الأمن المفقود في سورية: فوضى حمص وحماة برعاية أمن النظام (8/10)

31 ديسمبر 2018
جندي روسي في حمص (أندري بورودولين/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الوجود الكثيف لقوات النظام وأجهزته الأمنية في مناطق وسط سورية، تحديداً في محافظتي حمص وحماة، إلا أن هذه المناطق ما زالت تعاني أشكالاً عدة من الفوضى الأمنية التي تشمل حالات القتل والخطف ومختلف التجاوزات، التي يرتكبها مجهولون أو قوات النظام وأجهزته الأمنية والمليشيات التابعة له، التي كثيراً ما تختلف في ما بينها حول "الغنائم"، ما يتسبب في وقوع قتلى بين أفرادها والمدنيين.


وخلال الأشهر الماضية، وقعت حوادث عدة في هذا الإطار، أبرزها مقتل وجرح عناصر من مليشيات "الدفاع الوطني" التابعة لقوات النظام السوري، باشتباكات بين مجموعتين منها في مدينة مصياف غرب مدينة حماة، وذلك على خلفية مشاجرة بين عنصرين، فاستقدام كل منهما أصدقاءه، ما أدى إلى مواجهات أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر وجرح عشرة آخرين. ونقل الناشط محمود مرعي، عن شهود عيان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" تفاصيل الحادثة بالقول: "حين عمد أحد عناصر المليشيات إلى إطلاق النار في الهواء، حاول عنصر من مليشيا أخرى منعه، فتطور الخلاف فاستدعى كل منهما زملاءه لمساندته".

وبحسب مرعي، فإن "سماع إطلاق الرصاص بشكل يومي بات أمراً اعتيادياً لدى الأهالي، سواء للتعبير عن الفرح أم الحزن أو أية مناسبة، نظراً لانتشار السلاح بين عناصر المليشيات، على الرغم من صدور قرارات سابقة بحلّ بعضها. كما يشارك الشبان المتطوعون في الأجهزة الأمنية بهذه العمليات، علماً أن هناك تعليمات صادرة بتجنّب إطلاق النار من جانب أجهزة النظام واللجنة الأمنية في المحافظة؛ فإطلاق النار العشوائي في مدينة حماة تسبب منذ مطلع العام في سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً وعشرات الجرحى".

وأضاف أن "عناصر تابعين للنظام ومليشياته، يتجولون أحياناً بدراجاتهم النارية في الأحياء السكنية بالمدينة، ويطلقون الرصاص بشكل عشوائي بهدف ترويع الأهالي، بالتزامن مع انتشار ظواهر القتل والسرقة والخطف والابتزاز من قبل عناصر المليشيات بهدف سلب أموال الأهالي وبث الخوف بينهم".



وأشار إلى أن "مجموعة قامت بخطف امرأة وطفلها في شارع أبي الفداء، واقتادتهم إلى جهة مجهولة واشترطت لإخلاء سبيلهم دفع 15 مليون ليرة سورية (29 ألف دولار)، وإلا ستتم تصفيتهم في حال عدم دفع المبلغ كاملاً. كما قامت مجموعة أخرى بخطف شابَين من مدينة حماة مع سيارتَيهما، على طريق اللاذقية - حماة، واقتادتهم إلى جهة مجهولة لتفرج عنهم بعد دفع مبلغ مالي كبير وصل إلى عشرة ملايين ليرة سورية (19400 دولار) عن كل شخص. كما قام مجهولون باختطاف سائقِ سيارة تعود لشركة زنوبيا للسراميك، بالقرب من قرية السويدة غرب حماة، في حين فُقد شابٌ في المنطقة ذاتها، من دون معرفة مصيره، وسط معلومات عن مجموعة تنشط في تلك المنطقة، مهمتها الخطف، ومفاوضة أقرباء المخطوفين لإطلاق سراحهم مقابل فدية". وأوضح مرعي أن "عدداً من حالات الخطف يكون على مرأى من الناس، بسبب غياب المحاسبة الجادة من جانب النظام على ارتكابات الشبيحة وعناصر المليشيات".

وكانت روسيا سعت إلى حلّ مليشيات النظام المختلفة (باستثناء مليشيا النمر) في ريف حماة، وفي مقدمتها مجموعات أحمد الدرويش، العاملة في ريف حماة الشرقي، ومليشيا علي الشلّة، العاملة في ريف حماة الغربي، ومليشيا طلال الدقاق، في مدينة حماة، إضافة إلى مجموعات "درع الأمن العسكري" في ريفي حماة وحمص. وجميعها يتبع المخابرات الجوية في حماة، بينما تتبع مليشيا حسن النعيمي، من قرية الجاجية جنوب شرقي حماة، لـ"أمن الدولة". وتُقدّر أعداد المتطوعين في هذه المليشيات في حماة بحوالي 6000 عنصر.

وعلى الرغم من قرار الحل، فإن ضباط النظام الأمنيين ما زالوا يؤمّنون الغطاء الأمني والحماية لعناصر مليشياتهم، مع مواصلة العناصر المنحلّة ممارسة أعمال السلب والنهب والخطف بحق سكان مدينة حماة وريفها. ويقول ناشطون إن "قرار الحل حول تلك العناصر من مليشيات وعصابات قتل وسرقة منظمة إلى عصابات غير منظّمة، كما كانوا عليه قبل تطويعهم، وغالبيتهم من خرّيجي السجون بتهم جنائية كالسرقة وتجارة المخدرات وغيرهما".

وأحصى الناشط أحمد العمر الذي يقوم بتوثيق الانتهاكات في حماة، على صفحته في "فيسبوك" أكثر من عشر حالات خطف لأطفال حصلت في المدينة أخيراً مثلاً في غرب المشتل والقصور، فيما سُجّل ما يزيد عن 15 حالة سرقة للمنازل في أحياء الأندلس والصابونية والشريعة التي تُعدّ من الأحياء الغنية في حماة. وأوضح أن "هؤلاء العناصر ورغم سحب بطاقاتهم الأمنية، إلّا أن علاقاتهم الأمنية مع ضباط أفرع المخابرات الجوية والعسكرية ما زالت قائمة وما زالوا يحتمون بها عند اللزوم". ولا يختلف الأمر في محافظة حمص إلى الجنوب من حماة، والتي باتت كلها منذ إجلاء مقاتلي المعارضة من ريفها الشمالي في مايو/أيار الماضي، تحت سيطرة النظام.



ولم تلتزم قوات النظام السوري وأجهزته الأمنية، بالتعهّدات التي قطعها الجانب الروسي لأهالي المناطق وفصائلها، الذين أبرموا معها اتفاقيات "تسوية" بعدم التعرض لهم، والاكتفاء بسوق المطلوبين منهم للخدمة العسكرية بعد ستة أشهر، على أن يخدموا في مناطقهم، حيث تتواصل الاعتقالات في مناطق "التسويات" بريف حمص الشمالي. كما تمّ اعتقال 18 شخصاً أخيراً في مدينة الرستن، كانوا يعملون سابقاً ضمن فرق الدفاع المدني، إضافة إلى اعتقال منشقين عن قوات النظام وشخصيات المصالحة، الذين كان لهم الدور الأبرز في إعادة سلطة قوات النظام إلى المنطقة، فيما رفض النظام السوري تسوية أوضاع 400 شخص في ريف حمص الشمالي، بعد توجيه تهم لهم بالانتماء لفصائل عسكرية، ما يعني وضعهم تحت طائلة الاعتقال أو التصفية في كل لحظة.

وتنتشر في أوساط مناطق "التسوية" التي كانت خاضعة لفصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي أجواء من الخوف والترقب، حيث تنشط الأجهزة الأمنية والمخبرون التابعون لها، وتروّج الشائعات عن امتلاك النظام تقنيات تسمح له بالتجسس على المكالمات التي تتم بين أبناء تلك المناطق وأقاربهم وأهاليهم الذين هاجروا إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، بينما يلتزم من بقي من نشطاء المعارضة المحليين الصمت خشية الاعتقال.
وقد وثّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" نحو 700 حالة اعتقال تعسفي في سورية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، معظمها لأشخاص أجروا اتفاقيات "تسوية" مع النظام، منهم 28 شخصاً في حماة و23 في حمص. ويترافق ذلك مع فوضى أمنية تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، في إطار سياستها لترويع الأهالي ومعاقبة ما تعتبره الحاضنة الشعبية للمعارضة السابقة، أو في إطار الإهمال المتعمد لضبط الأمن في تلك المناطق.

كما قتل مجهولون رجلاً وزوجته تحت التعذيب في قرية دير فول قرب مدينة الرستن شمال مدينة حمص، الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري. ووجد أقارب الزوجين، اللذين يتحدران من مدينة الرستن، الشخصين مقتولين في منزلهما بالقرية وعلى جسديهما آثار تعذيب واضحة، مع غياب آثار طعن أو إطلاق رصاص. وقال أحد النشطاء لـ"العربي الجديد"، إن "ضابط الأمن المعين أخيراً في منطقة الحلة، المدعو أبو قسورة، عمل على مصادرة الكثير من المحلات التجارية في مدينة تلدو، ويُعلم التجار أن البضاعة في المحل مُصادرة من قبله، وأي نقص فيها قد يعرّضهم للاعتقال والمحاسبة، وعندما يريد نقل أي بضاعة يرغم أصحاب المحلات على إحضار سيارة لنقل المواد التي يطلبها إلى المكان الذي يريده تحت التهديد".

وأوضح الناشط أن "الانتهاكات في منطقتَي الرستن وتلبيسة أقل من الحولة بسبب تعاون جيش التوحيد، الذي كان سابقاً في صفوف المعارضة، بشكل مباشر مع الشرطة العسكرية الروسية بالنسبة إلى منطقة تلبيسة"، مشيراً إلى أن "منطقة الرستن تقع تحت وصاية ضباط وعسكريين متنفذين ضمن جيش النظام".

ولفت إلى "تفشي ظاهرة المخبرين، الذين يعملون لصالح قوات النظام وأجهزته الأمنية، الذين يقومون بالتبليغ عن بعض الأشخاص ممن أجروا تسويات مع النظام بحجج جنائية أو سرقة أملاك عامة أو خاصة، في حين يغض الطرف الروسي النظر عن هذه التجاوزات". ولفت ناشطون إلى أن "النظام يعيد إنتاج أساليبه القديمة التي اعتمدها في الثمانينات، لتشييد حاجز الخوف، عبر تنشيط ظاهرة المخبرين الذين يكتبون تقارير لجهات أمنية عن نشاطات (مشبوهة) في أوساط السكان المحليين، ما يشيع أجواء من الخوف والقلق بين السكان".

وكان رئيس النظام بشار الأسد قال، خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب "البعث" قبل فترة، إنه "مقبل على معركة إعادة تأهيل بعض الشرائح التي كانت في حاضنة الفوضى والإرهاب، حتى لا تكون هذه الشرائح ثغرة يتم استهداف سورية في المستقبل من خلالها".


المساهمون