28 أكتوبر 2024
اعتقالات العيد وقضية التغيير في مصر
لم يفوّت النظام في مصر عيد الأضحى بدون حملة اعتقالات جديدة، ضمّت شخصيات معارضة، أبرزهم ثلاثة من رموز الحركة المدنية، المنتمين لليسار المصري. الحملة وإن كانت استكمالا لحلقات سابقة من التضييق والحصار على الحركة السياسية، إلا أنها جاءت ردا على أسئلة طرحت بشأن ضرورة تغير سياسات النظام ومواجهتها داخليا وخارجيا، بل وتغير من يتولى مواقع السلطة التنفيذية والتشريعية، المواقع التي استهدفتها مبادرة السفير معصوم مرزوق، عبر الدعوة إلى الاحتشاد في ميدان التحرير نهاية أغسطس/ آب الحالي، واستفتاء الشعب على بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته ومجلس النواب.
استشعر النظام خطورة المبادرة، بوصفها الأولى التي تطرحها القوى السياسية المدنية في مصر، وكونها تستهدف رأس النظام، وتطرح عملية التغيير كليا، وليست مجرّد نقد لسياسات، أو تفاصيل جزئية هنا وهناك. وعلى الرغم من عدم توفر شروط تحقيق المبادرة حاليا، إلا أن موضوعها الشائك يشكل خطورةً، حيث تفتح المبادرة ملف مستقبل الحكم في مصر، في ظل أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، ترى المبادرة السلطة سببا فيها، والحل هو استفتاء الشعب على تغيرها أو استمرارها، ولعل هذا ما استفزّ النظام، فلجا إلى اعتقال معصوم، وشخصياتٍ تدعو إلى تغيير النظام، بطريقة تحمل الترهيب المقصود، وفي توقيتٍ هو عيد الأضحى، في دلالاتٍ تحمل معاني التحفز وسرقة الفرحة، والضغط الاجتماعي على المحتجزين.
صحيحٌ أن هذه الحملة ليست الأولى على الشخصيات الداعية إلى التغيير، أو مما تبقى من قوى اليسار خارج دائرة المتفرّجين أو المعلقين، سبق واستهدفت السلطة رموزا وقيادات نشطة،
اعتقلت جمال عبد الفتاح وحسن حسين، وهما من قيادات السبعينيات، ومعروفٌ عنهم معارضتهم التامة للنظام، كما تم القبض على عشرات من شباب أحزاب الكرامة والعيش والحرية والاجتماعي الديمقراطي والاشتراكيين الثوريين، وحركة 6 إبريل، وبالتهم نفسها تقريبا، والتي تتمحور حول نشر أخبار كاذبة، انتقاد مؤسسة الرئاسة، التظاهر والدعوة إلى الفوضى.
يقف الثلاثي، السفير معصوم مرزوق نائب وزير الخارجية السابق، ويحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان، والخبير الاقتصادي رائد سلامة، على طرف النقيض من قوى الإسلام السياسي، خصوصا الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من ذلك، تم اتهامهم في تحقيقات أمن الدولة العليا بالتعاون مع جماعة إرهابية وتأييدها، والدعوة إلى الفوضى والتظاهر، والتحريض على قلب نظام الحكم، ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، والاشتراك في اتفاق جنائي، وتلقّي تمويل بغرض إرهابي.
وتكشف الاتهامات أن الغرض الأساسي لحملة الاعتقالات الجديدة وصم قوى المعارضة التي تدعو إلى التغيير بالإرهاب، أو على الأقل التعاون مع الإرهابيين. في تطبيق عملي لما أعلن من قبل أن الدولة ستواجه إرهاب أهل الشر تجار الدين، وإرهاب غيرهم الذي يسعى إلى إسقاط الدولة، عبر المتاجرة بالديمقراطية.
إذن، الرسالة واضحة، وهي أن كل من يعارض النظام يوضع في خانة الإرهاب، والتآمر والخيانة، ولا مساحة هنا لمفهوم المعارضة، أو الرأي والرأي الآخر. وهذا يوضح زيف سردية استعمال السلطة القوة لحماية المجتمع والدولة من قوى الإرهاب. وواضح أن عنف السلطة يستخدم هنا، وبشكل متكرّر، من أجل حماية النظام من معارضيه.
ارتباك السلطة وخوفها من طرح أفكار حول عملية التغيير هو ما يدفعها الآن إلى أن تضع كل المختلفين معها في خانة الأعداء، من دون تحديد أو تصنيف أو فروق، فلا حلفاء لها من قوى المعارضة، أو الأحزاب، كما يتصور بعضهم، وليس هناك داع لما يسمى اصطفافا وطنيا لقوى 30 يونيو مع السلطة. لم يعد هذا الشكل السياسي قائما. كما أنه ليس لدى السلطة مجال لتقسيم المعارضين إلى إصلاحيين وآخرين ثوريين، أو تفرقة بين من اصطف لإسقاط حكم الإخوان المسلمين ومن ساندهم. مقياس السلطة وميزان تحديدها موقفها من القوي السياسية أصبح أكثر وضوحا: هل تؤيد النظام أم لا. وإذ لم تكن في صف النظام، ووجهت أي نقد له، فهذا يعني أنك في صف "الإخوان"، أعداء النظام والدولة والمجتمع. وفي هذا السياق، يفهم قدر التشنيع وتشويه المعارضين بكل السبل، عبر وسائل إعلام النظام، خصوصا الصحف المنحطّة التي يديرها متعاونون مع أجهزة الأمن، يتباهى بعضهم بعلاقاته الأمنية والتوجهات التي يتلقاها، والخدمات التي يقدّمها عبر ممارسة مهنة الصحافة بهذه الكيفية.
تعلن حملة الاعتقالات الجديدة عن بداية مواجهة مع كوادر اليسار المصري وخطابه، بعدما بدا أن بعض رموزهم استعاد نبرته الاحتجاجية، من خلال المساحة المتبقية من التعبير. وهنا
يتساوى الأمر ما بين مؤتمر صحافي أو مقال أو حتى الكتابات على صفحات "فيسبوك" أنها رسالة واضحة إلى من تبقى من هذه الكتلة خارج نطاق السلطة، وقد سبقتها رسائل أخرى، من قبيل تحويل يحيى القزاز للتحقيق في الجامعة أكثر من مرة، أو اقتحام منزل معصوم مرزوق.
يرتبط الفصل الجديد من مواجهة السلطة في مصر القوى المدنية، وخصوصا الكوادر اليسارية، بانفلات بعض كوادر هذه القوى من تأييد النظام بعد نفاد صبرها، وتبدّد أملها فيما كانت تراهن عليه من إنجازات اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى أن هناك من لم يستطع النظام استيعابهم واستمالتهم، ولا يرتبطون بالنظام. وبعد أن اتضحت آثار سياسات النظام اقتصاديا منذ عامين، أصبحت المساحة بين الحكم وأغلب قوى اليسار متباعدة. وعلى هذه الأرضية، قد تزداد نبرة الهجوم على كل من يتبنّى خطابا يساريا يطالب بالعدالة الاجتماعية والتحرّر والاستقلال الوطني.
ويمكن القول إن الاختلاف بين أغلب القوى السياسية والنظام بدأ يظهر على ثلاثة مستويات. يرتبط الأول بالسياسات الاقتصادية من تقشّف ورفع الأسعار وتعويم الجنيه وزيادة الضرائب. ويرتبط الثاني بالسياسات الخارجية، وخصوصا فيما يتعلق بالتفريط بجزيرتي تيران وصنافير، والعلاقات غير المتوازنة مع حلفاء النظام من دول خليجية، وغيرها من ملفات العلاقات الخارجية، كالقضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل. وثالثا فيما يتعلق بتضييق الخناق على مكوّنات الحركة السياسية وكوادرها، من دون استثناء، واعتبار أي حراكٍ سياسي، حتى ولو كان إصلاحي التوجه، معاديا للوطن، يسقط الدولة، وربما خائن.
أخيرا، يمكن القول إن المطلوب أن يظل الخوف سجنا يحبس الضمائر، ويكتم الأصوات المعارضة للنظام. وكلما ستظهر لهجة احتجاجية هنا أو هناك سترفع أجراس الخوف لتنبه الآخرين بضرورة الصمت، وإلا يكون السجن مصيرهم، فضلا عن صنوف أخرى من المضايقات. كما يؤكد النظام أن الخطابات التي تطالب بالتغيير تنتمي لصفوف الإرهاب، أو تساعدها في أقل تقدير في مخططاتها.
استشعر النظام خطورة المبادرة، بوصفها الأولى التي تطرحها القوى السياسية المدنية في مصر، وكونها تستهدف رأس النظام، وتطرح عملية التغيير كليا، وليست مجرّد نقد لسياسات، أو تفاصيل جزئية هنا وهناك. وعلى الرغم من عدم توفر شروط تحقيق المبادرة حاليا، إلا أن موضوعها الشائك يشكل خطورةً، حيث تفتح المبادرة ملف مستقبل الحكم في مصر، في ظل أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، ترى المبادرة السلطة سببا فيها، والحل هو استفتاء الشعب على تغيرها أو استمرارها، ولعل هذا ما استفزّ النظام، فلجا إلى اعتقال معصوم، وشخصياتٍ تدعو إلى تغيير النظام، بطريقة تحمل الترهيب المقصود، وفي توقيتٍ هو عيد الأضحى، في دلالاتٍ تحمل معاني التحفز وسرقة الفرحة، والضغط الاجتماعي على المحتجزين.
صحيحٌ أن هذه الحملة ليست الأولى على الشخصيات الداعية إلى التغيير، أو مما تبقى من قوى اليسار خارج دائرة المتفرّجين أو المعلقين، سبق واستهدفت السلطة رموزا وقيادات نشطة،
يقف الثلاثي، السفير معصوم مرزوق نائب وزير الخارجية السابق، ويحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان، والخبير الاقتصادي رائد سلامة، على طرف النقيض من قوى الإسلام السياسي، خصوصا الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من ذلك، تم اتهامهم في تحقيقات أمن الدولة العليا بالتعاون مع جماعة إرهابية وتأييدها، والدعوة إلى الفوضى والتظاهر، والتحريض على قلب نظام الحكم، ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها، والاشتراك في اتفاق جنائي، وتلقّي تمويل بغرض إرهابي.
وتكشف الاتهامات أن الغرض الأساسي لحملة الاعتقالات الجديدة وصم قوى المعارضة التي تدعو إلى التغيير بالإرهاب، أو على الأقل التعاون مع الإرهابيين. في تطبيق عملي لما أعلن من قبل أن الدولة ستواجه إرهاب أهل الشر تجار الدين، وإرهاب غيرهم الذي يسعى إلى إسقاط الدولة، عبر المتاجرة بالديمقراطية.
إذن، الرسالة واضحة، وهي أن كل من يعارض النظام يوضع في خانة الإرهاب، والتآمر والخيانة، ولا مساحة هنا لمفهوم المعارضة، أو الرأي والرأي الآخر. وهذا يوضح زيف سردية استعمال السلطة القوة لحماية المجتمع والدولة من قوى الإرهاب. وواضح أن عنف السلطة يستخدم هنا، وبشكل متكرّر، من أجل حماية النظام من معارضيه.
ارتباك السلطة وخوفها من طرح أفكار حول عملية التغيير هو ما يدفعها الآن إلى أن تضع كل المختلفين معها في خانة الأعداء، من دون تحديد أو تصنيف أو فروق، فلا حلفاء لها من قوى المعارضة، أو الأحزاب، كما يتصور بعضهم، وليس هناك داع لما يسمى اصطفافا وطنيا لقوى 30 يونيو مع السلطة. لم يعد هذا الشكل السياسي قائما. كما أنه ليس لدى السلطة مجال لتقسيم المعارضين إلى إصلاحيين وآخرين ثوريين، أو تفرقة بين من اصطف لإسقاط حكم الإخوان المسلمين ومن ساندهم. مقياس السلطة وميزان تحديدها موقفها من القوي السياسية أصبح أكثر وضوحا: هل تؤيد النظام أم لا. وإذ لم تكن في صف النظام، ووجهت أي نقد له، فهذا يعني أنك في صف "الإخوان"، أعداء النظام والدولة والمجتمع. وفي هذا السياق، يفهم قدر التشنيع وتشويه المعارضين بكل السبل، عبر وسائل إعلام النظام، خصوصا الصحف المنحطّة التي يديرها متعاونون مع أجهزة الأمن، يتباهى بعضهم بعلاقاته الأمنية والتوجهات التي يتلقاها، والخدمات التي يقدّمها عبر ممارسة مهنة الصحافة بهذه الكيفية.
تعلن حملة الاعتقالات الجديدة عن بداية مواجهة مع كوادر اليسار المصري وخطابه، بعدما بدا أن بعض رموزهم استعاد نبرته الاحتجاجية، من خلال المساحة المتبقية من التعبير. وهنا
يرتبط الفصل الجديد من مواجهة السلطة في مصر القوى المدنية، وخصوصا الكوادر اليسارية، بانفلات بعض كوادر هذه القوى من تأييد النظام بعد نفاد صبرها، وتبدّد أملها فيما كانت تراهن عليه من إنجازات اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى أن هناك من لم يستطع النظام استيعابهم واستمالتهم، ولا يرتبطون بالنظام. وبعد أن اتضحت آثار سياسات النظام اقتصاديا منذ عامين، أصبحت المساحة بين الحكم وأغلب قوى اليسار متباعدة. وعلى هذه الأرضية، قد تزداد نبرة الهجوم على كل من يتبنّى خطابا يساريا يطالب بالعدالة الاجتماعية والتحرّر والاستقلال الوطني.
ويمكن القول إن الاختلاف بين أغلب القوى السياسية والنظام بدأ يظهر على ثلاثة مستويات. يرتبط الأول بالسياسات الاقتصادية من تقشّف ورفع الأسعار وتعويم الجنيه وزيادة الضرائب. ويرتبط الثاني بالسياسات الخارجية، وخصوصا فيما يتعلق بالتفريط بجزيرتي تيران وصنافير، والعلاقات غير المتوازنة مع حلفاء النظام من دول خليجية، وغيرها من ملفات العلاقات الخارجية، كالقضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل. وثالثا فيما يتعلق بتضييق الخناق على مكوّنات الحركة السياسية وكوادرها، من دون استثناء، واعتبار أي حراكٍ سياسي، حتى ولو كان إصلاحي التوجه، معاديا للوطن، يسقط الدولة، وربما خائن.
أخيرا، يمكن القول إن المطلوب أن يظل الخوف سجنا يحبس الضمائر، ويكتم الأصوات المعارضة للنظام. وكلما ستظهر لهجة احتجاجية هنا أو هناك سترفع أجراس الخوف لتنبه الآخرين بضرورة الصمت، وإلا يكون السجن مصيرهم، فضلا عن صنوف أخرى من المضايقات. كما يؤكد النظام أن الخطابات التي تطالب بالتغيير تنتمي لصفوف الإرهاب، أو تساعدها في أقل تقدير في مخططاتها.