09 نوفمبر 2024
الأردن وجدل التطرّف
أعادت الحادثتان الإرهابيتان في مدينتي الفحيص والسلط الأردنيتين، في شهر أغسطس/ آب الجاري، الجدل بشأن كيفية "تجفيف منابع التطرف"، إلى الواجهة، في مجتمعٍ لم يعرف تنظيماتٍ داخليةً متطرّفة تنتسب إلى الدين، على مدار عقود طويلة، لكنه عرف التحاق نفرٍ من أبنائه بمثل تلك التنظيمات خارج الحدود، أو انتماءهم إلى "خلايا" في الداخل تعتنق ذلك الفكر، أو تدين بالولاء لتنظيمات خارجية من ذلك النوع، وهو ما أدّى، بين فترة وأخرى، إلى وقوع أحداث إرهابية، ذات تأثير محدود، ويجري القضاء عليها سريعاً.
في هذا السياق، ظهرت آراء، بعد الحادثة، تنسب المشكلة إلى ما يجري تلقينه للصغار في مؤسسات دينية، مثل مراكز تحفيظ القرآن، فيما ردّت آراء أخرى أن المشكلة إنما هي في كيفية فهم الدين وتفسيره. وقالت آراء أخرى إن الأمر يتداخل بالفقر والفساد الذي يشيع الحديث عنه اليوم في البلاد، خصوصا منذ نجاح الاحتجاجات الشعبية السلمية في شهر يونيو/ حزيران الفائت في الدفع إلى إقالة حكومة رئيس الوزراء السابق، هاني الملقي، على خلفية نيّتها إقرار قانون جديد لضريبة الدخل، وتعيين حكومة جديدة برئاسة الشخصية ذات الشعبية الواسعة؛ عمر الرزاز.
وما يلفت الانتباه في التعامل العام مع مسألة التطرّف أنه تغلب عليها المعالجات الدينية، بمعنى أنها تتمحور حول الرد على استعمال المتطرّفين دين الإسلام شعاراً وحجة لتبرير أفعالهم.
ربما يجب الانتباه هنا إلى أن التنظيمات المتطرّفة التي نسبت نفسها إلى الإسلام لم تكن، منذ ظهورها المبكر في سبعينيات القرن العشرين، تدافع عن "الدين"، وصحة تطبيقه بالدرجة
الأولى، بقدر ما تستند إلى الدين، من أجل تحقيق هدف دنيوي، طال انتظاره من العرب والمسلمين، منذ أحلام نهضتهم الأولى في بدايات القرن التاسع عشر. كانت هذه التنظيمات، بكلمات أخرى، تدّعي أنها تستند إلى الدين، كي تستجلب لهذه الأمة، المهزومة عسكرياً وحضارياً، نصراً من الله؛ فليس ممكناً استعادة مكانتنا الحضارية، وقد سبقنا الغرب بمسافات فلكية، إلا بأن ينصرنا الله، ويقف معنا. هكذا، فإن ما قالته تلك التنظيمات بتكثيفٍ شديد: تعالوا ننصر الله كي ينصرنا الله! أما كيف ننصر الله، فباستحضار ما يتخيّلونه عن التاريخ والماضي الذي كان فيه المسلمون أعزّاء منتصرين.
هذا معناه أن التركيز على أن أفعال تلك التنظيمات "ليست من الإسلام"، كما يقول الرد التقليدي عادة، ليس مفيداً، لأنه ليس جوهر القصة. الرد المفيد هو الذي يقول إن تلك الأفعال لن تساعد في نهضة الأمة ورفعتها، بل ستدفعها إلى مزيد من التأخر والتخلف. هكذا، يكون المجال الحقيقي لمكافحة الفكر المتطرّف، ليس الخطاب الديني الذي لا يضرب عميقاً في جوهر المشكلة ودوافعها، بل الخطاب الفكري الذي يحدّث الناس عن النهضة ومتطلباتها وشروطها، فقد كسب ذلك الخطاب الإرهابي المتطرّف ما كسبه من مساحاتٍ في ثقافتنا العربية المعاصرة، خلال السنوات الأربعين الفائتة، لأنه كان يحدّث الناس عن الانتصار، ويذكّرهم بأمجاد التاريخ، فيما يردّ الخطاب الديني بحديثٍ عن الجنّة والنار والثواب والعقاب، وبكلٍّ غيبيٍّ لا علاقة له بجوهر القضية التي تطرحها تلك التنظيمات المتطرّفة.
الدول العربية الأخرى التي حاربت، في ما مضى، تلك التنظيمات المتطرّفة بخطاب ديني تقليدي، ابتداءً من مصر التي ظهرت منها تنظيمات سمّاها الإعلام يومها "التكفير والهجرة"، مروراً بـ"القاعدة" ووصولاً إلى "داعش"، لم تعالج الأمر من زاوية الأزمة الحضارية التي يعيشها العرب، فلم تُحسن الردّ على تلك التنظيمات. هكذا لم تفضِ تجارب مختلف الدول العربية في معالجة هذه المشكلة معالجةً دينيةً، على مدار أربعين سنة، إلى محاصرة التنظيمات المتطرّفة وتجفيف أفكارها.
والحال أن الاكتفاء اليوم بالرد على التطرّف بخطابٍ عن سماحة الإسلام واعتداله، إنما هو ردّ، في مساحة أخرى، غير التي يدور فيها الخلاف مع التطرّف، وغير التي يجب أن تدور فيها الحرب الفكرية معه. استعمال تلك التنظيمات الإسلام مبرراً لتصرفاتها لا يعني أن المعركة معها صارت دينيةً، كما أن المعالجة الدينية المجرّدة ستظل غير مفيدة، لأن الدين بذاته ليس جوهر المسألة.
في هذا السياق، ظهرت آراء، بعد الحادثة، تنسب المشكلة إلى ما يجري تلقينه للصغار في مؤسسات دينية، مثل مراكز تحفيظ القرآن، فيما ردّت آراء أخرى أن المشكلة إنما هي في كيفية فهم الدين وتفسيره. وقالت آراء أخرى إن الأمر يتداخل بالفقر والفساد الذي يشيع الحديث عنه اليوم في البلاد، خصوصا منذ نجاح الاحتجاجات الشعبية السلمية في شهر يونيو/ حزيران الفائت في الدفع إلى إقالة حكومة رئيس الوزراء السابق، هاني الملقي، على خلفية نيّتها إقرار قانون جديد لضريبة الدخل، وتعيين حكومة جديدة برئاسة الشخصية ذات الشعبية الواسعة؛ عمر الرزاز.
وما يلفت الانتباه في التعامل العام مع مسألة التطرّف أنه تغلب عليها المعالجات الدينية، بمعنى أنها تتمحور حول الرد على استعمال المتطرّفين دين الإسلام شعاراً وحجة لتبرير أفعالهم.
ربما يجب الانتباه هنا إلى أن التنظيمات المتطرّفة التي نسبت نفسها إلى الإسلام لم تكن، منذ ظهورها المبكر في سبعينيات القرن العشرين، تدافع عن "الدين"، وصحة تطبيقه بالدرجة
هذا معناه أن التركيز على أن أفعال تلك التنظيمات "ليست من الإسلام"، كما يقول الرد التقليدي عادة، ليس مفيداً، لأنه ليس جوهر القصة. الرد المفيد هو الذي يقول إن تلك الأفعال لن تساعد في نهضة الأمة ورفعتها، بل ستدفعها إلى مزيد من التأخر والتخلف. هكذا، يكون المجال الحقيقي لمكافحة الفكر المتطرّف، ليس الخطاب الديني الذي لا يضرب عميقاً في جوهر المشكلة ودوافعها، بل الخطاب الفكري الذي يحدّث الناس عن النهضة ومتطلباتها وشروطها، فقد كسب ذلك الخطاب الإرهابي المتطرّف ما كسبه من مساحاتٍ في ثقافتنا العربية المعاصرة، خلال السنوات الأربعين الفائتة، لأنه كان يحدّث الناس عن الانتصار، ويذكّرهم بأمجاد التاريخ، فيما يردّ الخطاب الديني بحديثٍ عن الجنّة والنار والثواب والعقاب، وبكلٍّ غيبيٍّ لا علاقة له بجوهر القضية التي تطرحها تلك التنظيمات المتطرّفة.
الدول العربية الأخرى التي حاربت، في ما مضى، تلك التنظيمات المتطرّفة بخطاب ديني تقليدي، ابتداءً من مصر التي ظهرت منها تنظيمات سمّاها الإعلام يومها "التكفير والهجرة"، مروراً بـ"القاعدة" ووصولاً إلى "داعش"، لم تعالج الأمر من زاوية الأزمة الحضارية التي يعيشها العرب، فلم تُحسن الردّ على تلك التنظيمات. هكذا لم تفضِ تجارب مختلف الدول العربية في معالجة هذه المشكلة معالجةً دينيةً، على مدار أربعين سنة، إلى محاصرة التنظيمات المتطرّفة وتجفيف أفكارها.
والحال أن الاكتفاء اليوم بالرد على التطرّف بخطابٍ عن سماحة الإسلام واعتداله، إنما هو ردّ، في مساحة أخرى، غير التي يدور فيها الخلاف مع التطرّف، وغير التي يجب أن تدور فيها الحرب الفكرية معه. استعمال تلك التنظيمات الإسلام مبرراً لتصرفاتها لا يعني أن المعركة معها صارت دينيةً، كما أن المعالجة الدينية المجرّدة ستظل غير مفيدة، لأن الدين بذاته ليس جوهر المسألة.