لا تعجز المرأة الأردنيّة عن منح جنسيّتها لزوجها الأجنبي فحسب، بل أيضاً لأولادها ثمرة زواجهما. وهؤلاء الذين لا يحصلون إلا على جنسيّة والدهم، يعانون.
عاشت الأردنيّة طليعة السعدي وهي في السبعينيات من عمرها، أكثر من أربعين عاماً وهي تأمل أن تمنح زوجها وهو من التابعيّة السوريّة، جنسيّتها. هو أمل لم يتحقّق، وانتهى بوفاة الزوج. فرأت نفسها بعد فترة وقد انخرطت في حملة "أمي أردنيّة وجنسيّتها حقّ لي"، على أمل أن تتمكّن بحسب ما تقول من منح جنسيّتها لابنها علي (33 عاماً).
وقانون الجنسيّة الأردنيّ يعطي الرجل الأردني حقّ منح جنسيّته لزوجته وأولاده، في حين يحظّر هذا الحقّ على النساء. فتنتقد السعدي هذا الإجحاف الواقع بحقّ الأردنيات وعدم المساواة. وتلخّص الأمر قائلة "لي ولدان. ابن يُدعى علي وابنة تُدعى إنصاف. علي تزوّج من أردنيّة ولم يحصل على الجنسيّة. أما إنصاف، فقد تزوّجت من أردنيّ وحصلت هي وأبناؤها على الجنسيّة".
استقرّت إنصاف في حياتها. أما علي، فما زال القلق يطارده وأولاده الثلاثة. يقول إنه لا يستطيع العيش باستقرار ويخاف أن توقفه الشرطة إذ إنه رسمياً سوريّ الجنسيّة، وأن تسأله عن تصريح العمل الذي يكفل له الإقامة في الأردن. ويوضح "لا أعرف إلا الأردن وطناً لي. لم أذهب إلى سورية في حياتي". ويلخّص معاناته قائلاً "أشعر أنني غريب في الأردن وسأكون غريباً في سورية".
يضيف لـ"العربي الجديد" أنه حصل على شهادة دبلوم في تكنولوجيا المعلومات، "لكنني لم أستطع العمل إلا بتصريح كفنّي صيانة، ساري المفعول لمدّة ستّة أشهر فقط". ويؤكد على أن أكثر ما يحرص عليه هو تجديد تصريح عمله خوفاً من ترحيله. ويشير إلى خوفه من أن يلاقي أطفاله المصير نفسه، بخاصة وأنهم يُحرَمون من العلاج في المستشفيات الحكوميّة ويُحرَمون كذلك من التعليم الرسمي.
وكان علي قد تقدّم بعشرات الطلبات أمام وزارة الداخليّة الأردنيّة للحصول على الجنسيّة. لكن طلباته كلها قوبلت بالرفض من دون شرح الأسباب ولا حتى الإشارة إليها، على الرغم من أنه يلبّي جميع الشروط.
وينصّ قانون الجنسيّة الأردنيّة على أنه "لأيّ شخص غير أردنيّ ليس فاقداً الأهليّة أن يقدّم طلباً إلى مجلس الوزراء لمنحه شهادة التجنّس بالجنسيّة الأردنيّة، ممّن تتوفّر فيه الشروط الآتية: أن يكون قد اتخذ محلّ إقامته العاديّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة لمدّة أربع سنوات قبل تاريخ طلبه، وألا يكون محكوماً عليه بأية جريمة ماسة بالشرف والأخلاق، وأن ينوي الإقامة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وأن يعرف اللغة العربيّة قراءة وكتابة، وأن يكون حسن السيرة والسمعة، وأن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عالة على المجتمع...".
وبعد الرفض المتتالي لطلباته، راح علي يحلم بالحصول على الجنسيّة من خلال إعطاء الأردنيات حقّ منح الجنسيّة لأبنائهنّ. وهو ما تطالب به حملة "أمي أردنيّة وجنسيتها حقّ لي" التي تلاقي معارضة واسعة. وتقول مؤسّسة الحملة ومنسّقتها نعمة الحباشنة إن "طليعة السعدي وبحسب إحصاءات رسميّة، هي من بين 84 ألف أردنيّة متزوّجة من غير أردنيّ وينتظرن حقّ الحصول على الجنسيّة الأردنيّة لأبنائهنّ". بالنسبة إليها، إن "عدم منح الأردنيات هذا الحقّ يمثّل مخالفة لنصّ المادة السادسة من الدستور الأردنيّ الذي ينصّ على مساواة الأردنيّين في الحقوق والواجبات".
وتوضح الحباشنة المتزوّجة من مواطن مغربيّ متوفٍّ أن "الحملة جاءت كردّ فعل على إساءة وجّهها لي أحد الموظفين عندما تقدّمت في عام 2006 بطلب للحصول على علاج مجانيّ لإحدى بناتي. فكلفة العلاج كانت مرتفعة حينها ولم أكن أملك المال الكافي لتغطيتها". تضيف "يومها قال لي ذاك الموظف بسخرية بعدما رفض الطلب لأن ابنتي لا تحمل رقماً وطنياً: لماذا تزوّجت من مغربيّ؟!". تتابع أن الموظف لم يكتفِ بذلك، فقد "ألقى الأوراق في وجهي. وحينها، أقسمت على أن أحصّل حقّي وجميع حقوق الأردنيات".
نجحت الحملة بعد نحو 54 اعتصاماً وثلاث رسائل وُجّهت إلى الملك الأردني عبد الله الثاني، بتحريك المياه الراكدة. فقد قرّرت الحكومة الأردنيّة في منتصف عام 2014 منح أبناء الأردنيات حقوقاً مدنيّة، لكنها لا ترتقي إلى حدّ منحهم الجنسيّة. وتمثّلت الحقوق المدنيّة بمنح هؤلاء حقّ الإقامة لمدّة تصل إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مع إعفائهم من رسوم الإقامة، وحقّ الحصول على العلاج في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، بالإضافة إلى حقّ الحصول على التعليم في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم، ومعاملتهم معاملة الأردنيّين في التعليم الجامعيّ، إلى جانب منحهم حقّ تملك العقارات والأراضي.
لكن الحكومة سرعان ما تراجعت عن قرارها المتعلّق بمنح الحقوق المدنيّة واستبدلته تحت مبرّر الكلفة الاقتصاديّة المترتّبة عليها، بقرار يوفّر امتيازات وتسهيلات في حالات محدّدة جداً ومع شروط تعجيزيّة. هو تراجعٌ جعل أحلام علي بالحصول على الجنسيّة تتبخّر، ودفع الحباشنة إلى اتهام الحكومة بالتآمر على قضيّة الأردنيات قائلة "لن نقبل بعد اليوم بأقلّ من حقوقنا كاملة".