ينتابك شعور من الغصة والمرارة، ممزوج بمشاعر السخرية والدهشة تصل إلى مرحلة القرف كلما اقتربت من تعاطي الإعلام المصري مع أي حدث يخص الشأن المصري لتجد نفسك تركب بساط الريح وتذهب إلى مدينة العجائب "والت ديزني"، أو أنك تشاهد واحداً من أفلام الفانتازيا الهابطة أو واحداً من أهم أفلام الكوميديا السوداء فى العصر الحديث.
وهذه المرة نحن أمام الفصل الثالث من مسرحية الاستحقاقات الثلاثة، التاريخ 18 أكتوبر 2015، الحدث الانتخابات البرلمانية، المشهد لجان خاوية من الناخبين مكتظة برجال الأمن والموظفين وبعض مندوبى المرشحين، الموسيقى التصويرية استدعاء الكثير من الأغاني الوطنية المبتذلة.. الصوت؛ ضجيج إعلامى متكرر مع فاصل من الصراخ والعويل يصل إلى حد الردح والتهديد و يتطور دراميا حتى يصل إلى مرحلة الشتائم والسباب، وفي مشهد النهاية المتكرر أيضاً تخرج علينا النتائج الوهمية المزيفة على عكس الواقع حسب رؤية المخرج، وهنا يتنفس الإعلام الصعداء مؤكداً على النتائج المزورة والتي تفوق كل حدود المنطق والخيال، وينتهي الفيلم كسابقيه بنهاية مفتوحة حول جدلية الحقيقة والخيال.
وهكذا ومنذ 30 يونيو أصبح التعاطي الإعلامي مع كل الأحداث المصرية، فإذا كانت الأحداث تدين النظام فهي تنسب مباشرة للإخوان بكل الطرق والوسائل التي تفوق حدود المنطق والخيال وتتفوق على أفلام الفانتازيا، أما إذا كانت الأحداث عن مشروعات وهمية لا وجود لها إلا على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات فهي مشروعات عملاقة نفذت ونجحت ودرّت على الدولة عوائد بالمليارات وشغلت الملايين من شبابنا العاطل. وما عليك إلا أن تصدق ثم تنتظر مشروعات أخرى أو مؤامرات أخرى من تلك المؤامرات الهوليودية، فالمشكلة الرئيسية ليست في الإعلام لأنه إعلام فاسد مثله مثل باقي المؤسسات جميعها، فهي تدار بعقلية مخابراتية أصابها العقم واستنفدت كل وسائل الكذب والخداع ولا يبقى لها سوى "الهطل".
أما المشكلة الكبرى أو الجريمة الكبرى هي في من يصدقون هذا "الهطل" ويتناقشون حوله لإقناع بعضهم بعضا بحقيقته. فقد صدقوا أن المخلوع مبارك ونظامه قد حوكموا محاكمة حقيقية وبرّأهم القضاء الشامخ حتى أصبحت جرائم المخلوع ونظامه محل شك.
فقد صدّقوا أن في اعتصام رابعة كرة أرضية يدفن فيها الإخوان جثث ضحاياهم، وقد صدّقوا أن الإخوان إرهابيون حتى يبرروا لأنفسهم السكوت والتغاضي عن المذابح التي ترتكب ضدهم.
وقد صدّقوا أن شباب الثورة متآمرون وممولون حتى يبرروا لأنفسهم ولأبنائهم التخلي عن دورهم في الثورة التي قامت من أجلهم هم وأبنائهم.
وقد صدّقوا أن القوات المصرية أسرت قائد الأسطول السادس الأميركي في معركة فاقت في تكتيكاتها وشراساتها معركة بيرل هاربور الشهيرة.
وقد صدّقوا أن حركات المقاومة في غزة هي العدو المنظور، والكيان الصهيوني الصديق المتعاون حتى يرفعوا عن كاهلهم الحرج من جرائم الاحتلال الصهيونى ضد الفلسطينيين.
وقد صدّقوا نتائج الانتخابات الزائفة ليبرروا لأنفسهم الأمن والاستقرار، وقد صدقوا بضرورة وجود منطقة عازلة بين قطاع غزة وسيناء حفاظا على الأمن القومي المصري ليبرروا لأنفسهم تهجير السيناوية قسرياً وهم أكثر من عانوا من ويلات الحرب وويلات السلام.
وقد صدقوا مشروع المليون شقة والمليون ونصف المليون فدان والعاصمة الجديدة ليبرروا لأنفسهم ويلات الانتظار والتمني.
وعين الحقيقة أنه لا الإعلام صدق في ما صرح، وعين اليقين أن الشعوب لم تصدقهم في ما قالوا، لكنه عالم البطش والتدليس والكذب، يجد متسعا وبراحا في عالم الخوف والجهل واللامبالاة.
(مصر)
اقرأ أيضاً: كيف تعمل "ماكينة" الحكم المصرية؟