الآثار الاقتصاديّة للجريمة الصامتة في موريتانيا

27 أكتوبر 2014
الموريتانيون في معاناة يومية (مالكوم لينتون/GETTY)
+ الخط -
تعمل إسلم بوها، ذات الأربعة عشر ربيعاً، حاضنة أطفال فى منزل "أسيادها" فى شرق ‏نواكشوط. يوميات متعبة مرّت في العمل القسري، في حين كان حلم إسلم أن تتعلّم لتصبح ‏طبيبة. وجه بوها الشاحب، يخفي الكثير من الكلام، وبرغم ذلك، تتحدث بحذر شديد، بعدما ‏سمعت تعهّداً بعدم إبلاغ المنظمات الحقوقية أو السلطات عن حالها. ‏
منذ ثلاث سنوات، جاءت سيدة إلى مدينة تجكجة، وسط موريتانيا. كان طلبها محدداً "تريد ‏عاملة لمنزلها". نُفّذ الطلب، بوها التي كان عمرها 11 عاماً، بيعت الى السيدة. لا تعرف إسلم ‏بوها "سعرها"، لا بل هي تعمل بلا أجرة. هي لا تقرأ ولا ‏تكتب، وتعيش حياة العبودية في بيت يمنعها من التحدث مع "الغرباء"، وفي بلد يجرّم بقانونه ‏العبودية.‏

العبيد في زمن الحرية 

حالة إسلم بوها ليست وحيدة طبعاً. بلال ولد يرق، وهو بائع مياه، يقول إنه لم يحصل على ‏فرصته في التعليم، لأنه أمضى شبابه في خدمة "أسياده" السابقين، حيث كان يرعى الإبل ‏والغنم وكانوا يعاملونه بقسوة. ويلفت إلى أنه كان يعمل بلا أجرة، بحجة أن "مال العبد لسيده"، ‏إلى أنْ تمكن من الفرار إلى المدينة.‏
ووفق تقرير لمنظمة "وولك فري" عن العبودية في العالم، حازت موريتانيا على النسبة الأعلى ‏في معدل العبودية عالمياً. يذكر التقرير أن ما بين 10% إلى 20% من الشعب الموريتاني ‏يواجه العبودية، وهو ما يصل إلى 140 ألف موريتاني. وحسب تقارير أخرى، يصل عدد ‏‏"العبيد" في موريتانيا الى نحو 500 ألف موريتاني. وبرغم هذه الأرقام، لا يزال الصراع ‏محتدماً بين القائلين بوجود العبودية في موريتانيا، ومعظمهم من منظمات وهيئات حقوقية، وبين ‏مَن ينكر وجودها ويعتبر أن إثارة هذه القضية ليس سوى طريقة لجذب التمويل لبعض ‏المنظمات. ‏
الناشط الحقوقي، محمد ولد جبريل، يقول لـ"العربي الجديد"، إن العبودية فى موريتانيا موجودة بشكل ‏عملي، وترعاها أحياناً السلطتان الدينية والسياسية، وإن آثار الرق لا تزال تعيق الذين يعيشون ‏في ظل العبودية عن لعب دور فاعل في الحياة العامة، وفي الاقتصاد الوطني‎ .‎
وعن موقف الدولة من العبودية، يقول ولد جبريل إن "الأزمة الحقيقية تكمن في الممارسة على أرض الواقع. إذ يوجد قانون يجرّم العبودية، في المقابل تنحاز الدولة إلى "مُلاّك العبيد" ‏وترفض تطبيق القانون عليهم".‏
ومع أن السلطات الموريتانية ترفض الاعتراف رسمياً بوجود العبودية فى البلاد، إلا أنها في ‏السنوات الأخيرة، وتحت ضغط من المنظمات الأهلية والدولية، بدأت في معالجة ما تسميه ‏‏"بقايا ومخلّفات الرق" من خلال إنشاء "وكالة التضامن لمكافحة آثار الاسترقاق والدمج ‏ومحاربة الفقر" وتنفيذ "خريطة الطريق الوطنية لمكافحة مخلفات الرق".‏
نائب رئيس حركة "إيرا" المدافعة عن الأرقاء السابقين، إبراهيم ولد عبيد، يقول لـ"العربي ‏الجديد"، إن عدم تطبيق القوانين المجرّمة للعبودية يعود لسبب وهو أن "القوانين المتعلقة بالعبودية وجدت من أجل الاستهلاك الخارجي فقط. لهذا فقدت ‏طابعها الردعي الفعلي".‏
ويقول القيادي السابق فى حركة "الحر" المدافعة عن الأرقاء، أحمد سالم ولد المختار، "إن ‏القضاء على العبودية ومخلفاتها ليس مطلباً أخلاقياً فحسب، بل حتمية تنموية".
ويضيفُ ولد ‏المختار: "بالنسبة إلينا، فإن الكفاح ضد العبودية لا يمكن كسبه بمعزل عن الكفاح ضد كافة ‏العراقيل التنموية، كالأمية والجهل، التي تقف عائقاً أمام أي نمو مجتمعي واقتصادي".‏
من جهته، يشرح الدكتور زيدان ولد إبراهيم، وهو أكاديمي وخبير اقتصادي موريتاني، أن الوضع المزري ‏اقتصادياً واجتماعياً لضحايا العبودية، هو نتيجة حتمية للحرمان من الحرية‎.‎‏ إذ إن العبودية ‏تشكل أهم جدار أمام أي نمو اقتصادي، وأي تطور في الناتج المحلي الإجمالي، في بلاد تعيش أزمات مالية ومعيشية ضخمة، ويرزح 42% من سكانها تحت خط الفقر.‏
المساهمون