لم تكن صادمة فقط تلك الصور القاسية التي بثها التلفزيون الجزائري من أرشيف المجازر والسنوات الحمراء والمرحلة الدامية التي شهدتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، لكنها تثير أيضاً جدلاً واسعاً وتطرح أكثر من سؤال حول "جرأة" التلفزيون الحكومي في بث صور تصنّف عادة في العرف الأخلاقي للقنوات التلفزيونية بـ"الصور المحرّمة التي لا تبث"، أو على الأقل يُنبّه قبل بثّها صوتاً أو كتابة بأنها "قاسية".
وتتعدد التفسيرات لهذا التطور، بما في ذلك إعراب البعض عن اعتقاده أن السلطات الجزائرية لجأت إلى استخدام أرشيف سنوات الدم والإرهاب لتحقيق أهداف عدة، بينها ترهيب الجزائريين من مغبة الانسياق وراء دعوات الغضب والثورة ضد النظام، وردع الاحتقان الشعبي بسبب الفساد والإفلاس المالي الذي أقرّت به الحكومة، فضلاً عن العجز عن استغلال أموال النفط في تحقيق منجزات اقتصادية واجتماعية تنقل الجزائر إلى مصاف الدول المتقدمة. ويضاف إلى ذلك الغموض السياسي الكبير في رأس المؤسسة الحاكمة بسبب الغياب اللافت للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي، وتمدد الكارتل المالي في مؤسسات الحكم ودوائره في البلاد.
وتتعدد التفسيرات لهذا التطور، بما في ذلك إعراب البعض عن اعتقاده أن السلطات الجزائرية لجأت إلى استخدام أرشيف سنوات الدم والإرهاب لتحقيق أهداف عدة، بينها ترهيب الجزائريين من مغبة الانسياق وراء دعوات الغضب والثورة ضد النظام، وردع الاحتقان الشعبي بسبب الفساد والإفلاس المالي الذي أقرّت به الحكومة، فضلاً عن العجز عن استغلال أموال النفط في تحقيق منجزات اقتصادية واجتماعية تنقل الجزائر إلى مصاف الدول المتقدمة. ويضاف إلى ذلك الغموض السياسي الكبير في رأس المؤسسة الحاكمة بسبب الغياب اللافت للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي، وتمدد الكارتل المالي في مؤسسات الحكم ودوائره في البلاد.
وبدا لافتاً بثّ برامج تذكر بالإرهاب ومنجز المصالحة الوطنية في ظلّ تراجع الموقف الشعبي والسياسي من حصيلة الولايات الرئاسية الأربع، والتي خلصت كل التحاليل إلى إخفاقها، بسبب العجز المالي والاقتصادي، وسوء استغلال البحبوحة المالية الكبيرة التي توفرت للسلطة وللرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الولايات الرئاسية الثلاث الأولى. وزاد ارتباط الاقتصاد الجزائري بالريع النفطي من 92 في المائة من عائدات البلاد من النفط عام 1999، إلى 98 في المائة حالياً، وسط العجز عن إحداث انطلاقة في القطاعات المنتجة للثروة كالزراعة والصناعة والسياحة.
الحملة الإعلامية الرسمية وإعادة بث صور المجازر الدامية، مع القساوة التي تجاوزت العرف الأخلاقي المهني، تطرح سؤالاً حيال تجاوز السلطة والتلفزيون الرسمي تدابير قانون المصالحة الوطنية، الذي تنصّ إحدى مواده على منع إعادة الخلط في جراح الأزمة أو اثارة ما يمكن أن يحفّز الأحقاد والآلام على البروز مجدداً. مع العلم أن المؤسسة السياسية عملت عبر قانون المصالحة الوطنية على تجاوز هذا الوضع وخلق حالة من التسامح لحين تناسي هذه الآلام.
ويبدى مراقبون اعتقادهم بأن "السلطة فقدت أدوات الدفاع عن منجزاتها، ما اضطرها للعودة إلى استخدام الخوف ومشاهد الإرهاب، لإقناع الجزائريين بمنجزاتها السياسية". ويعلّق القيادي في حركة "مجتمع السلم"، أستاذ الاعلام والعلوم السياسية، عبد الله بن جمعية، على ما حدث بأنه "انزلاق خطير". ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "الصور الصادمة التي بثّها التلفزيون الحكومي تطرح بالتأكيد أكثر من سؤال عن توقيت بثها من قبل القناة العامة، التي لا تنشر من تلقاء نفسها أو باجتهاد من مسؤوليها".
اقــرأ أيضاً
ويبدى بن جمعية اعتقاده بأن "مسؤولي القناة لم يكونوا ليتجرأوا على هكذا خطوة من دون ضوء أخضر". وفيما يؤكد أن ما جرى يعد "بكل المقاييس، انزلاقاً خطيراً في توقيت حسّاس"، يشير إلى أنه "يجب على التلفزيون تقديم تفسير (لما حدث)". ويتساءل "هل يُعقل بثّ صور صادمة عن العشرية السوداء في ذكرى ميثاق السلم والمصالحة؟ وما الهدف من إعادة فتح الجروح التي بالكاد استطاع الجزائريون نسيانها أو تناسيها بالمفهوم الدقيق".
ويشير بن جمعية إلى أنه "إذا كانت السلطة تعتقد بأنها بصدد إخفاء إخفاقاتها الاقتصادية والاجتماعية، أو إلهاء للجزائريين من عودة الفوضى الأمنية بعدما وصل السكين إلى العظم، حسبما قال رئيس الحكومة أحمد أويحيى، فإنها مخطئة في تقديرها".
ولا تفصل بعض التحاليل السياسية حملة الدعاية الإعلامية الرسمية للدفاع عن منجزات الرئيس بوتفليقة في شقها الأمني عبر المصالحة الوطنية، أو في شقها الاجتماعي عبر التذكير بمشاريع السكن والتعليم والصحة أو بمشاريع البنية التحتية كالطرق والجسور والسكك الحديدية، عن سياقات سياسية حالية في المشهد الجزائري في الوضع الراهن.
ويرى المحلل السياسي صالح سعودي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "بث هذه الصور الدامية في هذا الوقت بالذات يترك الكثير من التساؤلات، ويطرح علامات استفهام حول نية السلطة وطبيعة الرسالة التي تريد تمريرها. كما تطرح الفرضيات حول الرئاسيات المقبلة، خصوصاً في ظل الحديث المستمر حول شغور منصب رئيس الجمهورية، بموازاة الحالة الصحية للرئيس، والمطالبة بتطبيق وتفعيل المادة 102. وهو الأمر الذي جعل الجهات النافذة في البلاد تطلق تحذيرات بأثر رجعي، وذلك بالرجوع إلى صور الخراب والدمار التي ذهب ضحيتها الجزائريون في التسعينات، لتوظيفها من باب الترهيب ونحن في عام 2017".
ويعتبر سعودي أن "المؤسسة السياسية تجاوزت البعد الأخلاقي في توظيف المؤسسة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية للدفاع عن منجزات لم تكتمل على الأرض، بسبب إخفاقات جوانب متصلة بها". ويرى أن "السلوك يصنّف في خانة المتاجرة بصور ضحايا المأساة الوطنية، عاكساً حالة التخبط التي يمرّ بها أصحاب الحل والربط، في إطار إيجاد طبخة سياسية تسمح لهم بهز كيان الرأي العام بغية حشده وفق ما يتم برمجته تمهيداً لمرحلة ما بعد العهدة الرابعة".
اللافت في الفترة الأخيرة عودة السلطة إلى الاستثمار في "الإرهاب والبعد الأمني"، لإثبات حضورها وتمكنها من التحكم في زمام الأوضاع واستدرار العواطف. كما أن رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى عاد في خطاباته إلى الحديث عن فترة الإرهاب والمنجز الأمني للسلطة والجيش.
ويدرج المحلل السياسي رياض بوخدشة، الدعاية الإعلامية التي قام بها التلفزيون الحكومي لـ"صالح منجز المصالحة الوطنية، واستغلال الصور الصادمة من أرشيف التلفزيون عن العشرية السوداء، في سياق محاولة السلطة إقناع الجزائريين أن الوضع الراهن بكل مساوئه الاقتصادية والاجتماعية، هو أفضل من الوضع السابق في العشرية الدامية التي سبقت تسلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم عام 1999".
ويضيف بوخدشة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السلطة تريد أن تقول للجزائريين إنه ليس مهماً فشلها في تحقيق تنمية اقتصادية بالبلد، فمهما كان الوضع فلن يكون أسوأ من سنوات الدم والدمار"، مشيراً إلى أن "الرسالة تبقى غامضة لدى الشعب لأن من نعتناهم بالأمس بالإرهاب وجدناهم يستفيدون من المصالحة. والخاسر الأكبر حتى اليوم هو الشعب، فالمواطن ما زال يشعر بالخوف من المستقبل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والطمأنينة التي وعد بها الجزائريون لا تزال مفقودة مع الأسف، وهو الشعور الذي نحياه يومياً".
اقــرأ أيضاً
ويبدى مراقبون اعتقادهم بأن "السلطة فقدت أدوات الدفاع عن منجزاتها، ما اضطرها للعودة إلى استخدام الخوف ومشاهد الإرهاب، لإقناع الجزائريين بمنجزاتها السياسية". ويعلّق القيادي في حركة "مجتمع السلم"، أستاذ الاعلام والعلوم السياسية، عبد الله بن جمعية، على ما حدث بأنه "انزلاق خطير". ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "الصور الصادمة التي بثّها التلفزيون الحكومي تطرح بالتأكيد أكثر من سؤال عن توقيت بثها من قبل القناة العامة، التي لا تنشر من تلقاء نفسها أو باجتهاد من مسؤوليها".
ويبدى بن جمعية اعتقاده بأن "مسؤولي القناة لم يكونوا ليتجرأوا على هكذا خطوة من دون ضوء أخضر". وفيما يؤكد أن ما جرى يعد "بكل المقاييس، انزلاقاً خطيراً في توقيت حسّاس"، يشير إلى أنه "يجب على التلفزيون تقديم تفسير (لما حدث)". ويتساءل "هل يُعقل بثّ صور صادمة عن العشرية السوداء في ذكرى ميثاق السلم والمصالحة؟ وما الهدف من إعادة فتح الجروح التي بالكاد استطاع الجزائريون نسيانها أو تناسيها بالمفهوم الدقيق".
ويشير بن جمعية إلى أنه "إذا كانت السلطة تعتقد بأنها بصدد إخفاء إخفاقاتها الاقتصادية والاجتماعية، أو إلهاء للجزائريين من عودة الفوضى الأمنية بعدما وصل السكين إلى العظم، حسبما قال رئيس الحكومة أحمد أويحيى، فإنها مخطئة في تقديرها".
ويرى المحلل السياسي صالح سعودي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "بث هذه الصور الدامية في هذا الوقت بالذات يترك الكثير من التساؤلات، ويطرح علامات استفهام حول نية السلطة وطبيعة الرسالة التي تريد تمريرها. كما تطرح الفرضيات حول الرئاسيات المقبلة، خصوصاً في ظل الحديث المستمر حول شغور منصب رئيس الجمهورية، بموازاة الحالة الصحية للرئيس، والمطالبة بتطبيق وتفعيل المادة 102. وهو الأمر الذي جعل الجهات النافذة في البلاد تطلق تحذيرات بأثر رجعي، وذلك بالرجوع إلى صور الخراب والدمار التي ذهب ضحيتها الجزائريون في التسعينات، لتوظيفها من باب الترهيب ونحن في عام 2017".
ويعتبر سعودي أن "المؤسسة السياسية تجاوزت البعد الأخلاقي في توظيف المؤسسة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية للدفاع عن منجزات لم تكتمل على الأرض، بسبب إخفاقات جوانب متصلة بها". ويرى أن "السلوك يصنّف في خانة المتاجرة بصور ضحايا المأساة الوطنية، عاكساً حالة التخبط التي يمرّ بها أصحاب الحل والربط، في إطار إيجاد طبخة سياسية تسمح لهم بهز كيان الرأي العام بغية حشده وفق ما يتم برمجته تمهيداً لمرحلة ما بعد العهدة الرابعة".
ويدرج المحلل السياسي رياض بوخدشة، الدعاية الإعلامية التي قام بها التلفزيون الحكومي لـ"صالح منجز المصالحة الوطنية، واستغلال الصور الصادمة من أرشيف التلفزيون عن العشرية السوداء، في سياق محاولة السلطة إقناع الجزائريين أن الوضع الراهن بكل مساوئه الاقتصادية والاجتماعية، هو أفضل من الوضع السابق في العشرية الدامية التي سبقت تسلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم عام 1999".
ويضيف بوخدشة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السلطة تريد أن تقول للجزائريين إنه ليس مهماً فشلها في تحقيق تنمية اقتصادية بالبلد، فمهما كان الوضع فلن يكون أسوأ من سنوات الدم والدمار"، مشيراً إلى أن "الرسالة تبقى غامضة لدى الشعب لأن من نعتناهم بالأمس بالإرهاب وجدناهم يستفيدون من المصالحة. والخاسر الأكبر حتى اليوم هو الشعب، فالمواطن ما زال يشعر بالخوف من المستقبل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والطمأنينة التي وعد بها الجزائريون لا تزال مفقودة مع الأسف، وهو الشعور الذي نحياه يومياً".