10 نوفمبر 2024
الأردن والأزمة الخليجية
انتظر "مطبخ القرار" في عمّان أياما عدة، قبل أن يقرّر أن يتخذ قراراً بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر، ما كان يعني مغادرة السفير القطري البلاد، وسحب رخصة مكتب قناة الجزيرة في الأردن، من دون الوصول إلى مرحلة "قطع العلاقات الدبلوماسية" مع قطر، كما فعلت دول تبعت القرار الإماراتي- السعودي.
يمكن أن يمثل القرار الأردني، وقد أطلقت عليه بعض دوائر القرار في عمّان مصطلح "الحدّ الأدنى"، أن يمثّل حلّاً وسطاً بين مطالب الإمارات والسعودية من جهة وعدم "قطع شعرة معاوية" مع قطر من جهةٍ أخرى، وهو يعكس، أيضاً، اختلاف الأردن مع طريقة حلفائه (السعوديين والإماراتيين) في إدارة الخلافات والأزمات الإقليمية.
يمكن تلخيص الاعتبارات وراء القرار الأردني بعبارةٍ واحدةٍ يردّدها المسؤولون، وتتمثّل بـ"حماية المصالح الوطنية" الأردنية، وهي مصالح تمّ التفكير فيها على النحو التالي: هنالك أكثر من 600 ألف أردني في الإمارات والسعودية، يعملون هناك، بينما في قطر 48 ألف أردني فقط.
السعودية هي المتنفّس الوحيد المتبقي للأردن، برّيّاً، مع الأوضاع المتدهورة في كل من العراق وسورية، وإذا تأزّمت العلاقات بين الدولتين، على خلفية الخلاف مع قطر، فإنّ إغلاق الحدود بأيّ صيغةٍ كان يعني أنّ "الأردن محاصر" بريّاً، عملياً، ما يؤدي إلى مضاعفة حجم الخسائر الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة القاسية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني.
فوق هذا وذاك، هنالك استثمارات إماراتية هائلة، واستثمارات سعودية، ومشروعات أخرى على الطريق، من المفترض أن يتم التفكير فيها عبر صندوق الاستثمار المشترك الأردني- السعودي، جميعاً ستتضرّر في حال توترت العلاقة مع الدولتين.
يضاف إلى تلك الاعتبارات ما أشار إليه صاحب هذه السطور سابقاً (مقال "الأردن والسعودية.. سوء تفاهم"، في "العربي الجديد") عن وجود حالةٍ من الضبابية والاختلافات غير المعلنة في العلاقات الأردنية- السعودية، سواء في تعريف العلاقة بين الدولتين أو في منظورهما إلى إدارة الأزمات الإقليمية، فأيّ موقف أردني مغاير لموقف السعودية سيعزّز من هذه الضبابية، ويقوي الحجج التي تشكّك، في أوساط الحكم السعودي، بمتانة العلاقة بين الدولتين.
على الرغم من أنّ العلاقات الأردنية- القطرية اتسمت، منذ أكثر من عقد، بالتشاحن في أحيان كثيرة، والتوتر في أحيانٍ أخرى، ووصلت إلى حدود الأزمة في بعض الأحيان، وما تزال الشكوك وعدم الوضوح التعبير الأكثر تعريفاً للحالة الراهنة، بينما كانت علاقته مع الإمارات غالباً دافئة، وكذلك الحال مع السعودية (في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز، أي إلى قبل عامين تقريباً)؛ إلاّ أنّ الأردن لم يقطع العلاقات مع قطر، ولم يحدث أن أغلق مكتب الجزيرة إلا مرة، عندما تجاوزت بعض البرامج إلى الإساءة الشديدة للملك الراحل الحسين بن طلال، ودور الأردن.
لذلك، كانت مفارقة كبيرة اتخاذ قرار أردني على قاعدة أزمة علاقات بين "دول خليجية". فالأردن كان يفضّل النظر إلى الأزمة الراهنة على أنّها "داخل البيت الخليجي"، وألا يتدخّل فيها أولاً. أمّا ثانياً فهناك شعور بالانزعاج الشديد في أوساط النخبة السياسية عموماً في عمّان، لأسلوب إدارة كل من السعودية والإمارات علاقتهما مع الأردن، والضغط عليه في كل أزمة لاتخاذ مواقف قد لا تتفق مع منظور عمّان إلى إدارة الأزمات.
ربما ذلك يذكّرنا بموقف الأردني بعد إحراق السفارة السعودية في طهران، في بداية العام الماضي، ثم موجة سحب الدول المتحالفة مع الرياض السفراء وإغلاقها سفاراتها في طهران، بينما تأخر القرار الأردني أشهرا عدة، ثم قرّرت الحكومة سحب السفير بعد زيارة من ولي ولي العهد السعودي إلى عمان، تبين خلالها وجود عتب سعودي شديد على الأردن، وشعور بعدم وقوفه مع السعودية في تلك الظروف، ولم يخلُ الأمر من مقالاتٍ لكتاب بارزين سعوديين (في صحف عربية) يوجّهون كلاماً قاسياً للأردن! على الرغم من أنّ العلاقات الأردنية - الإيرانية باستمرار متوترة ومكدرة، بمعنى أنّ لدى الأردن منظورا مختلفا في كيفية إدارة موقفه في الأزمات الإقليمية.
جملة القول إنّ السياسات الأردنية تمرّ بمرحلة "عدم يقين" وشكوك في كيفية إدارة العلاقة مع الحلفاء الخليجيين، وفي مآلات الأزمة الراهنة في الخليج، وتشعر بأنّ هنالك ضبابا كثيفا يحجب الرؤية على الحدود الجنوبية والطرق الواصلة عمّان بالخليج.
يمكن أن يمثل القرار الأردني، وقد أطلقت عليه بعض دوائر القرار في عمّان مصطلح "الحدّ الأدنى"، أن يمثّل حلّاً وسطاً بين مطالب الإمارات والسعودية من جهة وعدم "قطع شعرة معاوية" مع قطر من جهةٍ أخرى، وهو يعكس، أيضاً، اختلاف الأردن مع طريقة حلفائه (السعوديين والإماراتيين) في إدارة الخلافات والأزمات الإقليمية.
يمكن تلخيص الاعتبارات وراء القرار الأردني بعبارةٍ واحدةٍ يردّدها المسؤولون، وتتمثّل بـ"حماية المصالح الوطنية" الأردنية، وهي مصالح تمّ التفكير فيها على النحو التالي: هنالك أكثر من 600 ألف أردني في الإمارات والسعودية، يعملون هناك، بينما في قطر 48 ألف أردني فقط.
السعودية هي المتنفّس الوحيد المتبقي للأردن، برّيّاً، مع الأوضاع المتدهورة في كل من العراق وسورية، وإذا تأزّمت العلاقات بين الدولتين، على خلفية الخلاف مع قطر، فإنّ إغلاق الحدود بأيّ صيغةٍ كان يعني أنّ "الأردن محاصر" بريّاً، عملياً، ما يؤدي إلى مضاعفة حجم الخسائر الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة القاسية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني.
فوق هذا وذاك، هنالك استثمارات إماراتية هائلة، واستثمارات سعودية، ومشروعات أخرى على الطريق، من المفترض أن يتم التفكير فيها عبر صندوق الاستثمار المشترك الأردني- السعودي، جميعاً ستتضرّر في حال توترت العلاقة مع الدولتين.
يضاف إلى تلك الاعتبارات ما أشار إليه صاحب هذه السطور سابقاً (مقال "الأردن والسعودية.. سوء تفاهم"، في "العربي الجديد") عن وجود حالةٍ من الضبابية والاختلافات غير المعلنة في العلاقات الأردنية- السعودية، سواء في تعريف العلاقة بين الدولتين أو في منظورهما إلى إدارة الأزمات الإقليمية، فأيّ موقف أردني مغاير لموقف السعودية سيعزّز من هذه الضبابية، ويقوي الحجج التي تشكّك، في أوساط الحكم السعودي، بمتانة العلاقة بين الدولتين.
على الرغم من أنّ العلاقات الأردنية- القطرية اتسمت، منذ أكثر من عقد، بالتشاحن في أحيان كثيرة، والتوتر في أحيانٍ أخرى، ووصلت إلى حدود الأزمة في بعض الأحيان، وما تزال الشكوك وعدم الوضوح التعبير الأكثر تعريفاً للحالة الراهنة، بينما كانت علاقته مع الإمارات غالباً دافئة، وكذلك الحال مع السعودية (في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز، أي إلى قبل عامين تقريباً)؛ إلاّ أنّ الأردن لم يقطع العلاقات مع قطر، ولم يحدث أن أغلق مكتب الجزيرة إلا مرة، عندما تجاوزت بعض البرامج إلى الإساءة الشديدة للملك الراحل الحسين بن طلال، ودور الأردن.
لذلك، كانت مفارقة كبيرة اتخاذ قرار أردني على قاعدة أزمة علاقات بين "دول خليجية". فالأردن كان يفضّل النظر إلى الأزمة الراهنة على أنّها "داخل البيت الخليجي"، وألا يتدخّل فيها أولاً. أمّا ثانياً فهناك شعور بالانزعاج الشديد في أوساط النخبة السياسية عموماً في عمّان، لأسلوب إدارة كل من السعودية والإمارات علاقتهما مع الأردن، والضغط عليه في كل أزمة لاتخاذ مواقف قد لا تتفق مع منظور عمّان إلى إدارة الأزمات.
ربما ذلك يذكّرنا بموقف الأردني بعد إحراق السفارة السعودية في طهران، في بداية العام الماضي، ثم موجة سحب الدول المتحالفة مع الرياض السفراء وإغلاقها سفاراتها في طهران، بينما تأخر القرار الأردني أشهرا عدة، ثم قرّرت الحكومة سحب السفير بعد زيارة من ولي ولي العهد السعودي إلى عمان، تبين خلالها وجود عتب سعودي شديد على الأردن، وشعور بعدم وقوفه مع السعودية في تلك الظروف، ولم يخلُ الأمر من مقالاتٍ لكتاب بارزين سعوديين (في صحف عربية) يوجّهون كلاماً قاسياً للأردن! على الرغم من أنّ العلاقات الأردنية - الإيرانية باستمرار متوترة ومكدرة، بمعنى أنّ لدى الأردن منظورا مختلفا في كيفية إدارة موقفه في الأزمات الإقليمية.
جملة القول إنّ السياسات الأردنية تمرّ بمرحلة "عدم يقين" وشكوك في كيفية إدارة العلاقة مع الحلفاء الخليجيين، وفي مآلات الأزمة الراهنة في الخليج، وتشعر بأنّ هنالك ضبابا كثيفا يحجب الرؤية على الحدود الجنوبية والطرق الواصلة عمّان بالخليج.