اختراع عدو وهمي

25 يونيو 2020
بات التطبيع مساراً لبعض الأنظمة (أشرف عمرا/الأناضول)
+ الخط -
من بين قضايا كثيرة في تخبّط السياسة الرسمية العربية، يجد الشارع العربي نفسه أمام خطاب منسّق يقول إن "تركيا عدو العرب الأخطر"، فتستدعى لمجابهته "جامعتهم" في اجتماع طارئ، وليس لمواجهة مخططات المحتل الإسرائيلي في التهويد وضم أراضي الضفة الغربية. صارت أنقرة، عند تحالف الاستبداد، تتفوق بمراتب على كذبة "العدو الإيراني"، والتطبيع الفضائحي مع الاحتلال.

في زحمة ذلك التخبّط، ينسى "ممانعو 2020" أن وريث الدكتاتورية في الشام، بشار الأسد، فتح أبواب سورية أمام تركيا. كما يتناسون أنه حتى بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في العام 2005، كان الأسد منهمكاً بمفاوضة الاحتلال الإسرائيلي بوساطة تركية. ويتغافلون عن إطلاقهم في بيروت وصلات الشكر "للطيب" (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان)، كما سماه الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بعد "حرب تموز" 2006.

منذ الثورة السورية في 2011 تحوّلنا من خطاب "الأشقاء الأتراك" إلى "العدو العثملي" في الشام، على الرغم من أن قصر المهاجرين ظل مفتوحاً أمام وزير خارجية أنقرة حينها، أحمد داود أوغلو، ومبعوثين أمنيين، لمناقشة "الإصلاحات" والاستفادة "من تجربة تركيا".
تناوُل الموضوع هنا ليس دفاعاً عن تركيا، بل عن المنطق. فمن حق الناس، من المحيط إلى الخليج، أن تكون لهم ملاحظاتهم وانتقاداتهم على سياسات تركيا، وأنظمة حكمها. لكن المخزي، في شعبوية السياسة والإعلام، الذهاب مع الكثير من الشتائم العنصرية، للتفتيش عن اسم شارع وسجادة تركية في مسجد ما.

إذا كانت سياسة شعار "مسافة السكة" للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم تحرك ساكناً أمام تدخلات طهران ومليشياتها الدموية في سورية وغيرها، فبالتأكيد اختراع عدو وهمي كتركيا، التي عُدت يوماً حليفاً وعمقاً للرياض، لن يُنتج سوى إعادة معزوفة مشروخة، خاضعة دائماً للمساومة والابتزاز.

أمور مخزية كثيرة ترافق دونية المستبدين، كتكديس خردة سلاح غربي وروسي طلباً للرضا، فيما الناس لا يجدون قُوتهم. وفي "سورية الأسد"، يتحوّل الخزي إلى مادة يومية، بقصف احتلالي منسّق مع "المُشغل الروسي". أخيراً، من المثير للسخرية في سياق استعداء تركيا، استحضار الجوقة لـ"العلاقة الإسرائيلية-التركية"، فيظن المتلقي أنه أمام معسكر "ممانعة ومقاومة" في أبوظبي والقاهرة والرياض، فيما لم تعد مفردة التطبيع كافية لوصف علاقات قادة هذه الدول بتل أبيب.
المساهمون