06 نوفمبر 2024
الأحزاب اليمنية من الفشل الوطني إلى التبعية العسكرية
أفضل حالاً من أحزاب عربية كثيرة، استطاعت الأحزاب اليمنية، إلى حد ما، الحفاظ على كيانها السياسي، وصمدت أمام هزات سياسيةٍ كثيرة عاشتها اليمن، ولم تؤثر هذه الهزّات على بنيتها الحزبية، وحدوث انشاقاتٍ داخلية، وتفرّع أحزاب منها، وعدا عن تفريخ نظام علي عبدالله صالح بعض الأحزاب اليمنية في نهاية التسعينات، خصوصاً القومي منها، استطاعت الأحزاب اليمنية، في المجمل، حماية نفسها من التشظي، حتى مع استمرار تفسّخها الداخلي وتراجع شعبيتها الجماهيرية.
يعود نجاح قدرة الأحزاب اليمنية في الاستمرار إلى قدرتها على التكيّف مع بنية الصراع المتغيرة، لتصبح، في بعض المحطات التاريخية، جزءاً من بنية الصراع نفسه؛ كما أن تجربة بعض الأحزاب المخضرمة في السلطة، ثم في معارضة نظام صالح، مكّنتها من اكتساب آلية ذاتية في إدارة مصالحها، وتجنّب تبعات القطيعة الفعلية مع النظام. وساعدها على ذلك الضعف السياسي للمجتمع اليمني الذي، على الرغم من تشكيكه بمواقف هذه الأحزاب، خصوصاً في أثناء الثورة والمرحلة الانتقالية، لم يستطع إيجاد بديل سياسي عنها.
مثلت تجربة الحرب في اليمن منحنىً فارقاً في مسار الأحزاب اليمنية، فمع تشكّل تكتل الحرب الداخلية، الممثل بجماعة الحوثي وصالح، وتكتل الحرب الخارجية، ممثلاً بالسلطة الشرعية وقوات التحالف، وجدت أحزابٌ يمنيةٌ نفسها في إشكالية التموضع في سياق هذا الصراع، خصوصاً مع رفضها انقلاب جماعة الحوثي وصالح، وتحفظها على التدخل السعودي، كون تاريخها السياسي يكنّ عداءً للنظام السعودي، كما حال الأحزاب اليسارية والقومية. أمام مطبٍّ كهذا، وجدت هذه الأحزاب نفسها تسير في مسارين متناقضين، ففروعها في المحافظات المشتعلة، مثل مدينة تعز، تصدر بياناتٍ مندّدة بتحالف الحرب الداخلية، وتوجّه أعضاءها للقتال في الجبهات، فيما تندّد بياناتها العامة على مستوى القيادة العليا بتحالف الحرب الداخلية والخارجية، من دون أن تستطيع شق طريقٍ ثالثٍ، يدين الحرب، ويصوغ خارطة وطنية لإنهاء الصراع. في مقابل الارتباك الذي وسم أداء الأحزاب اليسارية والقومية، كانت الأحزاب الدينية، مثل حزب الإصلاح والرشاد السلفي، منسجمةً في توجهها السياسي والعسكري في الميدان، منخرطة في الحرب بصبغةٍ دينيةٍ تحت مظلة التحالف العربي.
تكشف قراءة البيانات السياسية وتصريحات عموم الأحزاب اليمنية، منذ بدء الحرب، عن المواقف القاصرة لأصحاب هذه البيانات، حيث كرست هذه المواقف استدامة الصراع وتخندقاته الطائفية والمناطقية، وهو ما يعكس أزمة هذه الأحزاب، سواء في تمثلاتها الوطنية أو في كيفية صنع القرار السياسي في دوائرها التنظيمية، إذ لم يتشكّل القرار السياسي فيها عبر ديمقراطيةٍ حزبية، بل صادر أمناء الأحزاب القرار السياسي، مستفيدين من الأوضاع التي أوجدتها الحرب، وسيلة للنجاة من التقييم والمساءلة على المستويين الوطني والحزبي.
من ناحية أخرى، لم تستوعب الأحزاب اليمنية تجربة الحرب وآثارها على النسيج الوطني، بحيث تكيّف خطابها السياسي مع المصلحة الوطنية لليمنيين، وتجمّدت خطاباتها وأدبياتها السياسية عند مرحلة ما قبل الربيع العربي، مكرّسة كل أسباب فشلها في أثناء المرحلة الانتقالية، لتأتي أكثر كارثيةً خلال الحرب، حتى أن بعض الأحزاب وظفت الحرب نفسها لتنمية قوتها الاقتصادية والعسكرية، بما يؤدي إلى تعزيز استحقاقها في السلطة مستقبلاً، وصارت مجرد أداةٍ في الصراع، ولا حضور لها كأحزاب، حتى في المفاوضات التي تمت بين الأطراف المتصارعة.
مشاركة معظم الأحزاب اليمنية في الحرب، لا كقوى سياسية بل كقوى عسكرية، يمثل تحوّلاً
خطيراً في وظيفة هذه الأحزاب، حيث اتجهت معظم الأحزاب اليمنية إلى منازعة المليشيات والتنظيمات المسلحة على الوظيفة العسكرية، والاستحواذ على التمويل والعتاد العسكريين، متحولةً بذلك من طرفٍ سياسيٍّ إلى طرف مسلح من أطراف الصراع، منحرفةً بذلك عن مسارها التاريخي ورصيدها الوطني، لتصبح المشرعن السياسي للحرب. وحتى في سياق تموضعها العسكري، عجزت الأحزاب اليمنية عن حماية أعضائها وجمهورها من استقطاب الأطراف الاخرى. علاوةً على الأوضاع الكارثية التي أفرزتها الحرب، على جميع المستويات، أثرت الحرب على الأدوار التي كان يمكن أن تنهض بها الأحزاب اليمنية، سواء في وقف حدة الحرب أو في رسم خارطة مستقبلية لليمن، وجاء انجراف الأحزاب إلى الحرب بمستوياتٍ مختلفةٍ مؤجّجاً للحرب، ومخيباً لآمال اليمنيين.
يؤكد قصور الأداء السياسي لمعظم الأحزاب اليمنية، على اختلاف أيدولوجياتها، عدم امتلاكها مشروعاً وطنياً، كما أن الازدواج الوظيفي، ما بين الوظيفة السياسية للحزب والمليشيا، وكذلك عدم ممارستها الشفافية حيال أعضائها في تفسير تموضعاتها السياسية والعسكرية، والآثار المترتبة على بنيتها الحزبية، وعلى مستقبلها السياسي، جعلها موضعاً للاستقطاب السياسي أو التفريخ، مثل تعرّض الحزب الاشتراكي اليمني لمحاولة اختراقٍ قامت بها جماعة الحوثي، عبر استقطاب بعض القيادات الحزبية، وعقد مؤتمر عام للحزب، تحت مسمى اشتراكيون ضد العدوان؛ كما شهد التنظيم الناصري صراعاً داخلياً حادّاً على خلفية الموقف من النظام السعودي. وفي تطور آخر، ترشح معلومات عن سعي بعض المنتمين لحزب التجمع اليمني للإصلاح في المحافظات الجنوبية إلى تشكيل حزب الإصلاح الجنوبي، كحزب ديني ينادي باستقلال الجنوب.
لا تدرك الأحزاب أن الحرب التي تعيشها اليمن، وما أفرزته من تموضعاتٍ سياسيةٍ ومناطقية وطائفية، إضافة إلى الأبعاد الاجتماعية لتلك التحيّزات، لن تكون كالهزات السياسية التي نجت منها هذه الأحزاب سابقاً، حيث ستؤدي الحرب، على المدى البعيد، إلى ضرب بنية هذه الأحزاب في الصميم، إضافةً إلى المتغيرات السياسية التي ستفرزها الحرب، وتأثيرها على الخارطة السياسية، وكل هذه التأثيرات قد تؤدي إلى انقسام هذه الأحزاب سياسياً أو جغرافياً، وإلى تحجيمها سياسياً، ولن تكون أحزاب ما بعد الحرب هي نفسها أحزاب ما قبل الحرب.
يعي يمنيون كثيرون أن يمناً بلا أحزاب مقولة سلبية، كونها تستعيد أزمنة الشمولية المظلمة، ولا تنسجم مع بيئةٍ يمنيةٍ لا زالت حزبية نوعاً ما، على الرغم من خيانة الأحزاب ثقتهم، وعجز هذه الأحزاب عن حماية مصالح اليمنيين الوطنية، وعن حماية بلادهم من التشظي الجغرافي والطائفي وتجاذبات الأجندات الإقليمية. في يمن ما بعد الحرب، سيجد اليمنيون أنفسهم بلا حيلة مجدداً، في ظل دمارٍ كبير تتصارع على التسلط عليه أحزابٌ سياسيةٌ هشّة وتنظيمات دينية مسلحة، تتكاثر كل يوم.
مثلت تجربة الحرب في اليمن منحنىً فارقاً في مسار الأحزاب اليمنية، فمع تشكّل تكتل الحرب الداخلية، الممثل بجماعة الحوثي وصالح، وتكتل الحرب الخارجية، ممثلاً بالسلطة الشرعية وقوات التحالف، وجدت أحزابٌ يمنيةٌ نفسها في إشكالية التموضع في سياق هذا الصراع، خصوصاً مع رفضها انقلاب جماعة الحوثي وصالح، وتحفظها على التدخل السعودي، كون تاريخها السياسي يكنّ عداءً للنظام السعودي، كما حال الأحزاب اليسارية والقومية. أمام مطبٍّ كهذا، وجدت هذه الأحزاب نفسها تسير في مسارين متناقضين، ففروعها في المحافظات المشتعلة، مثل مدينة تعز، تصدر بياناتٍ مندّدة بتحالف الحرب الداخلية، وتوجّه أعضاءها للقتال في الجبهات، فيما تندّد بياناتها العامة على مستوى القيادة العليا بتحالف الحرب الداخلية والخارجية، من دون أن تستطيع شق طريقٍ ثالثٍ، يدين الحرب، ويصوغ خارطة وطنية لإنهاء الصراع. في مقابل الارتباك الذي وسم أداء الأحزاب اليسارية والقومية، كانت الأحزاب الدينية، مثل حزب الإصلاح والرشاد السلفي، منسجمةً في توجهها السياسي والعسكري في الميدان، منخرطة في الحرب بصبغةٍ دينيةٍ تحت مظلة التحالف العربي.
تكشف قراءة البيانات السياسية وتصريحات عموم الأحزاب اليمنية، منذ بدء الحرب، عن المواقف القاصرة لأصحاب هذه البيانات، حيث كرست هذه المواقف استدامة الصراع وتخندقاته الطائفية والمناطقية، وهو ما يعكس أزمة هذه الأحزاب، سواء في تمثلاتها الوطنية أو في كيفية صنع القرار السياسي في دوائرها التنظيمية، إذ لم يتشكّل القرار السياسي فيها عبر ديمقراطيةٍ حزبية، بل صادر أمناء الأحزاب القرار السياسي، مستفيدين من الأوضاع التي أوجدتها الحرب، وسيلة للنجاة من التقييم والمساءلة على المستويين الوطني والحزبي.
من ناحية أخرى، لم تستوعب الأحزاب اليمنية تجربة الحرب وآثارها على النسيج الوطني، بحيث تكيّف خطابها السياسي مع المصلحة الوطنية لليمنيين، وتجمّدت خطاباتها وأدبياتها السياسية عند مرحلة ما قبل الربيع العربي، مكرّسة كل أسباب فشلها في أثناء المرحلة الانتقالية، لتأتي أكثر كارثيةً خلال الحرب، حتى أن بعض الأحزاب وظفت الحرب نفسها لتنمية قوتها الاقتصادية والعسكرية، بما يؤدي إلى تعزيز استحقاقها في السلطة مستقبلاً، وصارت مجرد أداةٍ في الصراع، ولا حضور لها كأحزاب، حتى في المفاوضات التي تمت بين الأطراف المتصارعة.
مشاركة معظم الأحزاب اليمنية في الحرب، لا كقوى سياسية بل كقوى عسكرية، يمثل تحوّلاً
يؤكد قصور الأداء السياسي لمعظم الأحزاب اليمنية، على اختلاف أيدولوجياتها، عدم امتلاكها مشروعاً وطنياً، كما أن الازدواج الوظيفي، ما بين الوظيفة السياسية للحزب والمليشيا، وكذلك عدم ممارستها الشفافية حيال أعضائها في تفسير تموضعاتها السياسية والعسكرية، والآثار المترتبة على بنيتها الحزبية، وعلى مستقبلها السياسي، جعلها موضعاً للاستقطاب السياسي أو التفريخ، مثل تعرّض الحزب الاشتراكي اليمني لمحاولة اختراقٍ قامت بها جماعة الحوثي، عبر استقطاب بعض القيادات الحزبية، وعقد مؤتمر عام للحزب، تحت مسمى اشتراكيون ضد العدوان؛ كما شهد التنظيم الناصري صراعاً داخلياً حادّاً على خلفية الموقف من النظام السعودي. وفي تطور آخر، ترشح معلومات عن سعي بعض المنتمين لحزب التجمع اليمني للإصلاح في المحافظات الجنوبية إلى تشكيل حزب الإصلاح الجنوبي، كحزب ديني ينادي باستقلال الجنوب.
لا تدرك الأحزاب أن الحرب التي تعيشها اليمن، وما أفرزته من تموضعاتٍ سياسيةٍ ومناطقية وطائفية، إضافة إلى الأبعاد الاجتماعية لتلك التحيّزات، لن تكون كالهزات السياسية التي نجت منها هذه الأحزاب سابقاً، حيث ستؤدي الحرب، على المدى البعيد، إلى ضرب بنية هذه الأحزاب في الصميم، إضافةً إلى المتغيرات السياسية التي ستفرزها الحرب، وتأثيرها على الخارطة السياسية، وكل هذه التأثيرات قد تؤدي إلى انقسام هذه الأحزاب سياسياً أو جغرافياً، وإلى تحجيمها سياسياً، ولن تكون أحزاب ما بعد الحرب هي نفسها أحزاب ما قبل الحرب.
يعي يمنيون كثيرون أن يمناً بلا أحزاب مقولة سلبية، كونها تستعيد أزمنة الشمولية المظلمة، ولا تنسجم مع بيئةٍ يمنيةٍ لا زالت حزبية نوعاً ما، على الرغم من خيانة الأحزاب ثقتهم، وعجز هذه الأحزاب عن حماية مصالح اليمنيين الوطنية، وعن حماية بلادهم من التشظي الجغرافي والطائفي وتجاذبات الأجندات الإقليمية. في يمن ما بعد الحرب، سيجد اليمنيون أنفسهم بلا حيلة مجدداً، في ظل دمارٍ كبير تتصارع على التسلط عليه أحزابٌ سياسيةٌ هشّة وتنظيمات دينية مسلحة، تتكاثر كل يوم.