الأنتيكات العراقيّة يكسوها التراب

24 ابريل 2015
تكثر أسواق الأنتيكا في العراق (العربي الجديد)
+ الخط -

يقال: "كلّما قدِم الشيء كلما زادت قيمته"، وهذا ما يجعل بلداً كالعراق، به مزيجٌ من الحضارات والموروث التاريخي، بلداً يحوي الكثير من المقتنيات النفيسة والتاريخية أو ما يُعرف بـ"الأنتيكات" والتي تمثل خلفية تعكس مستوى ثقافة المجتمع وتاريخه بالإضافة إلى قصصه.

واجهت على الأنتيكات، كما كل شيء في بلاد الرافدين، عوامل تغيّر، لا سيما بعد الغزو الأميركي عام 2003، عوامل غيّرت من معالمها ولكنها أيضاً سلّطت الضوء عليها.
لتجارة التحف والأنتيكات أسرار وقواعد لا يعرفها إلا من امتهن تلك الهواية كتجارة. وهي كأي سوق محكومة بمواسم معيّنة، وفيها الأصلي والمقلّد والنادر، ومنتجاتها قد تكون من إنتاج معامل أو فنانين مستقلين. وتكاد أن تكون مصر المنافس العربي الأول للعراق إن كان بأسواق الأنتيكات أو بالقطع النادرة التي قد تجدها هنا وهناك. فقد توالت حضارات مختلفة على البلديْن ما فرض تميّزاً ملحوظاً عليهما.

تجد في العاصمة العراقية بغداد أسواقاً وتُجّاراً خبراء في الانتيكات، يمتهنون هذه المهنة والتجارات المتعلّقة بها، فبعد أن كان شارع النهر المركز الأساسي لهذه المبيعات، أصبحت ساحة الميدان واحدة من أهم المناطق لبيع الانتيكات، كما تنتشر متاجر الأنتيكات في عدة مناطق وأسواق، مثل: سوق الصفافير ومحلات بالقرب من المدرسة المستنصرية والكرادة وشارع سلمان فائق، وأُخرى موزعة في جانب الكرخ.

لم يكن لهذه التجارة أن تكسد، بعد أن عرفت عصراً ذهبياً في العقود الماضية التي سبقت الغزو الأميركي للعراق، إلا أن تردي الوضع الأمني وتراجع موسم السياح والزوار الأجانب هو من الأسباب التي أدت إلى تراجع رواج بيع الانتيكات، وهناك أيضاً عوامل عديدة أدت إلى كسادها، منها هجرة أصحاب هذه التجارة و"محترفيها"، فبعضهم غادر إلى خارج البلاد بعد اغتيال العديد منهم ودخول المستورد الأجنبي، كما أن أكثر الأبناء لم يتوارثوا الصنعة من آبائهم، وهذا ما جعلها تجارة محدودة قد لا تستمر، بالإضافة إلى غياب التعرفة الجمركية و"التقييس" والسيطرة النوعية، ما شكّل أثراً سلبياً على المتوفر في البلد، وهذا ما جعل تجارتها "تعود إلى العصر الحجري"، بسحب الممتهنين الجدد.

خبراء الأنتيكات أصبحوا أنتيكا
وبقدر ما تشكله الأنتيكات من قيمة معنوية وجمالية لدى هواة جمع القطع القديمة، إلا أنها تخضع أيضاً للعامل المادي، الذي غالباً ما يلعب دوراً مهماً في تجارتها. "العربي الجديد" التقت بائع الأنتيكات الحاج عاصم النعيمي (59 عاماً)، الذي روى قصة الأنتيكات، وقال: "لقد طرأت عوامل جديدة في بيع الأنتيكات، فيما كسى التراب بضاعتنا غير المقلّدة. فالزبائن المعتمدون لدينا إمّا هاجروا أو انتقلوا إلى مدينة أخرى غير بغداد، ولعل البعض الآخر قُتل! لم يتبقَّ إلا القليل منهم؛ وهذه القطع النادرة هي محط اهتمام الذواقين وميسوري الحال، ولا ينجذب إليها من يبحث عن الخواتم والأحجار القديمة التي يظن أنها تجلب الحظ، أو أنه حجر مبارك".

ويستكمل النعيمي مضيفاً: "نظراً لكثرة تزوير الأعمال التراثية، بات من النادر إيجاد التجار الأصليين. أصبحنا من النوادر، والأنتيكا أيضاً. وغالباً ما يجيد هؤلاء المزورون تقليد الأصلي من الأنتيكات بشكلٍ متقن، ولهذه الأعمال المقلدة تجار وزبائن لا يمكنهم التعرف على الأصلي من المقلد، خاصة الذين يبحثون عن الشكل دون القيمة، وهذا ما يرفض التعامل به أصحاب محال الأنتيكات المحترفين حفاظاً منّا على سمعة المهنة ومصداقيتها واحتراماً للزبون المتذوّق لقطع الأنتيكا".

أما عن الأسعار، فيقول النعيمي إنها متنوعة جداً وغير محددة، ترتفع أو تنخفض حسب جودة وقيمة القطعة، فأسعار بعض القطع تبدأ من ألفي دينار، بينما يصل سعر أخرى لأكثر من مليون دينار (حوالي 900 دولار)، وبعضها يباع بالدولار.

ولكن بالرغم من كل شيء، تبقى بغداد في الصدارة لمَن أراد أن يقتني قطعة قديمة، لا يمكن أن يجد شبيهة لها في مكان آخر، حتى أن عدداً من الزبائن يبحثون عن قطع ليست بالقديمة جداً، لكنها ترتبط بحقبة مفصلية في تاريخ العراق، مثل أوسمة الشجاعة، "نوط الشجاعة"، التي كان الرئيس الراحل صدام حسين يقلّدها لضباط الجيش، إضافةً إلى بعض المقتنيات لشخصيات كرؤساء وعلماء وفنانين وحتى مقتنيات تعود ليهود العراق.

للهواة متاحفهم الخاصة
يقول هاوي جمع الأنتيكات محمد فرج (68 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "برزت هوايتي باقتناء الأنتيكات بعد عام 1991. كانت هناك محال خاصة لبيعها وعندما تجذبني بعض القطع كنت أُسارع لشرائها، وفي منزلي غرفة خاصة اسمها "متحفي الصغير" وهي مليئة بالأنتيكات عددها بين 300 و360 قطعة، تختلف أسعارها بحسب القطعة، فالبعض منها تصل قيمته إلى أكثر من 500 دولار".

ويُضيف فرج: "قبل عام 2003، كان هناك مصدر واحد لتسويق الأنتيكات، موجود في شارع الرشيد والأزقة المجاورة له، ولهذه المحال زبائن محددون. ورغم حرص الدولة آنذاك، إلا أن الكثير من الهواة الجدد وقعوا ضحية نصب في مجال الأنتيكات المقلدة.

ومع مرور الوقت، ازدادت خبرتي في مجال الأنتيكات، بمجرد اطلاع بسيط عليها، أستطيع اليوم أن أميّز بين القطع الأصلية والمقلّدة". يختم قائلاً: "استفدت كثيراً من خبرة أصحاب المحال المختصين بفحص الأنتيكات، أمّا بعد 2003 فكثرت محال بيع الأنتيكات وكثر مستوردوها ونشطت تلك التجارة.

وفي خضم تلك التغييرات ضاعت قيمة الأنتيكات لأنهم تجّار وليسوا مختصين. هم لا يميزون بين الأنتيكا وغيرها. وقد شهد باب الشرقي افتتاح الكثير من المحال التي تبيع القطع المستعملة كسوق "البالة"، من الأجهزة أو الصحون. هم يوهمون المشتري ويحاولون إقناعه بأنها قطعٌ قيّمة وأنتيكات، ولهذه الأسباب قلّ عدد المهتمين بجمع تلك القطع واقتنائها".


اقرأ أيضا:
أميركا تعيد قطعاً أثرية مسروقة إلى مصر
متحف الأردن يروي قصة تواجد الإنسان منذ القدم
تجار التحف الفنية يتصدون لعمليات نهب الآثار وتسويقها
أطلال نمرود.. تحطيم الذاكرة بإزميل التخلف
دلالات
المساهمون