10 ابريل 2019
الإرهاب في إغلاق الأقصى
وفقا لما خطّه، في القرن الرابع الميلادي، الكاتب الروماني فيجينيوس: "من يستحق السلام يجب أن يكون مستعدّاً للحرب". وجد العرب والمسلمون أنفسهم في مقاعد المتفرجين على إغلاق المسجد الأقصى، فصكّوا وجوههم، وهم يبرّرون على استحياء أنّ هذه إحدى ضرائب اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني. السلام الذي لم يحوّل الجدل حول الحريات إلى علاقةٍ اعتبارية، ولم يترفّع عن انتهاك خصوصية دين أو فكر، ولم تتنزّل بنوده على احترام القيم الإنسانية.
ليس غريباً أن يستمر الإجراء الإسرائيلي بإغلاق الأقصى، وقد جرى أول مرة في العام 1969، حيث وجد أنّ ردود الفعل العربية الخجولة ترسل ضوءها الأخضر للتمادي على أرض الشعب الفلسطيني ومقدّساته. وكان بالإمكان التعامل مع هجوم الشبّان الثلاثة على جنديين إسرائيليين حالات فردية، لا يعمّ بسببها الشرّ. ولكن أبت سلطات الاحتلال إلّا أن تفرض تدابيرها العقابية، بشكلٍ يفوق ما تم ارتكابه، وذلك بالقتل والتنكيل لمجرد الاشتباه وإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين، واعتباره منطقة عسكرية، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الحرم القدسي للمرة الأولى منذ 48 عاماً، واحتجاز عدد من حرّاس المسجد التابعين للأوقاف الإسلامية.
وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلاً، نجد أنّ ما تم في السنوات الأخيرة القريبة، على الرغم من فظاعته، ليس إلّا جسّ نبض وقياساً لرنين الأجراس المعلّقة على أعناق العرب، وما يمكن أن تحدثه من ثورةٍ من أجل الحِمى والذود عن الأقصى الشريف. ولكلّ هذا الهوان، لا نستغرب أن تعود إسرائيل إلى ما ارتكبته في 1969، عندما التهمت النيران في ذلك الحريق محتويات جناح كامل من المسجد.
أحدثت تلك الجريمة المدبرة من مايكل دينس روهن (1941 – 1995) القادم من أستراليا،
فوضى في العالم، وفجّرت ثورة غاضبة، خصوصا في أرجاء العالم الإسلامي. وفي اليوم التالي للحريق، أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى، وعمّت المظاهرات القدس بعد ذلك، احتجاجاً على الحريق، وكان من تداعياته عقد أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط نتج عنه تأسيس منظمة المؤتمر (التعاون) الإسلامي التي تندّد الآن بإغلاق الأقصى. وبعد كل هذه السنين، نجد أنّ حاجة الدول الإسلامية تتجدّد، بل هي آخذةٌ في التزايد لوحدةٍ وحساسية مفقودة. وما زالت المبادئ التي طُرحت وقتها، والمتمثّلة في الدفاع عن شرف المسلمين وكرامتهم المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، ماثلة أمامنا. بل تناسلت مشكلات وقضايا أخرى، تنهش في شرف الأمة الإسلامية وكرامتها.
تشير الدلائل إلى محاولات إسرائيل بناء مشروع "المدينة اليهودية المقدسة"، وتم تبرير ما يقوم به جنودها في التصوّر العام أنّه لأسباب دفاعية، وإذا كان الأمر كذلك، فتصبح دعاية تجريم القتلى في باحة الأقصى دفاعا عن النفس، بحيث يصبح الحق دائماً في جانب الظالم وخصماً على المظلوم. ومن أجل تقسيم المسجد الأقصى، وتثبيت حق إسرائيل فيه أمرا واقعا، تم الترويج عالمياً لفكرة التعدّدية الدينية في القدس، بجعلها مفتوحة، ولم يجرؤ أصحاب المشروع على تسميتها حرية الأديان، لأنّه لا التعدّد المزعوم ولا الحرية هي شغل إسرائيل الشاغل، وإنّما ينغمس تفكيرها في أنّه لا بد لها من "عاصمةٍ يهوديةٍ مقدّسة"، تضم إليها حتى الجزء العربي داخل القدس والبلدة القديمة.
لم يحدث أن صوّر المجتمع الدولي إسرائيل في صورة المعتدي، فعندما تهاجم وتقتل ترسل
الدول نفسها المبعوثين لإنقاذ عملية السلام. وأمثال تلك الذرائع هي التي أعانت إسرائيل في التباهي بالعدوان بمسمياتٍ كذوبة. ولأنّ غاية دولة الاحتلال لم يتم تحقيقها بعد، لا يُستبعد أن تستمر أعمال العنف، ومن ذلك ما نشرته في مجلة الجامعة اليهودية منذ قرن ونيف، وفيه: "نصادف في كل التغييرات الفكرية الكبرى ترقيباً عملاً يهودياً، ظاهرياً كان أو جلياً أو خفياً سرياً. وعلى هذا، فالتاريخ اليهودي يمتد بامتداد التاريخ العالمي بجميع مجالاته، حيث يتغلغل فيه بآلاف الدسائس".
وبالنظر إلى ما هو أبعد من السياسي، يتضح أنّ الخطة أكبر وأخطر. ففيما يراه المراقبون أنّ ثمة صحوة قومية يهودية تتجلّى من بين ثنايا هذه الحادثة بالذات، في الحزن على خراب الهيكل. هذه الصحوة تغذيها الحركة الصهيونية العلمانية، مدعومة بالغرب من أجل إقامة مجتمع متحرّر من قيود إرث "الطائفة اليهودية"، باستغلال العاطفة الدينية. كما أنّ هناك استقطابا طائفيا مكثّفا لفئة الشباب إلى اليمين الإسرائيلي المتطرّف. ومن أجل تنفيذ هذا الهدف، تم نشر فكرة "بناء هيكل سليمان"، ثم عملت على تدبير الفوضى من وقتٍ إلى آخر، حتى تصل إلى نتيجة هدم المسجد الأقصى أو إحراقه. وقد بدأت فعلاً في ذلك، حيث عمدت السلطات الإسرائيلية إلى حفر نفقٍ تحت المسجد، بحجة البحث عن الآثار، حتى تتم إدعاءات إثبات وجود الهيكل تحته. يتوافق هذا كله مع احتجاجات إسرائيل على تبنّي "اليونسكو"، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قراراً يؤكد أنّ المسجد الأقصى في القدس "تراث إسلامي" خالص، ودعوتها إلى وقف الانتهاكات ضد المسجد الأقصى، والعودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائماً قبل العام 1967.
إن لم يكن الإرهاب متجسّداً في تسليح الحكومة الإسرائيلية المستوطنين، وغضّ الطرف العالمي والعربي عن القتل في حرم الأقصى، ثم إغلاقه، فكيف يكون إذن؟
ليس غريباً أن يستمر الإجراء الإسرائيلي بإغلاق الأقصى، وقد جرى أول مرة في العام 1969، حيث وجد أنّ ردود الفعل العربية الخجولة ترسل ضوءها الأخضر للتمادي على أرض الشعب الفلسطيني ومقدّساته. وكان بالإمكان التعامل مع هجوم الشبّان الثلاثة على جنديين إسرائيليين حالات فردية، لا يعمّ بسببها الشرّ. ولكن أبت سلطات الاحتلال إلّا أن تفرض تدابيرها العقابية، بشكلٍ يفوق ما تم ارتكابه، وذلك بالقتل والتنكيل لمجرد الاشتباه وإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين، واعتباره منطقة عسكرية، ومنع إقامة صلاة الجمعة في الحرم القدسي للمرة الأولى منذ 48 عاماً، واحتجاز عدد من حرّاس المسجد التابعين للأوقاف الإسلامية.
وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلاً، نجد أنّ ما تم في السنوات الأخيرة القريبة، على الرغم من فظاعته، ليس إلّا جسّ نبض وقياساً لرنين الأجراس المعلّقة على أعناق العرب، وما يمكن أن تحدثه من ثورةٍ من أجل الحِمى والذود عن الأقصى الشريف. ولكلّ هذا الهوان، لا نستغرب أن تعود إسرائيل إلى ما ارتكبته في 1969، عندما التهمت النيران في ذلك الحريق محتويات جناح كامل من المسجد.
أحدثت تلك الجريمة المدبرة من مايكل دينس روهن (1941 – 1995) القادم من أستراليا،
تشير الدلائل إلى محاولات إسرائيل بناء مشروع "المدينة اليهودية المقدسة"، وتم تبرير ما يقوم به جنودها في التصوّر العام أنّه لأسباب دفاعية، وإذا كان الأمر كذلك، فتصبح دعاية تجريم القتلى في باحة الأقصى دفاعا عن النفس، بحيث يصبح الحق دائماً في جانب الظالم وخصماً على المظلوم. ومن أجل تقسيم المسجد الأقصى، وتثبيت حق إسرائيل فيه أمرا واقعا، تم الترويج عالمياً لفكرة التعدّدية الدينية في القدس، بجعلها مفتوحة، ولم يجرؤ أصحاب المشروع على تسميتها حرية الأديان، لأنّه لا التعدّد المزعوم ولا الحرية هي شغل إسرائيل الشاغل، وإنّما ينغمس تفكيرها في أنّه لا بد لها من "عاصمةٍ يهوديةٍ مقدّسة"، تضم إليها حتى الجزء العربي داخل القدس والبلدة القديمة.
لم يحدث أن صوّر المجتمع الدولي إسرائيل في صورة المعتدي، فعندما تهاجم وتقتل ترسل
وبالنظر إلى ما هو أبعد من السياسي، يتضح أنّ الخطة أكبر وأخطر. ففيما يراه المراقبون أنّ ثمة صحوة قومية يهودية تتجلّى من بين ثنايا هذه الحادثة بالذات، في الحزن على خراب الهيكل. هذه الصحوة تغذيها الحركة الصهيونية العلمانية، مدعومة بالغرب من أجل إقامة مجتمع متحرّر من قيود إرث "الطائفة اليهودية"، باستغلال العاطفة الدينية. كما أنّ هناك استقطابا طائفيا مكثّفا لفئة الشباب إلى اليمين الإسرائيلي المتطرّف. ومن أجل تنفيذ هذا الهدف، تم نشر فكرة "بناء هيكل سليمان"، ثم عملت على تدبير الفوضى من وقتٍ إلى آخر، حتى تصل إلى نتيجة هدم المسجد الأقصى أو إحراقه. وقد بدأت فعلاً في ذلك، حيث عمدت السلطات الإسرائيلية إلى حفر نفقٍ تحت المسجد، بحجة البحث عن الآثار، حتى تتم إدعاءات إثبات وجود الهيكل تحته. يتوافق هذا كله مع احتجاجات إسرائيل على تبنّي "اليونسكو"، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قراراً يؤكد أنّ المسجد الأقصى في القدس "تراث إسلامي" خالص، ودعوتها إلى وقف الانتهاكات ضد المسجد الأقصى، والعودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائماً قبل العام 1967.
إن لم يكن الإرهاب متجسّداً في تسليح الحكومة الإسرائيلية المستوطنين، وغضّ الطرف العالمي والعربي عن القتل في حرم الأقصى، ثم إغلاقه، فكيف يكون إذن؟