتى ممارساته مدعومًا بسلطة القوانين والتشريعات، خصوصا لناحية الأحوال الشخصية، فبقيت المرأة رهينة الوظائف الاجتماعية التي حدّدتها لها الأعراف والتقاليد، وحبيسة الصورة النمطية التي رسمتها لها سلطةٌ ثقافيةٌ ذكوريةٌ مستبدة، وبقيت المرأة، في الغالب، لا تعي ذاتها إلا من خلال هذه الثقافة التي عملت المناهج التربوية والتعليمية على ترسيخها منذ المرحلة التأسيسية في الابتدائية، إذ تقدّم الأسرة بالصور والكلمات على أساس الأدوار الموزعة جندريًا في المجتمع، الأم تطبخ أو تكوي أو تمسح وتجلي، والأب يعمل خارج البيت في مهن متنوعة. وفي الجلسات الحميمة، يصور الأب يمسك كتابًا والأم تمسك أدوات الحياكة والتريكو. في المدارس، كانت هناك حصص الخياطة والتربية النسوية في مدارس الإناث.
هل دافع الاتحاد العام النسائي عن كيان المرأة، وسعى، بوصفه منظمة وجدت من أجل المرأة إلى حمايتها من عنف المجتمع والنظام؟ هل دافع عن المعتقلات السياسيات اللواتي يتعرّضن لكل أشكال العنف والامتهان لإنسانيتهن، لمجرد تبني رأي مغاير لنهج النظام؟ وماذا عن المرأة السورية اليوم، وهي تدفع في حرب عبثية غاشمة لتكون أم الشهيد وأخته وابنته وزوجته؟ أن تقدّم أمّ أبناءها للموت، وتتباهى بشهادتهم على الشاشات؟
هل سعت النساء القياديات والمسؤولات في الاتحاد إلى بلورة مشروعٍ يحمي المرأة من سلطة
وعلى الرغم من أن التعليم كان مفتوحًا أمامها، وسوق العمل أيضًا، إلا أن المرأة السورية كانت مرتهنةً لقوانين الظل، بمباركة من السلطات مجتمعة، ازدادت عبوديتها وازداد استغلالها واستثمار جهدها، إذ كانت المرأة تدخل سوق العمل، لتساعد في ميزانية الأسرة، وبقيت وظائفها المنزلية كما هي، من دون مساهمة الرجل، وتعرّضت لاستغلال أرباب العمل، وبقيت النظرة إليها دونيةً، ولم تمنح الثقة في المناصب التي تشغلها، بل كانت تستنفر رفض المرؤوسين من الرجال الذين، بغالبيتهم، لم يكونوا قادرين على تحمل فكرة أن ترأسهم امرأة. وبقي تمثيلها السياسي والإداري الفعلي محدودًا، ولا يعدو أن يكون أداة إشهارية لتسويق فكرة العلمانية والحداثة للنظام الحاكم.
بقيت المرأة، حتى لو حصلت على أرفع المراكز العلمية والثقافية خاضعةً لقوانين الأحوال
ماذا فعل الاتحاد العام النسائي خمسين عامًا، وما هي إنجازاته في مجال النهوض بوعي المرأة بذاتها وبمجتمعها؟ هل دافع عن حقوق المرأة المهدورة، أم عن معتقلات الرأي والناشطات اللواتي تغصّ بهن السجون؟ لم يقدّم أكثر من تأمين فرصٍ بسيطة لها، لتعمل في قطاعات خدمية متواضعة، لا تتعدى نشاطاته محو الأمية في التعامل مع الحياة في عصر الثورة الرقمية والحداثة. وبقي هذا الجيش من اللواتي يملأن مكاتب التنظيم ومقرّاته المترامية الأطراف ينتظر شواغر تلتحق النساء من خلالها بجيش البطالة المقنعة، في بلادٍ أنهكتها الحرب، ودفعت المرأة فاتورتها الباهظة. بل ما الغاية من وجود منظمات من هذا القبيل؟ ما الجدوى من أن يكون هناك اتحاد للنساء، وآخر للرياضيين، وللعمل والفلاحين، وحتى للأدباء والكتاب؟ وماذا عملت هذه المنظمات الملحقة بالنظام، غير أن تحوّلت إلى أدوات تطويع للشعب، وجعله وفق نموذجٍ وحيدٍ يمجّد الحزب والوطن والقائد؟ تحوّلت إلى ما يشبه المليشيات، همها تحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب، في مقابل أن تكون خادمة مطيعة للفروع الأمنية.
صحيح أن استحقاقات المرحلة أعظم من هذه الإصلاحات الخلبية. لكن، لماذا لا تحلّ كل هذه الهياكل المعيقة للتطور والإبداع، وترفع الوصاية عن الشعب السوري الذي أثبت أنه ليس قاصرًا، لقد استعاد نبض الحياة الكريمة منذ صرخ للحرية.
مقالات أخرى
27 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
05 أكتوبر 2024