تقوم شابة لندنية، مُصابة بملل صالونات العاصمة المزهوة بنصر الحرب العالمية الثانية، برحلة إلى إقليم بعيد، بحثًا عن الإلهام. هذه نقطة انطلاق "جمعية غيرنسي للأدب والبطاطا" (2018) للإنكليزي مايك نيوويل (1942)، أو ـ بحسب العنوان الإنكليزي ـ The Guernsey Literary And Potato Peel Pie Society، المُقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (2008) للأميركيتين ماري آن شايفر وآني بارّوز (سيناريو دون روس وتوماس بيزوكا).
يُذكِّر اسم بطلة الفيلم جولييت آشتن باسمٍ آخر من عصر آخر، تُشبه إحداهما الأخرى في العمر والعمل: كتابة الرواية. إنهما الكاتبة الإنكليزية (1775 ـ 1817) جين أوستن والشخصية السينمائية جولييت آشتن (ليلي جيمس). بالإضافة إلى ذلك، فإن مطلع رواية للأولى ينطبق على وضع الثانية: "رجلٌ أعزب يمتلك ثروة جيدة لا بُدّ أنه يحتاج إلى زوجة. مهما يعرف الناسُ القليلَ عن شابٍ يأتي ليعيش في منطقة جديدة، فإنهم يعتقدون اعتقادًا راسخًا بأنه سيعود ذات يوم إلى واحدة أو أخرى من بناتهم" ("كبرياء وهوى" لأوستن، 1813).
تجد بطلةُ الفيلم الأعزبَ الملائم لها. هي مُقبلة على الزواج من جنتلمان يانكي، لكن اهتماماتها الأدبية تُعقّد هذا كلّه. آشتن تتحمّل بصعوبة أجواء الرقص والتباهي. إنها غربة الكاتب في مجتمع بورجوازي مرح يعتبر حضور حفلات الرقص ذروة علامات النجاح الاجتماعي والتفوّق الطبقي.
يُقدّم مايك نيوويل فيلمًا عن الأدب. هذا خيار خطر في ظلّ قانون سوق يمنح الأسبقية للتسلية الخفيفة. الأدب تسلية ثقيلة في السينما. كثيرون يفضّلون مشاهدة توم كروز في فيلم مطاردات كـ"مهمة: مستحيلة ـ السقوط" (2018) لكريستوفر ماك كاري، بدلاً من مشاهدة فيلم أدبي كـ"حلقة الشعراء المفقودين" (1989) لبيتر واير.
لكن، يبدو أن للأفلام المقتبسة عن روايات إنكليزية جمهورًا. لنيوويل خبرة في الاقتباس: "هاري بوتر وكأس النار" (2005)، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه (2000) للكاتبة البريطانية جي. كاي. راولينغ. فيلمه الجديد يسترجع أجواء جين أوستن. يُقدِّم فيه حكاية كاتبة تتلقّى رسالة من قارئ، فتقرّر لقاءه واستغلال الرحلة لإنجاز تحقيق صحافي عن تأثير الكتب في القراء.
بهذه المهمّة، يُقيم الفيلم صلةً بين الأدب والصحافة. يقول ماثيو أرنولد: "الصحافة هي الأدب في حالة هرولة". كان منتصف القرن الـ20 عصر مجد الأدب المتأثّر بالصحافة ومنهجها في التحقيق الميداني. هذا مناسب للنزعة التجريبية الإنكليزية. للتذكير: إنكلترا بلد الكاتبات، والقاضي على أمية النساء باكرًا، والمُساهم في تطوير الرواية واستهلاكها على نطاق واسع.
تقوم آشتن برحلة بحث عن إلهام. يبدو أن جودة الكتابة مرتبطة بجودة التسكّع. تصل إلى جزيرة فيها حلقة غريبة من القرّاء. تكتشف الطبيعة البِكر بين البحر والجبل. يظهر كم يكره الكتّاب خدم الفنادق ومن يتشبّه بهم في تصنّع الظُرف والطاعة والجاهزية للخدمة مع ابتسامة عريضة. تتعرّف إلى عشّاق أدب ينظمّون قراءات ليلية، ويتأثّرون بالسمات النفسية للشخصيات التي يسمعون عنها. قرّاء يمزجون الحكي بالطبخ، فكتب الطبخ أكثر مبيعًا من كتب الأدب. لكن، حين يمتزج أحدهما بالآخر، يُباع الأدب جيدًا.
اقــرأ أيضاً
عبر استشهادات أدبية لويليام شكسبير وروديارد كبلينغ، يظهر أنه يمكن للأفلام التشجيع على المطالعة، عندما يُدرك المتفرّجون أن الكتب تُشبع نهمهم إلى ما يستحيل ضغطه في فيلم ذي ساعتين. بالمعايشة والملاحظة، يتّضح للكاتبة مدى قوّة تأثير الكتب في البشر، ليس نظريًا بل بفضل تجربة قارئ فلّاح توصله الكتب إلى قلب حبيبته.
من فرط الحماسة، تخبر الكاتبة أعضاء الحلقة أنها ستكتب عنهم في جريدة مشهورة. يشعرون بالإهانة، لأنهم سينزلون من مرتبة المعايشة والمشاركة إلى مرتبة "فئران تجارب" تُلاحَظ لتُدْرَس. ينهار المشروع، ويهبط الإيقاع قبل أن يرتفع مجدّدًا، لأنه بدلاً من أن تنسحب الكاتبة، تبدأ البحث عن سرّ خوف البشر من أن يكونوا موضوعًا لتحقيق صحافيّ. هكذا يفتح الفيلم نافذة توثيقية عن الوضع في إنكلترا في الحرب العالمية الثانية. يحتل النازيون جزيرة "غيرنسي"، التي تأخذ الحربُ الرجالَ منها وتترك النساء وحيدات يتسلّين بسرد حكايات تمزج وقائع الحبّ بوصفات الطعام. الأدب وسيلة للمقاومة. ينهب المحتلّون قُوت السكّان. تتعرّف شابة إلى ضابط ألماني يكره النازية. تجري محاولات لشرح الموت لطفلة يتيمة. في المسار نفسه، تلتقط الكاميرا أثر الموت على الوجوه. يختار مدير التصوير زاك نيكلسن إضاءة تقنع المُتفرّج بأنه يشاهد وقائع عصرٍ آخر.
في الفيلم جانب توثيقي هائل، مع إدماج المعلومات التاريخية في مسار الشخصيات، كي لا يكون التاريخ ثقيلاً. يبقى التاريخ مصدر إلهام حين تمتد آثاره إلى الحياة اليومية للناس، وحين يساهم الماضي في تفسير الحاضر. من دون هذا، يكون التاريخ ميّتًا والذكريات منخورة. هكذا تتحوّل الحبكة في نصفه الثاني من البحث عن الإلهام إلى البحث عن الشابة إليزابيت (جيسيكا براون فيندلاي). اسم يتكرّر في رواية جين أوستن. يقلب المخرج القاعدة "الأوستينية"، التي تقضي بأن تتزوج شابّة فقيرة قروية شخصًا غنيًا ينتشلها إلى أعلى.
في هذه الأجواء المشبعة بالمشاعر، تستعيد جولييت آشتن قدرتها على الكتابة بفضل الجزيرة المعزولة. وبفضل الكتب، تعشق ابنة لندن فلاحًا. هكذا تعثر على جوابٍ عن سؤال التحقيق الذي تريد إنجازه. لكنها تُنجز تحقيقًا توثيقيًا لا شخصيًا، سيؤثّر في شخصية مُنجزته. تصير للرحلة الأدبية نتائج عاطفية.
في النهاية، فإنّ كلّ رحلة وكلّ بحث لا يؤثّران في مُنجِزهما، لا يُعوّل عليهما.
تجد بطلةُ الفيلم الأعزبَ الملائم لها. هي مُقبلة على الزواج من جنتلمان يانكي، لكن اهتماماتها الأدبية تُعقّد هذا كلّه. آشتن تتحمّل بصعوبة أجواء الرقص والتباهي. إنها غربة الكاتب في مجتمع بورجوازي مرح يعتبر حضور حفلات الرقص ذروة علامات النجاح الاجتماعي والتفوّق الطبقي.
يُقدّم مايك نيوويل فيلمًا عن الأدب. هذا خيار خطر في ظلّ قانون سوق يمنح الأسبقية للتسلية الخفيفة. الأدب تسلية ثقيلة في السينما. كثيرون يفضّلون مشاهدة توم كروز في فيلم مطاردات كـ"مهمة: مستحيلة ـ السقوط" (2018) لكريستوفر ماك كاري، بدلاً من مشاهدة فيلم أدبي كـ"حلقة الشعراء المفقودين" (1989) لبيتر واير.
لكن، يبدو أن للأفلام المقتبسة عن روايات إنكليزية جمهورًا. لنيوويل خبرة في الاقتباس: "هاري بوتر وكأس النار" (2005)، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه (2000) للكاتبة البريطانية جي. كاي. راولينغ. فيلمه الجديد يسترجع أجواء جين أوستن. يُقدِّم فيه حكاية كاتبة تتلقّى رسالة من قارئ، فتقرّر لقاءه واستغلال الرحلة لإنجاز تحقيق صحافي عن تأثير الكتب في القراء.
بهذه المهمّة، يُقيم الفيلم صلةً بين الأدب والصحافة. يقول ماثيو أرنولد: "الصحافة هي الأدب في حالة هرولة". كان منتصف القرن الـ20 عصر مجد الأدب المتأثّر بالصحافة ومنهجها في التحقيق الميداني. هذا مناسب للنزعة التجريبية الإنكليزية. للتذكير: إنكلترا بلد الكاتبات، والقاضي على أمية النساء باكرًا، والمُساهم في تطوير الرواية واستهلاكها على نطاق واسع.
تقوم آشتن برحلة بحث عن إلهام. يبدو أن جودة الكتابة مرتبطة بجودة التسكّع. تصل إلى جزيرة فيها حلقة غريبة من القرّاء. تكتشف الطبيعة البِكر بين البحر والجبل. يظهر كم يكره الكتّاب خدم الفنادق ومن يتشبّه بهم في تصنّع الظُرف والطاعة والجاهزية للخدمة مع ابتسامة عريضة. تتعرّف إلى عشّاق أدب ينظمّون قراءات ليلية، ويتأثّرون بالسمات النفسية للشخصيات التي يسمعون عنها. قرّاء يمزجون الحكي بالطبخ، فكتب الطبخ أكثر مبيعًا من كتب الأدب. لكن، حين يمتزج أحدهما بالآخر، يُباع الأدب جيدًا.
عبر استشهادات أدبية لويليام شكسبير وروديارد كبلينغ، يظهر أنه يمكن للأفلام التشجيع على المطالعة، عندما يُدرك المتفرّجون أن الكتب تُشبع نهمهم إلى ما يستحيل ضغطه في فيلم ذي ساعتين. بالمعايشة والملاحظة، يتّضح للكاتبة مدى قوّة تأثير الكتب في البشر، ليس نظريًا بل بفضل تجربة قارئ فلّاح توصله الكتب إلى قلب حبيبته.
من فرط الحماسة، تخبر الكاتبة أعضاء الحلقة أنها ستكتب عنهم في جريدة مشهورة. يشعرون بالإهانة، لأنهم سينزلون من مرتبة المعايشة والمشاركة إلى مرتبة "فئران تجارب" تُلاحَظ لتُدْرَس. ينهار المشروع، ويهبط الإيقاع قبل أن يرتفع مجدّدًا، لأنه بدلاً من أن تنسحب الكاتبة، تبدأ البحث عن سرّ خوف البشر من أن يكونوا موضوعًا لتحقيق صحافيّ. هكذا يفتح الفيلم نافذة توثيقية عن الوضع في إنكلترا في الحرب العالمية الثانية. يحتل النازيون جزيرة "غيرنسي"، التي تأخذ الحربُ الرجالَ منها وتترك النساء وحيدات يتسلّين بسرد حكايات تمزج وقائع الحبّ بوصفات الطعام. الأدب وسيلة للمقاومة. ينهب المحتلّون قُوت السكّان. تتعرّف شابة إلى ضابط ألماني يكره النازية. تجري محاولات لشرح الموت لطفلة يتيمة. في المسار نفسه، تلتقط الكاميرا أثر الموت على الوجوه. يختار مدير التصوير زاك نيكلسن إضاءة تقنع المُتفرّج بأنه يشاهد وقائع عصرٍ آخر.
في الفيلم جانب توثيقي هائل، مع إدماج المعلومات التاريخية في مسار الشخصيات، كي لا يكون التاريخ ثقيلاً. يبقى التاريخ مصدر إلهام حين تمتد آثاره إلى الحياة اليومية للناس، وحين يساهم الماضي في تفسير الحاضر. من دون هذا، يكون التاريخ ميّتًا والذكريات منخورة. هكذا تتحوّل الحبكة في نصفه الثاني من البحث عن الإلهام إلى البحث عن الشابة إليزابيت (جيسيكا براون فيندلاي). اسم يتكرّر في رواية جين أوستن. يقلب المخرج القاعدة "الأوستينية"، التي تقضي بأن تتزوج شابّة فقيرة قروية شخصًا غنيًا ينتشلها إلى أعلى.
في هذه الأجواء المشبعة بالمشاعر، تستعيد جولييت آشتن قدرتها على الكتابة بفضل الجزيرة المعزولة. وبفضل الكتب، تعشق ابنة لندن فلاحًا. هكذا تعثر على جوابٍ عن سؤال التحقيق الذي تريد إنجازه. لكنها تُنجز تحقيقًا توثيقيًا لا شخصيًا، سيؤثّر في شخصية مُنجزته. تصير للرحلة الأدبية نتائج عاطفية.
في النهاية، فإنّ كلّ رحلة وكلّ بحث لا يؤثّران في مُنجِزهما، لا يُعوّل عليهما.