ولا يخفى على أحد التواطؤ بين الرجلين، الذي عبّرت عنه بشكل واضح صورةُ ماكرون وهو يضع يده على ساق ساركوزي. ثم تصريح لساركوزي يقول فيه إنه يقدم الاستشارة للرئيس الفرنسي من دون أن يكون مستشاراً.
الاستجابة لدعوة من الرئيس الحالي شيءٌ طبيعيّ، ولكن الذي يطرح أسئلة هو القرب والتواطؤ بين الرجلين؛ وهو وقعٌ صعبٌ بل صادمٌ بالنسبة لمناضلي حزب "الجمهوريون"، الذي لا يزال ساركوزي فعّالاً ومؤثراً فيه، رغم حرص رئيسه الحالي آلان فوكييز على قطع حبل السرّة الذي ربطه يوماً بساركوزي.
وهذا التأثير الذي يمارسه ساركوزي قويٌّ وملموسٌ، إلى درجة أنه فرض كثيراً من أنصاره في مكتبه السياسي، وفي صدارة لائحة الحزب للانتخابات الأوروبية، ومن بينهم بريس هورتوفو ونادين مورانو وآخرون.
وهذا القلق الذي يعبّر عنه أنصار حزب "الجمهوريون"، من تقارب ساركوزي وماكرون، يزداد حدة لدى منتخبي الحزب ونوابه، الذين كانوا يتصورون أن ساركوزي ينتمي إليهم بشكل حصري.
ولكن رئيس الجمهورية الأسبق له أجوبته على كل تساؤلات وقلق أنصاره وأعضاء حزبه، فهو يرى أن الأمر لا يتعلق سوى باستجابة لدعوة رئاسية، الهدف منها إحياء ذاكرة المقاومين الفرنسيين.
ويشدد ساركوزي في لقاء له مع منتخبين من حزب "الجمهوريون"، على أنه ليس فقط رئيساً سابقاً لحزب سياسي، بل إنه أيضاً رئيس جمهورية سابق. وذكّر بأنه منذ أن أصبح رئيساً للجمهورية لم يعد رئيساً لحزب أو جماعة.
ولم يُخف ساركوزي أن خلفه ماكرون يمارس السياسة عبر دعوته له، وأكد أنه لا يستطيع أن يلومه على ذلك. والحقيقة أن ماكرون، ومنذ بداية حكمه يعامل ساركوزي بمظاهر حفاوة نادرة، فهو يتصل به بعد وفاة والدته، ويكلف الشرطة بمرافقة الموكب الجنائزي، ويطلب من ولاة الأمن باستقباله بكل مظاهر الحفاوة والتشريف، أثناء تنقلاته، وحتى من سفارات فرنسا في الخارج لتسهيل جولاته، بل أرسله ماكرون ليمثّل فرنسا في مراسيم تمثيل رئيسة جورجيا الجديدة.
ولا شك بأن الرئيس الأسبق ممزَّقٌ بين حريته، رئيساً لجمهورية سابقاً، وبين التقدير الذي يُكنّه له كثير من المتعاطفين مع اليمين، إلى درجة أن البعض لا يزال يرى فيه المنقذ الذي قد يعود للسياسة، وهو ما دفعه لطمْأنة نواب "الجمهوريون" بأنه مستعد لمساعدتهم كلما كان ذلك ممكناً.
ولا يراهن ساركوزي على المدى القصير، فقد طالب نواباً من "الجمهوريون" بأن يعملوا على المدى المتوسط، وأن يعثروا على مكان لهم في الساحة السياسية بين ماكرون وبين اليمين المتطرف.
سيقول البعض إن التقارب بين ساركوزي وماكرون شيءٌ طبيعيّ، فالرئيس ماكرون يمينيٌّ ويطبق سياسات اليمين، في نهاية المطاف، رغم لاَزمته "لا من اليمين ولا من اليسار، أو منهما معاً" باعتراف قياديين كثر في حزب "الجمهوريون"، منهم فرانسوا كوبي وهو يميني أيضاً، وهو ما دفع قيادات يمينية بل تيارات يمينية للحاق به وبمشروعه، كما فعل أنصار ألان جوبيه ورافاران. ولكن ساركوزي، الذي لا يخفي إعجابه بمظاهر التكريم والبذخ، يمتلك دائماً حرية الكلام التي قد تصل أحياناً إلى جرح وصدم أصدقاء وحلفاء. ولعلّ آخرها وقوفه بقوة إلى جانب رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان، القومي والشعبوي في ندوة حول الهجرة، ووصفه لهذا الأخير بـ"أوربان، صديقي".
ربما نسي الكثيرون أن ماكرون، الذي يحترس من انتقاد زعماء أجانب، صرّح يوم 29 أغسطس/ آب 2018، بأنه سيكون "المعارض الرئيسي" لأوربان ولزعيم اليمين المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني، مؤكّداً "لن أتخلى عن شيء للقوميين الذين يدافعون عن خطاب كراهية". وهو ما ردّ عليه أوربان بوصف ماكرون بأنه زعيم "القوى الموالية للهجرة".
تقارب ماكرون وساركوزي يتجاوز البعد الحزبي، ويمتح من فضاء عالَم السياسة الواسع والمفتوح على كل الاحتمالات والتوقعات.