اعتبر كتاب الرأي والأعمدة في الصحف الإسرائيلية اليوم الأربعاء، أن اتفاقيتي التطبيع اللتين تم توقيعهما أمس الثلاثاء في البيت الأبيض، تمثلان عملياً، نهاية الصراع العربي - الإسرائيلي، مع الإبقاء على النزاع مع الفلسطينيين، وهو تعبير مخفف لإزاحة الأنظار عن واقع استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وجاءت المقالات لتعكس المواقف المسبقة لهؤلاء الكتاب بحسب انتماءاتهم ومواقفهم السياسية.
ورأى صحافيون وكتاب محسوبون على اليسار، مثل نوعا لنداو في "هآرتس"، أن الاتفاق على أهميته، ينهي عملياً أي حرب بالرغم من أنه بحسب الاستعدادات والمشاهد التي سادت البيت الأبيض وحديقته، كان يمكن لها أن توحي لكائن فضائي لو حطّ أمس في حديقة البيت الأبيض، أن الحديث يدور عن إنهاء حرب دموية وطويلة الأمد، لكن في الواقع أين ومع من، أو بين من كانت هذه الحرب، بالتأكيد لم تكن مع دول الخليج.
ضوء أخضر سعودي
في المقابل، فإن كتاب الأعمدة من اليمين هلّلوا للاتفاق باعتباره يبشر بشرق أوسط جديد، وفق العنوان الرئيسي الذي اختارته صحيفة "يسرائيل هيوم". وقد كتب رئيس تحرير الصحيفة بوعز بيسموط، المعروف بآرائه اليمينية وإخلاصه لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، علماً بأنه شغل سابقاً منصب سفير إسرائيل في موريتانيا، كتب يقول: "أردنا شرقا أوسط جديدا - وحصلنا على شرق أوسط جديد. لكن أمس في سبتمبر 2020، وليس آنذاك في سبتمبر 1993، أو في تلك الأيام النازفة من سنوات التسعين، حيث ذروا لنا الرمال في العيون، وقصّوا علينا أن السلام يمرّ أولاً وقبل كل شيء عبر دولة فلسطينية، والكثير من الانسحابات من أرض الآباء، فيما كانت تنفجر الحافلات، وحتى جوائز نوبل المختلفة (وبضمنها لياسر عرفات) لم تتمكن من إخفاء الخدعة".
رأى صحافيون وكتاب محسوبون على اليسار، مثل نوعا لنداو في "هآرتس"، أن الاتفاق على أهميته، ينهي عملياً أي حرب
ومضى بيسموط يقول: "لقد وقعت دولة إسرائيل أمس على اتفاق تاريخي مع الإمارات المتحدة، هذه الدولة الأكثر تطوراً اليوم في العالم العربي، ومع جارتها في الخليج البحرين، الدولة الحليفة للسعودية. يجب أن تكون ساذجاً حقاً كي لا تفهم أن السعودية منحت ضوءا أخضر لهذا الاتفاق، بل إنها في الطريق للانضمام، وهي تدفن المبادرة العربية من العام 2002. لقد أعلن الرئيس ترامب أن دولتين وربما 5-6 دول عربية أخرى ستنضم للاتفاقيات، هذا أمر مذهل، وليس أقل من ذلك. الصراع العربي الإسرائيلي كما عرفناه منذ قيامنا كأمة سيادية يتغير أمام أعيننا".
وبحسب بيسموط، فإن الرئيس ترامب هو الذي عثر على المعادلة التي مكنت ذلك، وقد تكون توفرت لسابقيه لكنهم امتنعوا عن ذلك.
وفي السياق الحزبي الداخلي، كتب بيسموط: "قد يكون رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، صدق في كتابه قبل 25 عاماً "مكان تحت الشمس"، والذي تنبأ فيه بسلام مع العالم العربي المعتدل، وصدق في فكرة أن السلام يأتي من القوة، ألم يتعرض لهجمات وضربات من الإعلام، من المعارضة، من لم يهاجمه؟ يبدو أن الجمهور الإسرائيلي لم يكن غبياً عندما منحه المرة تلو الأخرى الثقة، ونعم لنتنياهو ميراث يتركه".
"واقع مغاير"
وعلى منوال الحديث عن شرق أوسط جديد ونهاية الصراع العربي الإسرائيلي، نسج أيضاً بن درور يميني، في "يديعوت أحرونوت" معلناً تحت عنوان "واقع مغاير"، أن "الصراع العربي الإسرائيلي يحتضر منذ سنوات طويلة، لكن أمس أعلنت وفاته. في المقابل فإن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال حياً وقائماً. يمنع الاستهانة به، إذ يصر الفلسطينيون على إبقائه، أما الدول العربية فتدع فقط "ضريبة كلامية" (وهو تعبير عبري يقصد به معسول الكلام) ليس أكثر. أهلاً وسهلاً بكم في الشرق الأوسط الجديد.
ومضى بن درور يميني يقول، إن "إسرائيل عرفت لحظات أكثر تأثراً وانفعالاً في علاقاتها مع الدول العربية، مثلما كان الحال عند هبوط طائرة السادات في إسرائيل وعند التوقيع على اتفاق أسلو. حصلنا على سلام بارد مع مصر والكثير من العنف من جانب الفلسطينيين. اتفاق الأمس هو قصة أخرى. فهو يعكس التغييرات في العالم العربي في العقدين الأخيرين، وهو يعكس أيضاً، كما ذكرتنا أمس رشقات الصواريخ من غزة خلال خطاب وزير خارجية الإمارات المتحدة، واقع الانقسام في العالم العربي".
حاول المحلل بن كسبيت، التقليل من دلالات الاتفاقيات أمس، ليعلن أن الاتفاق عملياً هو استمرار لاتفاق أوسلو
وتابع: "لقد نشأ ائتلافان، أحدهما يؤيد الجهاد والإخوان المسلمين والحركات الإسلامية، مقابل تحالف ملّ العنف. من جهة إيران وتركيا و"حماس"، ومن جهة ثانية غالبية الدول العربية. قبل ثلاثين عاماً أيّد الفلسطينيون صدام حسين ضد غالبية الدول العربية، واليوم يؤيدون مجدداً محور العنف".
ورأى أن "الاتفاق الذي وُقّع أمس، هو إنجاز هائل لنتنياهو، لحظة هدوء وراحة على خلفية الفشل في مواجهة جائحة كورونا، والإجراءات القضائية والمحكمة المقبلة. ولكنه ليس إنجازاً لنتنياهو وحده، هذا هو إنجاز لدولة إسرائيل، لأن وقف الضم هو مصلحة قومية. من المحتمل أن يكون الجانب السري في الاتفاق قد تحدث عن تجميد الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية، وإذا تم ذلك فهذا انجاز ثانٍ لدولة إسرائيل، ربما توقف الاتفاقيات التي وقعت أمس الزحف نحو واقع دولة ثنائية القومية، إن شاء الله".
أما الكاتبة، سيما كدمون، فاعتبرت في تعليق لها في "يديعوت أحرونوت"، أن الاتفاق يترك في الفم عملياً طعماً "حامضاً حلواً" . وكتبت تقول: "ربما هذا ليس سلام الشجعان - فلم يكن مطلوباً هنا شجاعة حقيقية - ولكنه أيضاً ليس سلام "الحامضين" (وهو تعبير أطلقه نتنياهو على اليسار في إسرائيل) إذ كيف يمكن عدم مباركة اتفاق سلام، وإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية، أياً كانت التسمية التي ستطلق على ذلك مع دولتين عربيتين. اتفاقيات السلام هي أمر مرحب به دائماً، مع ذلك فإن التصريحات الرنانة عن شرق أوسط جديد ينبغي تركها لأزمان أخرى، لاتفاقيات أخرى، لشعوب أخرى. لدول توجد بيننا وبينها حروب، وليس دول نقيم معها نوعا من العلاقات منذ عشرات السنين".
في المقابل، حاول المحلل بن كسبيت (المعروف بخلافه الشخصي مع نتنياهو)، التقليل من دلالات الاتفاقيات أمس، ليعلن أن الاتفاق عملياً هو استمرار لاتفاق أوسلو، وأن نتنياهو "وقّع أمس على اتفاقية استمرارية لأوسلو، واعترف مجدداً بحلّ الدولتين. تراجع عن نيته ضم مناطق من الضفة الغربية، وجمّد البناء في المستوطنات، ومقابل هذا فإنه لم يوقف حرباً. لأنه لم تنشب في الماضي على الإطلاق أي حرب مع الخليج، لكنه دسّ أصبعه في عيون من لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة (في إشارة لتعبير صكه وزير خارجية الاحتلال الأسبق أبا إيبان في تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن استمرار الصراع)، أولئك الأطفال المزعجون في الحي الذين يقومون دائماً بتخريب الاحتفال: الفلسطينيون. وقد حافظوا أمس على سمعتهم هذه وأطلقوا قذائف باتجاه أسدود في أوج اللحظة الاحتفالية في البيت الأبيض، للقول: أنتم تحتفلون في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، ونحن بدورنا سنُدخل جنوب إسرائيل للملاجئ".
ومع ذلك، فقد خلص بن كسبيت إلى القول إنه على الرغم من أن الحديث لا يدور عن اتفاق سلام بمعناه اللفظي، إلا أن لهذه الاتفاقيات قدرة هائلة في التأثير التاريخي، فإذا كان هذا هو الاتجاه الذي يسير فيه العالم العربي المعتدل، فعلينا أن نأمل بأن يؤدي ذلك يوماً ما إلى تغيير الموقف عند الفلسطينيين، إذ إننا للأسف لا يمكننا استبدال الفلسطينيين بإماراتيين، أو بحرينيين أو لوكسمبورغيين، فنحن عالقون معهم هنا، وأمس اختبر ذلك على جلودهم مرة أخرى سكان أسدود وعسقلان". وقال إن حقيقة تصدع السور العربي، ونجاح إسرائيل بتقويض العقيدة الفلسطينية والتي تقول بأنه فقط حلّ القضية الفلسطينية سيجلب التطبيع، فإن من شأن هذه الحقيقة أن تساعد الجيل القادم للقيادة الفلسطينية كي تدرك أنه حان وقت ترك الأحلام والارتباط بالواقع.