اتصل بي صحافيون ووسائل إعلام لأعلق على الإعلان الثلاثي عن الوصول، بوساطة أميركية، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بالكامل بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وهو الخبر الذي طلع على الناس يوم الرابع عشر من شهر أغسطس/ آب الحالي، ليشكل مفاجأة من العيار الثقيل. ولكنني رفضت أن أعلق حتى أفهم الموضوع أكثر.
تفاوتت التحليلات السياسية الكثيرة بين الرضا من أطراف قريبة العلاقة مع دولة الإمارات، ومنتهى النقد من دول ليست قريبة، بل مناوئة لها. ولكن ردود فعل الجانب الفلسطيني تميزت بالغضب من الرئيس محمود عباس، والنقد اللاذع من قيادة حركة حماس، والصمت الرسمي السعودي إلا من بعض الإعلاميين، وبيان لوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، يشي بعدم الرضا من دون أن يشير، ولو بكلمة، إلى الاتفاق أو أي من أطرافه، بل وأعاد التذكير بثوابت الأردن لإرساء السلام.
ولعل تأجيل إسرائيل تنفيذ قرارها ضم أراض فلسطينية، وليس تجميده أو إلغاءه، كما فهمنا من كل من رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وسفير الولايات المتحدة في دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، هو الأمر الإيجابي الوحيد الذي انطوى عليه كل هذا الحدث. وقد يفسر بعضهم هذا التأجيل بأنه قطعة السكر التي تغلف حبّة الدواء المرّة.
تجميد القرار لا يكفي، بل لا بد أن تقوم الدول ذات التأثير على إسرائيل بالضغط عليها لكي تقبل بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الجانب الفلسطيني على أساس حل الدولتين مقابل شرطين أساسيين: جعل المبادرة العربية المرجع للتفاوض. والامتناع عن اتخاذ أي قرار أحادي يسيء لأطراف التفاوض المباشرين وغير المباشرين. وهذا أضعف الإيمان.
أما الأمر الذي يجب أن يُسًوّى بين دولة الامارات ودولة فلسطين فهو ضرورة الحفاظ على الوضع السياسي والبنية السياسية الفلسطينية، إلى أن تتاح الفرصة أمام الشعب الفلسطيني لإجراء انتخاباتٍ نزيهة، يختار بموجبها قيادته وممثليه.
قمة خليجية عاجلة
وبمعنى آخر، لا يجوز الآن إقحام أي جهةٍ محسوبةٍ على دولة الإمارات أو ضدها، إما لتتبوأ دوراً أو لتخسر دوراً بسبب تنامي تأثير دولة الإمارات في الأوساط الإسرائيلية والأميركية. وكذلك لا بد من أن يجري ترتيب فوري لقمة خليجية بحضور الأردن وفلسطين ومصر، من أجل الاتفاق على الأسس التي يجري عليها التطبيع في المستقبل، من أجل الدفع بالمبادرة العربية لتكون أساس التفاوض.
وبدون هذه الخطوات، سيبقى التطبيع الذي أعلن عنه محدود الأثر، ويفتح الباب على مصراعيه للضغط على الأردن اقتصادياً وسياسياً، من أجل أن يغير موقفه الثابت حيال الحل السلمي القائم على وجود دولتين متجاورتين، إحداهما دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على أراضي الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967. وبدون ذلك، سيواجه الأردن ضغوطاً كبيرة، خصوصا إذا حاصرت إسرائيل والولايات المتحدة السلطة الفلسطينية ونجحتا في فَرْط منظومتها.
ومن ناحية أخرى، على الرئيس الفلسطيني أن يبدأ بالتحرّك مع كل الجهات ذات العلاقة، بغض النظر عن مواقفهم السلبية والعدوانية تجاه فلسطين، واتجاهه هو شخصياً، فالأمور ليست راكدة. ولو كُنت مكانه، لطلبت أن أسافر إلى واشنطن، واللقاء بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، والالتقاء مع أعضاء الكونغرس الأميركي لأقنعهم بوجهة النظر أن الحل العادل للقضية الفلسطينية هو الأفضل للولايات المتحدة نفسها.
وعليه كذلك الالتقاء بالجاليات اليهودية هناك، خصوصا الرافضة للضم ولحل الدولة الواحدة.
وأعتقد أنه إذا طلب مساعدة ملك الأردن، عبدالله الثاني بن الحسين، في هذا المسعى، فسيجد الترحيب الكبير لهذه الخطوة. وأرى أن من الضروري بعد ذلك أن يزور الرئيس الفلسطيني روسيا ودولا أوروبية أخرى، وأن يلتقي قيادات عالمية في الصين وغيرها.
مأزق الأردن والسلطة الفلسطينية
في حالة حقق نتنياهو مآربه بالحصول على تطبيع مع دول عربية أخرى خليجية، مثل مملكة البحرين أو السودان، فإن الأردن والسلطة الفلسطينية سيواجهان ضغوطاً متزايدة، من أجل القبول بوقائع على الأرض تتعاكس مع مصالحهما الاستراتيجية وتضرّ بها. وأستبعد، في هذا السياق، أن تطبع السعودية قريباً كما تقول صحف ووسائل إعلام ومواقع إخبارية، بل تفضّل السعودية أن تتروّى، وأن ترى الذي سيقدّم لها حيال إيران، وتقليم نفوذها في المنطقة.
أما سلطنة عُمان التي تتمتع بعلاقات حسن جوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلا أرى من صالحها أن تكون ضمن الوجبة التالية من المطبّعين مع إسرائيل، ولا أعتقد أن هذا الأمر يخدم مصالحها الاستراتيجية على المدى المنظور.
صحيح أن الأردن ربما يتأثر سلباً بما جرى، ولكن ليس من الزاوية التي يتناولها بعض المحللين، من أنه سيفقد دور الوسيط بين دول الخليج وإسرائيل. مثل هذا التحليل ضعيف في فهم الحقائق، لأن بعض دول الخليج، ومنذ عام 2003 على الأقل وهي تتواصل، بشكل مباشر وغير مباشر، مع إسرائيل ومؤسساتها، ولكن أهمية الأردن تكمن في موقعه الاستراتيجي.
وفي حالة التوتر والحروب، يشكل الأردن فاصلاً. وفي حالة السلام والتعاون الإقليمي، يشكل الأردن حلقة وصل بين الخليج وبلاد الشام والعراق، وخصوصا في مجالات التواصل السكاني، والترتيبات الأمنية، والنقل البري، بالسيارات أو بالشاحنات أو بالقطارات مستقبلاً.
وللأردن أهمية استراتيجية اقتصادية في مجالات أخرى كالزراعة والتصنيع الزراعي، والطب والعلاج والأدوية والتدريب على المهن الطبية، وفي مجال الدراسات الاستراتيجية الأمنية والترتيبات الناشئة عنها.
يدرك الأردن أهميته، ويبني مواقفه على ذلك. ولكنه ليس بحاجة إلى ضغوط تأتيه من أطراف تجمعه بها علاقات جيدة، من أجل أن يحوزوا على خمس عشرة دقيقة من الشهرة والأضواء. الأردن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، فلسطينياً وعربياً وإقليمياً ودولياً.