أثار تقرير تلفزيوني أعدته إحدى المحطات المحلية في لبنان، عن انتشار شبكات غير شرعية لتزويد خدمة الإنترنت، الكثير من التساؤلات عن التبعات الأمنية والخسائر الاقتصادية التي تلحق بقطاع الاتصالات جراء عمل هذه الشبكات المُثبتة في مناطق نائية شمالي البلاد.
لكن الحديث عن وجود قطاع غير شرعي لمزودي خدمات الإنترنت ليس جديداً في لبنان، بل يعود تاريخ اكتشاف أكبر شبكة غير شرعية إلى العام 2009، في ما بات يُعرف إعلامياً بـ"محطة الباروك". وهي القضية التي اتخذت بُعداً أمنياً مع كشف مصدر الإنترنت الذي نقلته المحطة للمُستخدمين المحليين، وهي إسرائيل.
تفاعل الرأي العام اللبناني مع التقرير التلفزيوني لعدة أيام، قبل أن يُقرر وزير الاتصالات بطرس حرب عقد مؤتمر صحافي تحدث خلاله عن "كشف الفرق الفنية المختصة في الوزارة تجهيزات تقنية وأنظمة معلوماتية في مواقع مختلفة في أعالي قمم الجبال اللبنانية تعمل من دون ترخيص".
وعدّد التقرير التلفزيوني المذكور أماكن انتشار هذه الشبكات وعرض مقابلات مع مُشغليها الذين تعرّض اثنان منهم للتوقيف. واعتبر وزير الاتصالات "أننا أمام منظومة مدعومة لأنها استطاعت تهريب لواقط وصحون إرسال يزيد قطرها عن 3 أمتار وهذا ما يستدعي طرح أسئلة كثيرة".
اقرأ أيضا: العرب يحذرون في قمة الأمان العربي من البرنامج الإيراني
وتضمن المؤتمر الصحافي للوزير تحذيرا من "تزويد شركات إسرائيلية موزعي شبكات الإنترنت المُكتشفة بالمعدات"، مضيفاً أن "هذه الشبكات زودت مقرات ومراكز رسمية حساسة بخدمات الإنترنت ومجاناً في غالب الأحيان". وقدّر حرب خسائر قطاع الإنترنت في لبنان من جراء عمل هذه الشبكات بحوالي 60 مليون دولار أميركي سنوياً.
وبعكس "محطة الباروك"، وجد ملف الشبكات الجديدة طريقه إلى القضاء بعد تأكيد رئيس لجنة الاتصالات النيابية، عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله)، النائب حسن فضل الله، "وضع مجلس النواب يده على قضية شبكات الإنترنت غير الشرعية". وأشار فضل الله بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى أن لبنان "أمام شبكة مفتوحة على التجسس الإسرائيلي".
"تغاض وفساد"
يرفض رئيس "جمعية الإنترنت" اللبنانية، الأكاديمي غابريال الديك، وصف الأمر لـ"العربي الجديد" بالفضيحة "لأن أمر شبكات الإنترنت غير الشرعية معلوم من قبل جميع المسؤولين المعنيين بملف الاتصالات في لبنان، حتى قبل تاريخ اكتشاف شبكة الباروك عام 2009". ويشير الديك إلى تجاوز حجم الشبكات غير الشرعية نسبة 50 في المئة من مُجمل حجم قطاع الإنترنت في لبنان، ما يؤهلها لتشكيل كيان مواز لمزودي الإنترنت الشرعيين في البلاد، "علماً أن الأجهزة الفنية في وزارة الاتصالات مُزودة بكافة معدات كشف الشبكات غير الشرعية، مما يؤكد أن توقيت فتح الملف لم يكن نتيجة جهد تقني أو فني استثنائي".
اقرأ أيضا: اتصالات سرية بين إسرائيل وإندونيسيا
ويؤكد الديك أن الملف الحالي يكشف "استنسابية مؤسسات الدولة في التعامل مع المُخالفين الذين استوردوا معدات الإرسال وثبتوها في مواقعها، بل وزودوا مؤسسات رسمية بالإنترنت مجاناً عبرها".
ويعزو الديك محاولة أفراد ومؤسسات استقبال سعات الإنترنت بشكل غير شرعي إلى "إصرار وزارة الاتصالات على تقنين كمية السعات المعروضة رغم تجاوز الطلب الكمية المعروضة بأضعاف، وتوافر هذه السعات والإمكانات الفنية لبثها في محطات الوزارة".
ويشير تقرير "حرية الإنترنت في لبنان" الذي أصدرته مؤسسة "مهارات" اللبنانية عام 2015 بالتعاون مع مكتب "يونسكو" الإقليمي إلى "تمسك وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو (التابعة للوزارة) بحصرية إدارة الحزمة الدولية للإنترنت في لبنان، مع تضييق الخناق على شركات مقدمي خدمات الإنترنت وشركات نقل المعلومات لناحية حصولهم على سعات دولية جديدة بحجة إعادة بيع هذه الشركات للسعات بطريقة غير مشروعة إلى شركتي الخلوي، وإلى مقدمي خدمات الإنترنت غير المرخص". وهو ما يؤدي، بحسب التقرير، إلى "إقبال مزودي خدمة الإنترنت على شراء سعات من القطاع الخاص، عبر الأقمار الصناعية، ما يزيد من كلفة التشغيل ويرفع الأسعار".
ويقدّر التقرير تزوّد "200 ألف وحدة سكنية بالإنترنت من مصادر غير شرعية، من أصل 600 ألف وحدة سكنية مزودة بأحد أنواع خدمات الإنترنت المُختلفة".
يلخص التقرير وضع الإنترنت في لبنان بالسيئ نتيجة اجتماع عوامل تشريعية وتقنية وسياسية، أدت إلى "تراجع ترتيب لبنان في سرعة الإنترنت من الترتيب 161 عالمياً عام 2012 إلى الترتيب 175 عام 2015".
"خطر التجسس"
وفي حين تحدث الوزير عن "خطورة ارتباط شبكات الإنترنت غير الشرعي بإسرائيل" وأعاد رئيس لجنة الاتصالات النيابية التأكيد على هذه الخطورة، يؤكد الديك "عدم حاجة إسرائيل للتسلل إلى شبكة الإنترنت في لبنان من خلال هذه الشبكات غير الشرعية، فجميع أجهزة الاستخبارات العالمية ومنها الاسرائيلية، قادرة على خرق كافة شبكات الإنترنت العاملة بسهولة ويُسر". ويضع الديك "التهويل بالخطر الأمني"، في إطار التعاطي الرسمي السطحي مع مُختلف الأزمات التي تمر بها البلاد.