اغتصاب الطالبات الأميركيات من قبل زملائهنّ ليس موضوع أفلام هوليووديّة، فحسب. الأحداث التي نشاهدها على الشاشة، مقتبسة من واقع حرم الجامعات.
تتعرّض طالبة واحدة من بين كل خمس طالبات في الكليات والجامعات الأميركيّة للاغتصاب، أو لمحاولة اغتصاب وتحرّش جنسي، وذلك بحسب إحصائيات مؤسسات أميركيّة مختلفة، من ضمنها وزارة العدل الأميركيّة.
وعلى الرغم من أن هذه القضيّة ليست جديدة على الساحة الأميركيّة، إذ كانت الحركة النسوية قد نشطت في الولايات المتحدة الأميركيّة في سبعينيات القرن الماضي في محاربتها ولفت الانتباه إليها، وإلى قضايا الاغتصاب والتحرّش الجنسي عموماً، إلا أن الحدّ منها بحسم ومعاقبة الجناة في الجامعات يبقى محدوداً نسبياً. وما يزيد الطين بلة أن عدداً كبيراً من إدارات الجامعات، وخصوصاً تلك المرموقة، مثل هارفرد وكولومبيا وبرنستون، تتقاعس عن معاقبة الجناة من طلابها الذكور، وهو الأمر الذي حدا بالحكومة الفدراليّة مؤخراً إلى فتح تحقيق في هذا الصدد مع إدارات عشرات الجامعات، وراحت تبحث عن علاج على مستوى قومي.
وعاد الموضوع ليتصدّر العناوين في الآونة الأخيرة بعد تقارير إعلاميّة عدّة، سردت فيها شابات ناجيات من الاغتصاب ما مررن به، ومن ضمنها، مقال نشرته مجلة "رولينغ ستون" عن تعرّض طالبة في جامعة فيرجينيا للاغتصاب الجماعي.
يرصد المقال ما تعرّضت له الشابة، جاكي جريمسد (18 عاماً)، من اغتصاب وحشي على مدار ثلاث ساعات من قبل سبعة زملاء لها في الجامعة، بعد شهر واحد من بداية الفصل الدراسي. وفيه، تصف الشابة الوحشيّة التي كانت ضحيتها والوضع النفسي المزري الذي عاشته والخوف وتحميل نفسها الذنب.
كذلك، يتناول المقال سيكولوجيا "الصمت والرعب" المرتبطة بتخوين الضحيّة واتهامها "بعدم الولاء للجامعة وتعريض سمعتها للتدنيس"، إن قرّرت التحدّث إلى الإعلام أو رفع شكوى ضد المغتصب، كما قال لها بعض الأصدقاء المقرّبين آنذاك. وكان بعض آخر قد حاول ثنيها عن الأمر بحجة أن أمامها أربع سنوات في الجامعة، وهي بالتأكيد لا ترغب في "أن تلاحقها وصمة العار كل هذه الفترة".
وتبدو ردود الفعل هذه غير استثنائيّة. فعدد كبير من النساء الناجيات من حوادث اغتصاب يتحدّثن عن مواقف مشابهة وعن تخاذل إدارة الجامعات في اتخاذ خطوات فعالة. ففي الغالب، لا تصل الإجراءات إلى فصل المعتدي، بل تبقى في سياق التوقيف عن الدراسة لفترة وجيزة ليعود من بعدها وكأن شيئاً لم يكن.
إلى ذلك، ترفض إدارات الجامعات الحديث عن أي من هذه القضايا في الإعلام، إلا في حالات نادرة وذلك بحجة الحفاظ على خصوصيّة الطلاب. وإن تحدّثت، يكون ذلك بشكل مقتضب ويرافقه استهجان ونفي عند سؤالها عن سبب عدم اتخاذها الخطوات اللازمة.
كشفت التحقيقات أن بعض حوادث الاغتصاب يقع بعد تخدير الضحايا من قبل زملائهنّ، بشكل متعمّد ومخطط له. وقد كشفت رسائل إلكترونيّة سُرّبت إلى وسائل الإعلام في العام الماضي، عن طلاب في الجامعة الأميركيّة في واشنطن شكّلوا "عصابة" يستغلّ بعض أفرادها الشابات بغية الاعتداء عليهنّ.
وقد شكت طالبات ناشطات في الجامعة من "أن هذه المجموعة كانت معروفة من قبل الإدارة منذ مدّة، لكن الأخيرة اختارت غضّ الطرف عنها إلى أن تسرّبت المراسلات إلى الإعلام. فوجدت نفسها تحت رحمة الرأي العام وضغوطه".
وتجدر الإشارة إلى أن الطالبات الضحايا نادراً ما يتوجّهن إلى القضاء الفدرالي، لأسباب عدّة متعلقة بتكاليف المحامين والمضايقات التي قد يتعرّضن لها. كذلك، فإن المحاكم قد تستغرق وقتاً وتحتاج الضحيّة إلى دعم معنوي وعائلي لا يكون متوفراً في كل الحالات بالضرورة.
من جهة أخرى، بعض الجناة هم أبناء عائلات ثريّة ونافذة تقوم بتهديد إدارة الجامعة والضحيّة بمقاضاتها. وعلى الرغم من ذلك، فقد رُفعت قضايا فدراليّة من قبل بعض الضحايا ضد عدد من الجامعات وتمّت تسوية عدد منها خارج المحكمة.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد كثّفت مؤخراً الضغط على الجامعات. فهي تقوم وفق "البند التاسع" من قانون فرص التعليم المتساوية للحقوق المدنيّة، بالتحقيق مع 86 جامعة حول طريقة تعاملها مع شكاوى اغتصاب في داخل حرمها. وجامعة فرجينيا واحدة منها. فتقول نائبة رئيس مكتب الحقوق المدنيّة، كاثرين لاهمون، في هذا الإطار: "نحن لا نقوم بفتح ملفات من هذا النوع ونبدأ بتحقيق فدرالي إلا إذا كنا نرى أن ثمّة أمراً يستحق ذلك". تضيف: "تواجه هذه الجامعات، إن تمّت إدانتها، عقوبات قد تصل إلى سحب الدعم المادي من الحكومة الفدراليّة لها، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن في تاريخ الولايات المتحدة".
لا يشكّل كابوس الاغتصاب والتحرّش الجنسي ظاهرة تقتصر فقط على الجامعات الأميركيّة. فوزارة الدفاع الأميركيّة تعمل منذ سنتَين بشكل مكثّف بغية إدخال تعديلات على أسلوب تعامل الجيش مع شكاوى الاغتصاب في صفوفه، والتي تصل إلى نسب عالية.