ولعل المتغير الأبرز يتعلق بتركيبة وفد المعارضة الذي ستوكل إليه مهمة المشاركة في الجولة الرابعة من المحادثات. وبعدما أكدت تصريحات لعدد من قيادات المعارضة السورية وجود توجه "لتحقيق تمثيل أوسع" للمعارضة خلال الجولة المقبلة، جاءت استقالة علوش فضلاً عن تصريحات رئيس وفد المعارضة أسعد الزعبي بأنه تم تداول أمر استبداله أخيراً، لتؤكد أن الأيام المقبلة ستحمل تغييرات واضحة في تركيبة وفد المعارضة، فيما يعتبر مراقبون أنّ استقالة علوش "مؤشر على تراجع الآمال في تحقيق اختراق سياسي، ودليل على ممارسة ضغوط على الهيئة العليا للتفاوض لتخفيض سقف مطالبها".
وبرّر كبير المفاوضين في وفد المعارضة استقالته، بأنه "كان واضحاً وشفافاً أمام الشعب السوري، ومصرّاً مع باقي أعضاء الهيئة العليا ووفد المعارضة على تحقيق انتقال سياسي لا وجود لبشار الأسد ورموز نظامه فيه، وبيّن في مرات عدة، أن المفاوضات إلى ما لا نهاية هي ضرب من العبث بمصير الشعب السوري". ودعا علوش وهو ممثل "جيش الإسلام"، أكبر فصائل المعارضة المسلحة في غوطة دمشق الشرقية، في الهيئة العليا للمفاوضات، "الفصائل الثورية والجيش الحر وكافة القوى السياسية إلى التوحد ورص الصفوف، على اعتبار أنها الطريق الوحيد لتحقيق النصر". وتمنى على الهيئة العليا للمفاوضات أن "تواصل تمسكها بثوابت الثورة، وأن تكون نواة لتوحيد الصفوف، وليس المفاوضات فحسب".
مع العلم أن مصدراً مطلعاً أكد لـ"العربي الجديد"، أن "ضغوطاً أميركية وروسية مورست على الهيئة، لإبعاد محمد علوش عن واجهة التفاوض، في خطوة باتجاه الانفتاح على معارضتي موسكو والقاهرة، لضمّ شخصيات منها إلى الوفد المفاوض في إطار توسيع مشاركة المعارضة في مفاوضات جنيف المتوقفة منذ 18 إبريل/نيسان الماضي، بسبب تعليق المعارضة السورية مشاركتها نتيجة رفض نظام الأسد الالتزام بالقرارات الدولية، وتحديداً تلك المتعلقة بتحسين الظروف الإنسانية، والتي نصّ عليها قرار مجلس الأمن 2254، ومن المتوقع أن تدعو الأمم المتحدة إلى جولة رابعة من المفاوضات منتصف الشهر المقبل". وكشف المصدر أن "البحث جارٍ عن شخصية تُعتبر مهادنة، لتحل محل علوش في الوفد المفاوض"، مرجحاً استبدال الزعبي أيضاً بشخصية سياسية قبل الخوض في جولة جديدة من التفاوض.
أما الزعبي، الذي نفى أمس، الأنباء التي ترددت عن استقالته، أكد أنه "جرى تداول أمر استبداله خلال اجتماعات الهيئة الأخيرة في الرياض، التي انتهت مساء السبت"، في ما بدا أنه تمهيد لقرار استقالته أو إبعاده. ولفت الزعبي في حديث تلفزيوني إلى أن "الجميع في خدمة الثورة السورية"، معتبراً أن "قرار إبعاده عن رئاسة الوفد التفاوضي لم يتخذ بعد".
كما كشف الزعبي أنه "أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات قبل تعليق مشاركتها في الجولة الثالثة الشهر الماضي نيّته ترك رئاسة الوفد، فوفد المعارضة يذهب إلى المفاوضات كي يستجدي العالم حقوق شعبنا، ولا نحصل على شيء". مع ذلك لم ينف الزعبي احتمال الاستقالة في الأيام المقبلة مع اقتراب موعد الجولة المقبلة.
وكان الزعبي قد عمد بعد إعلان علوش عن استقالته إلى كتابة سلسلة تغريدات على حسابه في موقع "تويتر" وجّه فيها الانتقادات للمجتمع الدولي تجاه التعاطي مع الملف السوري. وأشار الزعبي إلى أن "أميركا بدأت تكشف عن أنيابها بشكل واضح، ومجلس الأمن بدأ يشيح بوجهه عن قراراته التي أصدرها"، مضيفاً أنه "في الجولة الأولى من المفاوضات كان لدينا 6 مناطق محاصرة، أما اليوم فباتت 18 منطقة. وكان لدينا 200 حالة وفاة جوعاً، أما اليوم فبلغ عدد الوفيات أكثر من 400 شخص، فأين المجتمع الدولي؟".
وعلى الرغم من أهمية هذه التطورات إلى أنه لم يصدر حتى مساء أمس الإثنين أي تعليق رسمي من فصائل الجيش السوري الحر على استقالة علوش، لكن المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد، يؤكد أن "قيادة الجيش طلب توضيحات من علوش والزعبي للإحاطة بخلفيات ما جرى". ويشير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "لا يوجد تأييد من قبل الجيش الحر لاستقالة علوش"، معتبراً نفسه "بحكم المستقيل من عضوية الفريق التفاوضي الاستشاري في حال قُبلت استقالة علوش والزعبي".
من جهته، ينفي نائب رئيس "الهيئة العليا للمفاوضات" يحيى القضماني، إمكانية أن "تؤثر استقالة علوش على عمل الهيئة"، إذ قال في منشور على صفحته على موقع "فيسبوك"، "نحن متماسكون، ولن نكذب على شعبنا ولن نتنازل عن حقوقه في تحقيق أهداف ثورته".
ولفت القضماني إلى أنه "منذ انتهاء الجولة الأخيرة ودخول المفاوضات مرحلة الانتقال السياسي، كان الأمر طبيعياً أن تتم عملية التغيير من دون أي تشنج، أو بلبلة من أحد".
وأضاف أن "علوش قدّم رسالة لإعفائه من الدور الذي كلّف به كبيراً للمفاوضين، وشكره الجميع على إخلاصه للعمل الذي قام به". ولفت إلى أنه "تمّ الاتفاق على إجراء عملية تشاور حول القيادة الجديدة للوفد خلال الأسبوعين المقبلين، على أن يبقى الأمر داخل الهيئة حتى اختيار المرشحين وإعلان ذلك رسمياً، ولكن للأسف تمّ التسريب من أحدهم".
في غضون ذلك، يرى المحلل السوري المتخصص في الشأن الروسي، محمود الحمزة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "استقالة علوش تندرج في سياق التنازلات أمام ضغط روسي أميركي". ويعتبر أن "معارضة القاهرة مقبولة أما المعارضة المقربة من موسكو فمفبركة"، على حد وصفه. ويتمنّى الحمزة على الهيئة العليا للمفاوضات عدم "التنازل عن مبدأ رحيل بشار الأسد وأركان حكمه عن السلطة في سورية، وأن تتمسك بمبدأ تشكيل الهيئة الانتقالية بصلاحيات كاملة"، مبدياً خشيته مما أسماها صفقة أعدتها روسيا والولايات المتحدة، وقد تكون معهم دول إقليمية للالتفاف على الثورة السورية، فيتم استبدال بشار الأسد بشخصية أخرى، ويبقى النظام".
ويعرب الحمزة عن اعتقاده بأن "تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عقب اجتماع مجموعة الدعم الدولية في 17 مايو/أيار الحالي، بأن بداية شهر أغسطس/آب هي بداية المرحلة الانتقالية، ليست من فراغ، بل مبنية على اتفاق مع روسيا، ودول المنطقة"، مضيفا أن "هدف إسرائيل تحقق بتدمير الجيش والمجتمع السوريين. وأعتقد أن إسرائيل هي موجّه القوى الدولية في الملف السوري".