انطلقت إسرائيل في عدوانها الحالي على قطاع غزة، من أربعة افتراضات، دلّت مجريات الأمور حتى الآن، على أنها كانت خاطئة. فقد اعتقد صنّاع القرار في تل أبيب، أن "فقدان حماس منظومة تحالفاتها الإقليمية الواحدة تلو الأخرى، علاوة على تهاوي رهان الحركة على مخرجات المصالحة الفلسطينية، جعلها في أضعف وضع لها، منذ انطلاقتها في ديسمبر/ كانون الأول 1987، وهو ما يسمح لتل أبيب بتحقيق أهدافها من الحرب في ظروف مثالية".
فقد افترض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن "ظروف حركة حماس تسمح له بالتحكّم في ظروف الحرب، فلا يحدد موعد بدء الحملة الحربية، بل موعد انتهائها، بما يتلاءم مع المصلحة الإسرائيلية". كما دلّ الجدل الإسرائيلي الداخلي، الذي دار قبيل شنّ الحملة الحالية، أن "أكثر ما أغرى تل أبيب في شنّ الحرب، افتراضها بأن السياسة التي اتبعتها السلطة المصرية ضد حماس، خصوصاً تدمير الأنفاق، قد أسهم بالمسّ بقوتها العسكرية جذرياً، تحديداً مخزونها من الصواريخ متوسطة المدى".
فخلال الحرب التي شنّتها على قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، ادّعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تدميرها مخزون "حماس" من صواريخ "فجر 5"، التي زودتها بها إيران، وأن ما تبقى لدى الحركة هو بضع عشرات من صواريخ "أم 75"، المحلية الصنع.
وسرعان ما دلت مجريات الحملة حتى الآن على أن حسابات تل أبيب كانت غير دقيقة تماماً، حيث تبيّن أن الحرب التي شنّها النظام المصري على الأنفاق، وحرص القاهرة على إغلاق منافذ تهريب السلاح لغزة، جاءت بنتائج عكسية تماماً. فقد تبيّن لإسرائيل أن تدمير الأنفاق قد دفع "كتائب القسام"، الذراع العسكري لـ"حماس"، الى الاعتماد على قدراتها الذاتية في تطوير نسخ جديدة من الصواريخ، بمدى أطول وذات رؤوس تفجيرية أكثر فتكاً.
ومع بدء الحملة الحالية، اعتقدت إسرائيل أن "ما تملكه حماس من صواريخ، لا يتعدّى مداها منطقة تل أبيب والقدس المحتلتين، لكن ما إن شرعت الحركة بالردّ على عمليات الاغتيال والقصف العشوائي، الذي قام به الطيران الإسرائيلي، حتى تبيّن أن مخزونها من الصواريخ يشمل صواريخ بمدى لم تتوقعه محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب".
فقد استخدمت "حماس"، للمرة الأولى، صواريخ "أر 160"، التي يصل مداها لـ160 كلم، وتحمل أكثر من 245 كلغ من المتفجرات. ويفوق "أر 160"، خصائص صاروخ "فجر 5" الإيراني، الذي عبّرت إسرائيل مراراً عن ارتياحها لأن السلطات المصرية قضت على فرص حصول "حماس" عليه بعد تدمير منافذ التهريب عبر الأنفاق. وبعكس حسابات دوائر صنع القرار في تل أبيب، فقد غطّى مدى الصاروخ الجديد مناطق واسعة، وصلت الى حيفا في شمال فلسطين المحتلّة، وبالتالي بات 3.5 ملايين مستوطن في نطاقها.
وبالرغم من احتفاء الصهاينة بالعداء الكبير الذي تكنّه السلطات المصرية تجاه حماس، إلا أن بعض النُّخَب الإسرائيلية قد اكتشفت أن هذا الموقف لعب ضد مصالح إسرائيل في العدوان الدائر ضد غزة. ويقول المعلّق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إنه "نظراً لأن السلطة المصرية تستمتع بالضربات التي توجهها إسرائيل لحماس، فقد امتنعت عن التدخل للتوسّط بين الجانبين، مع العلم أن مصر، حتى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لم تتردّد في التدخل للتوسّط بين حماس وإسرائيل".
ويلفت بن يشاي الى أن "موقف القاهرة لم يخدم مصالح تل أبيب، لأن نتنياهو بات معنياً بوجود وسيط يسهم في وضع حد للحملة، لا سيما في ظل المخاوف من أن تفضي إلى توريط إسرائيل في مستنقع غزة".
ويشير المعلّق السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رفيد، الى أن "إسرائيل ستضطر لإطالة أمد المواجهة الحالية، بعكس إرادتها، لعدم وجود وسيط مستعد للتوسط بشكل جدي لإنهاء الحملة". ويضيف: "هناك في إسرائيل مَن بات يرى أن دوائر صنع القرار في تل أبيب قد أخطأت عندما انطلقت من افتراض مفاده أن اشتداد الحصار وخيبة أمل حماس من عوائد اتفاق المصالحة، أضعفها وجعلها أقل اندفاعاً لخوض غمار مواجهة مع إسرائيل".
بينما يؤكد الكاتب الإسرائيلي، آرييه شافيت، أن "مسار الحرب وطابع ردود حماس العنيدة، دلّل على أن الحصار وخيبة الأمل من اتفاق المصالحة، جعل الحركة أكثر شراسة وعدوانية". ويلفت أنظار حكام تل أبيب، إلى حقيقة أنهم لم يدركوا أن "حماس باتت تقاتل على وجودها، وبالتالي فقد أخطأوا في تقدير الموقف إزائها، ولم يعوا الدوافع التي تحثّها على الصمود". ويوبّخ الكاتب، جدعون ليفي، حكومة نتنياهو، لأنها "انطلقت من افتراض مفاده أن حركة حماس ستتصرف وفق التوقعات الإسرائيلية". ويعتبر أن "ردود حماس تُعدّ طبيعية، في ظل حرص إسرائيل ومصر، ليس فقط على القضاء على حماس، بل جعل الغزيين يموتون ببطء".
وممّا لا شك فيه أن أحد أهم خيبات الأمل التي أثّرت في حسابات إسرائيل، تتمثّل في اكتشاف تل أبيب ضعف تغلغلها الاستخباري في قطاع غزة. فقد نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، الخميس الماضي، عن مصدر كبير في شعبة الاستخبارات العسكرية قوله إن "إسرائيل ليس لديها معلومات حول مكان وجود معامل تصنيع صواريخ حماس ولا مخازنها، ما قلّص من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي ذو الإمكانيات الكبيرة على ضربها". وقد أدى نقص المعلومات الاستخبارية إلى تركيز إسرائيل على استهداف المدنيين ومنازلهم ومؤسسات المجتمع، في محاولة لاسترضاء الرأي العام الإسرائيلي.