ومع عودة الهدوء للمناطق التركية وفتح الحدود البرية بين البلدين، واستئناف حركة الناقلات عبرها، نفى مكتب محافظة أذربيجان الشرقية في إيران المحاذية للحدود مع تركيا أن تكون القوات الإيرانية قد أرسلت أي تعزيزات جوية إلى مدينة تبريز، يوم الجمعة، تخوفاً من نجاح الانقلاب ومن أي تحركات قد تصل شرارتها لإيران. وأرسلت طهران أكثر من عشرين طائرة مدنية للمطارات التركية لنقل أكثر من عشرة آلاف سائح إيراني عالقين هناك، بعدما دعت السفارة الإيرانية في أنقرة رعاياها لمغادرة الأراضي التركية.
وعقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف جلسة سرية مع نواب البرلمان الإيراني، أمس الأحد، نقلت المواقع الرسمية الإيرانية أنّه قدم خلالها تقريراً عن التطورات في تركيا. وأكد الوزير على دعم إيران للحكومة التركية. وجاء ذلك، بعدما اتصل ظريف بنظيره التركي مولود جاووش أوغلو، مرتين، منذ بدء المحاولة الانقلابية الفاشلة. وكتب ظريف في تغريدة على صفحته الرسمية على موقع "تويتر"، أول من أمس السبت، أن "دفاع الأتراك بشجاعة عن الديمقراطية ووقوفهم إلى جانب رئيسهم وحكومتهم الشرعية أثبت أنه لا مكان لسيناريوهات الانقلابات العسكرية في المنطقة"، معتبراً أنها محكومة بالفشل.
بدوره، قال الرئيس السابق للدائرة العربية والأفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، أمس الأحد، إن "رئيس النظام السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيسان شرعيان لبلديهما" على حد زعمه. وفي حوار مع تلفزيون العالم الإيراني، اعتبر عبد اللهيان أن الانقلابات العسكرية والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وأنها إضافة للصهيونية، هي سمّ مهلك يهدد المنطقة ويزعزع أمنها وأمن العالم برمته، واصفاً من قاموا بهذه المحاولة الانقلابية بـ"العناصر الخائنة المدعومة من الخارج".
في المقابل، لم يتوانَ البعض عن توجيه انتقادات لأردوغان الذي لطالما أثار استياء المسؤولين في الداخل الإيراني بسبب وقوفه ضد الأسد في سورية، فكتب أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، على صفحته عبر موقع "إنستغرام"، إنه "لو استمر أردوغان بالابتعاد عن شعبه لكان قدراً آخر في انتظاره اليوم". واعتبر أن "التقارب مع الولايات المتحدة لا يمكن أن يجلب أي ضمانات لأي حكومة ذات ميول إسلامية".
وصبّت تصريحات المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، حسين بيغي، في السياق ذاته. ونقلت عنه وكالة "مهر" الإيرانية قوله، إن هذا الانقلاب مشكوك بأمره، متوقعاً ارتباط السبب بعدم ارتياح أميركا للتقارب التركي ـ الروسي الأخير، واتهم واشنطن بدعم التحركات ضد أردوغان، وقال إن بعض الأطراف العربية غير مرتاحة لفشلها، رغم حديثه عن فرضية أن الرئيس التركي كان يعلم بالأمر.
أمّا بعض المحسوبين على الأطياف المحافظة، فكانوا حذرين جداً في تصريحاتهم، فلم تحظ محاولة الانقلاب بأي دعم، مع إصرار هؤلاء على ضرورة دعم هذا البلد ضد أي تحركات من هذا النوع، لكنهم حافظوا على النغمة المنتقدة لسياسات أردوغان التي لم تتغير عملياً بعد، وهي التي لا تتناغم وسياسات طهران حول قضايا محورية استراتيجية.
وفي ظل تباين الآراء، وجّهت الخارجية الإيرانية تعميماً لوسائل الإعلام يتعلق بكيفية التعاطي مع الأحداث التركية، وجاء فيه أنّه "يجب عدم إغفال واقع أن تركيا بلد مسلم، جار وصديق لإيران"، داعية لعدم التركيز على الخلاف بين طهران وأنقرة حول الملف السوري وعدم التعرض لأردوغان، بشكل شخصي. واعتبرت الخارجية أن الوضع في المنطقة يستدعي تسريع عملية إعادة الاستقرار لتركيا. وذكرت في البيان أنها تأمل أن يرتفع مستوى التعاون بين البلدين لما يصب لصالح حل أزمة سورية، مع تأكيدها على أن سلب الحكومات لمشروعيتها بهذه الطريقة أمر مرفوض من قبل إيران.
ووفقاً لمراقبين، فإنّ هذه المواقف الإيرانية تأتي بالدرجة الأولى من كون البلدين حليفين اقتصاديين وشريكين تجاريين على مستوى عال ولا يمكن لطهران الاستغناء عن هذه العلاقات أو أن تقدمها قرباناً من أجل السياسة. من ناحية ثانية، فإن طهران معنية بشكل مباشر بما يتعلق بالتحولات في الرؤية التركية إزاء ملف سورية. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أخيراً، إن بلاده معنية بتوسيع دائرة أصدقائها، وهي التي بدأت بالتطبيع مع روسيا وإسرائيل، متحدثاً عن ضرورة عودة العلاقات مع سورية أيضاً، كون تحقيق الاستقرار في هذا البلد وفي العراق ضرورياً لمكافحة الإرهاب، وهو أمر يعني طهران بالضرورة، بحسب المراقبين.
كما لا يمكن تجاهل التقارب التركي ـ الإيراني المتعلق بالمصالح المشتركة والمرتبط بالملف الكردي. فهناك تحركات حدثت، أخيراً، تبناها انفصاليون أكراد ينتمون للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما أسفر عن اشتباكات في مناطق حدودية بين إيران وكردستان العراق. كما يثير حزب "بيجاك" الكردي قلق طهران أيضاً، وهو حزب الحياة الحرة الكردستاني في إيران، جناح حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة "منظمة إرهابية". وهذا بطبيعة الحال يجعل طهران تتجه أكثر نحو أنقرة، فكلتاهما ترفضان فكرة وجود كيان كردي مستقل.