أفاد المحلّل العسكري لصحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بما فيها الجيش والشرطة والشاباك، تعارض محاولات فرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين في القدس، كوسيلةٍ لقمع الانتفاضة الحالية وإعادة الأمن للمدينة، كما تعارض نقل عشرة فرق عسكرية من تدريباتها الجارية إلى القدس، على أساس أنّ الأوضاع الحالية في القدس المحتلة، لا تبرّر مثل هذه الخطوة، خصوصاً وأنّ بوادر انتقال التوتر والمقاومة إلى الضفة الغربية، تلوح في الأفق مع تفاقم الأوضاع في القدس المحتلة.
وبحسب هرئيل، فإنّ القناعة الراسخة على ما يبدو عند هذه الأجهزة، أن العقوبات الجماعية، وفرض حظر التجول، أو إغلاق قرى كاملة، غير كافية، لتوفّر لإسرائيل الحلّ المنشود، لا سيما وأن الانتفاضة الحالية تقوم أساساً على مراكمة عمليات فردية، من دون وجود آلية ومنظومة موجّهة لها.
ورأى هرئيل، أنّ هناك فجوة وتناقض كبيرين، بين تصريحات قادة إسرائيل السياسيين، كنتنياهو وباقي وزراء الحكومة، بشأن اعتماد سياسة متشددة في القدس، وقبضة حديدية تشمل زيادة الحواجز، ونشر الكتل الأسمنتية، وإقالة العمال الفلسطينيين، إذ تعني في واقع الحال، ترسيخ الفكرة المناقضة لادعاءات حكومات إسرئيل المتعاقبة، حول كون القدس "الموحدة" عاصمة أبدية لإسرائيل.
ولفت إلى أنّ "هذه الخطوات في حال إفرارها وتنفيذها، فإنّها تعمق في تقسيم المدينة، وتبرز أكثر المخاوف المتبادلة بين المجموعتين السكانيتين في المدينة، وتؤكد أيضاً الادعاءات والمقولة الفلسطينية، بأنّ القدس لم ولن تكون يوماً ما، مدينة موحّدة تحت الحكم الإسرائيلي".
وفي هذا السياق، استعرض الدور الإسرائيلي في هذه العملية، معتبراً أن هناك خطوتين تاريخيتين، قامت بهما دولة الاحتلال ساهمتا في ذلك، الأولى هي الإصرار الإسرائيلي على توسيع الحدود البلدية لمدينة القدس، لتشمل أيضاً القرى المحيطة بالقدس، بعد حرب يونيو/حزيران، والخطوة الثانية هي بناء الجدار الفاصل في أوجّ الانتفاضة الثانية.
وبحسب هرئيل، فإنّ الجدار الفاصل أبقى بلدات فلسطينية كاملة معزولة، ومنقطعة عن سياقها الاجتماعي والتاريخي، ففي منطقة حرام، لا يحصل سكانها على خدمات بدلية ولا يخضعون عملياً لسيادة معينة، في المقابل فإنّ البلدات الفلسطينية التي ظلت داخل الجدار (بمعنى داخل القدس المحتلة وتحت سيطرة الشرطة الإسرائيلية)، ظلّ سكانها منقطعون عن شعبهم من دون أن يحصلوا على مواطنة إسرائيلية.
إلى ذلك، حذّر من أنّ "الواقع الحالي في القدس، لا سيما بعد مصرع 11 إسرائيلياً في ست عمليات في الفترة الأخيرة، ينذر بتحوّل القدس إلى بلفاست ثانية، تتمثل بعمليات فلسطينية يردّ عليها إسرائيليون بعمليات انتقامية"، لافتاً إلى أنّ "جريمة قتل محمد أبو خضير، ومقتل المستوطنين الثلاثة يشكّلان بذور هذه الحالة الآخذة في التطور".
وأكّد هرئيل ما سبق وأن نشرته صحف إسرائيلية، بأنّ "الجيش الاسرائيلي يرفض اقتراحات نشر قواته في أحياء القدس الفلسطينية، خوفا من تصعيد الوضع عند سقوط قتلى في الجانب الفلسطيني، واعتقاده بأنّ الشرطة قادرة على السيطرة على الأوضاع في القدس".
في المقابل، كشف المحلّل العسكري، أنّ الجيش والشرطة والشاباك، يعتبرون أنّ البديل عن العقوبات الجماعية، يكون بأن ينشط الجيش بشكل انتقائي، عبر حملات اعتقال عينية، وتكثيف جمع المعلومات في القدس المحتلة والعمل الاستخباري.
ونقل هرئيل عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، أنّ الجيش والأجهزة الأمنية، قلقون من انعدام أفق سياسي، منذ فشل مبادرة كيري في نيسان/ابريل الماضي، في المقابل فإنّ تصاعد الأحداق في القدس المحتلة، يضرب تدريجياً فاعلية الكوابح والقيود، التي تفرضها السلطة الفلسطينية وفاعلية أجهزتها في ضبط الأوضاع في الضفة، منذ تمكّنت السلطة عام 2007 من بسط سيطرتها الأمنية مجدداً، على مدن وبلدات الضفة الغربية.
وفي حين أوضح هرئيل أنّ إسرائيل تملك القدرة على مواجهة العمليات المنظمة، إلا أنه أشار إلى أن الانتفاضة الحالية هي في واقع الحال غير منظّمة، وأنّ "حماس" تحاول الاستفادة منها، لكنّها لا تقوم بتوجيهها.
كما لفت إلى أنّ أحداث الانتفاضة في القدس، تتغذّى بالإشاعات المتعلّقة بمقتل سائق الحافلة الفلسطيني، يوسف راموني، لكنّه رأى أنّ إنكار إسرائيل لعملية قتل الرموني، يعيد إلى الأذهان كيف حاولت إسرائيل بث إشاعات حول جريمة قتل الفتى محمد أبو خضير، وكيف راقب الفلسطينيون على مرّ السنوات الأخيرة سهولة تهرّب عصابات "جباية الثمن" من العقاب.
هذا وأكّد المحلّل العسكري عدم ثقة الفلسطينيين بتصريحات نتنياهو بشأن عدم نيته تغيير الوضع القائم في الأقصى، فيما تقوم أذرع الاحتلال بالتضييف عليهم، من خلال منعهم من البناء، والقيام بأعمال حفريات أثرية في أحيائهم، وإدخال مستوطنين للسكن في بيوتهم، وبناء أحياء يهودية على أراضيهم المصادرة منهم، والسباق المحموم لإقامة الصلوات والزيارات الاستفزازية في المسجد الأقصى.