23 مايو 2017
إيران والسعودية... وسورية ثالثهما
دعونا نصف الأشياء على حقيقتِها، لكي نُزيح عن كاهلنا عناء البحث المُضني عن الوهم. منذ انتكاسة الثورة السورية، ونحن نُتابع الحرب المذهبية الطاحنة في منطقة الهلال الخصيب، وللمذاهب الدينية وأتباعها وظيفة أساسية في إمدادها بالذخيرة الأيديولوجية والمِدَاد البشري، إلا أن الحقيقة لا تحتاج إلى أكثر من تصويب النظر إليها، لاكتشاف أن هذه الحرب غدت حرباً لمصالح الكبار على أجساد المحرومين.
منذ ثلاث سنوات، وسورية تنزف بلا توقف، وكل من يحرص على سورية، شعباً ووطناً موحداً، لابد أنه، اليوم، مشغول بالتفكير في حل سريع لوقف هذا النزيف القاتل، وأفضل من قد يتحمل المسؤولية، والقيام بهذه العملية الجراحية العسيرة، الدولتان الأكبر في المنطقة، أعني السعودية وإيران. صحيح أن العلاقات بينهما شهدت انحداراً شديداً مع تفجّر الغضب العربي الذي عبأ الميادين، حيث كان لوجود الرئيس الإيراني المحافظ، محمود أحمدي نجاد، تأثير بالغ على انحدارها إلى مستوى غير مسبوق، إلا أن مبادرة وزير خارجية السعودية، سعود الفيصل، تقديم دعوة لنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، لزيارة الرياض والتفاوض معها، فتحت بارقة أمل.
يعود تاريخ العلاقات السعودية الإيرانية إلى عهد نظام الشاه بهلوي والملك فيصل 1964، حيث شهدت أول تواصل رسمي بين البلدين الجارين، وكان لطبيعة النظامين الملكيين، وتحالفهما مع أميركا ضد الحركات الاشتراكية والقومية، ومصالح الغرب في المحافظة على استقرار تدفق النفط، العامل الأكبر في تعزيز هذه العلاقة، لكن الثورة الإسلامية في إيران أعادت خلط الأوراق في المنطقة. لم يتوقع أحد في العالم أن يقوم نظام ذو صبغة إسلامية مناهض للغرب بهذه الحِدّة، كما لم تتوقع دول الخليج العربي أن تبدأ إيران الإسلامية عهدها الجديد بشعارات من قبيل "تصدير الثورة"، ما أحدث حالة اضطراب في العلاقة بين النظام الإسلامي وجيرانه.
دخلت إيران ما بعد الثورة سريعاً في حرب مع العراق، فانحازت السعودية للعراق في هذه الحرب، ودعمت صدام حسين، لتقويض النظام الثوري الذي ألهم الجماعات الشيعية على التحرك في دول الخليج. شهدت مكة المكرمة أول تصادم مباشر بين السعودية وإيران في أثناء تظاهر الحجاج الإيرانيين، في حادثة مؤلمة راح ضحيتها نحو 300 حاجّ إيراني وعدد من رجال الأمن السعودي، لكن ما أن توقفت الحرب، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان. غزا صدام الكويت، وشارف على دخول السعودية. ثم هزم في حرب الخليج الثانية، بفضل تدخل الغرب، وانكسر، لكن نظامه ظل موجوداً عنصرَ تهديد لدول الخليج، فكان لوجود عدو مشترك الفضل في تجسير الهوة بين النظامين، الإيراني والسعودي، وساعد على نجاح هذا التقارب وصول الإصلاحيين في إيران إلى الرئاسة، وفي مقدمتهم هاشمي رفسنجاني، عراب المصالحة مع السعودية في التسعينيات، فنتج عن ذلك الانفتاح تجميد الحرب الساخنة، وتكلل بزيارة وزير الداخلية السعودي السابق، الأمير نايف بن عبدالعزيز، لإيران وتوقيع الإتفاقية الأمنية مع نظيره الإيراني سنة 2001. إذن، العلاقة بين الطرفين ليست دائماً في حالة تصادم، كما يتوهم بعضهم، فقد سبق للبلدين أن تعاونا في ملفات كثيرة، تهم مصالح الطرفين، منها التهديد العراقي، والمحافظة على أسعار النفط في منظمة أوبك، واحتواء الأزمة الطائفية.
الآن، يعود الإصلاحيون في إيران إلى الواجهة، مع الرئيس حسن روحاني، في ظروف صعبة للغاية، ويعود معهم العرّاب هاشمي رفسنجاني، حيث البركان الطائفي في حالة هيجان، وحيث إيران النووية حاضرة بثقلها في المشرق العربي، بعد سقوط جدار بغداد، وحيث السعودية تقود محور الاعتدال منفردة، بعد أن فقدت الأمل في أميركا، وبعد أن انكفأت مصر حليفها الأقوى في المنطقة، ما حتّم على الرياض خلع المعطف، والنزول للمنازلة المباشرة في دمشق.
سورية اليوم هي أم المعارك. رمى كل طرف بثقله خلف حلفائه. إيران، بمعسكرها، خلف نظام الأسد، والسعودية، بمالها وعلاقاتها، خلف الائتلاف السوري والفصائل المسلحة. طهران تشعر بأن النظام يحقق انتصارات مهمة على الأرض، وبالتالي، تفاوض من موقع قوة. وتعتقد الرياض "أنها تخوض المعركة على أرض الخصم، فالتكلفة عليها أقل"، وهي غير معنية بإراحة خصومها الآن، "فالمملكة على استعداد لدعم المعارضة مادياً، ولو استمرت الحرب عقوداً"، كما إن الإيرانيين غير جادين بتقديم تنازلات فيما يخص الأسد. هكذا يصف أحد العارفين بخبايا السياسة الخارجية السعودية الموقف.
يقر الوزير ظريف في مقابلةٍ، منشورة في صحفية طهران تايمز، بانتهاء زمن الفوز الكاسح، أو النتيجة الصفرية في العلاقات الخارجية. الآن، بعد توجيه دعوة سعودية لوزير الخارجية الإيراني، يبدو أن جميع الأطراف المعنية بالأزمة أيقنت باستحالة تحقيقها نصراً مؤزراً، وإن الحرب أنهكت الجميع، واستمرارها مدة أطول لن يُحسّن شروط أيّ منهما، وحان وقت الجلوس على الطاولة للتفاوض.
بهذه الصورة، الحرب السورية ليس فيها من منتصر أبداً، لذا، تقع على عاتق إيران والسعودية مسؤولية تاريخية بإنهاء الحرب الأهلية الطاحنة، والشروع في تحقيق مصالحة وطنية، يشارك فيها الجميع، فهما اللاعبان الأكثر تأثيراً هناك. وإمكانية تعاون البلدين في أكثر من ملف واردة، لكن المشكلة الرئيسية بين إيران والسعودية تتمحور حول غياب الثقة بينهما، وستكون الأزمة السورية بالون اختبار حقيقي لمستقبل علاقات البلدين.
منذ ثلاث سنوات، وسورية تنزف بلا توقف، وكل من يحرص على سورية، شعباً ووطناً موحداً، لابد أنه، اليوم، مشغول بالتفكير في حل سريع لوقف هذا النزيف القاتل، وأفضل من قد يتحمل المسؤولية، والقيام بهذه العملية الجراحية العسيرة، الدولتان الأكبر في المنطقة، أعني السعودية وإيران. صحيح أن العلاقات بينهما شهدت انحداراً شديداً مع تفجّر الغضب العربي الذي عبأ الميادين، حيث كان لوجود الرئيس الإيراني المحافظ، محمود أحمدي نجاد، تأثير بالغ على انحدارها إلى مستوى غير مسبوق، إلا أن مبادرة وزير خارجية السعودية، سعود الفيصل، تقديم دعوة لنظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، لزيارة الرياض والتفاوض معها، فتحت بارقة أمل.
يعود تاريخ العلاقات السعودية الإيرانية إلى عهد نظام الشاه بهلوي والملك فيصل 1964، حيث شهدت أول تواصل رسمي بين البلدين الجارين، وكان لطبيعة النظامين الملكيين، وتحالفهما مع أميركا ضد الحركات الاشتراكية والقومية، ومصالح الغرب في المحافظة على استقرار تدفق النفط، العامل الأكبر في تعزيز هذه العلاقة، لكن الثورة الإسلامية في إيران أعادت خلط الأوراق في المنطقة. لم يتوقع أحد في العالم أن يقوم نظام ذو صبغة إسلامية مناهض للغرب بهذه الحِدّة، كما لم تتوقع دول الخليج العربي أن تبدأ إيران الإسلامية عهدها الجديد بشعارات من قبيل "تصدير الثورة"، ما أحدث حالة اضطراب في العلاقة بين النظام الإسلامي وجيرانه.
دخلت إيران ما بعد الثورة سريعاً في حرب مع العراق، فانحازت السعودية للعراق في هذه الحرب، ودعمت صدام حسين، لتقويض النظام الثوري الذي ألهم الجماعات الشيعية على التحرك في دول الخليج. شهدت مكة المكرمة أول تصادم مباشر بين السعودية وإيران في أثناء تظاهر الحجاج الإيرانيين، في حادثة مؤلمة راح ضحيتها نحو 300 حاجّ إيراني وعدد من رجال الأمن السعودي، لكن ما أن توقفت الحرب، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان. غزا صدام الكويت، وشارف على دخول السعودية. ثم هزم في حرب الخليج الثانية، بفضل تدخل الغرب، وانكسر، لكن نظامه ظل موجوداً عنصرَ تهديد لدول الخليج، فكان لوجود عدو مشترك الفضل في تجسير الهوة بين النظامين، الإيراني والسعودي، وساعد على نجاح هذا التقارب وصول الإصلاحيين في إيران إلى الرئاسة، وفي مقدمتهم هاشمي رفسنجاني، عراب المصالحة مع السعودية في التسعينيات، فنتج عن ذلك الانفتاح تجميد الحرب الساخنة، وتكلل بزيارة وزير الداخلية السعودي السابق، الأمير نايف بن عبدالعزيز، لإيران وتوقيع الإتفاقية الأمنية مع نظيره الإيراني سنة 2001. إذن، العلاقة بين الطرفين ليست دائماً في حالة تصادم، كما يتوهم بعضهم، فقد سبق للبلدين أن تعاونا في ملفات كثيرة، تهم مصالح الطرفين، منها التهديد العراقي، والمحافظة على أسعار النفط في منظمة أوبك، واحتواء الأزمة الطائفية.
الآن، يعود الإصلاحيون في إيران إلى الواجهة، مع الرئيس حسن روحاني، في ظروف صعبة للغاية، ويعود معهم العرّاب هاشمي رفسنجاني، حيث البركان الطائفي في حالة هيجان، وحيث إيران النووية حاضرة بثقلها في المشرق العربي، بعد سقوط جدار بغداد، وحيث السعودية تقود محور الاعتدال منفردة، بعد أن فقدت الأمل في أميركا، وبعد أن انكفأت مصر حليفها الأقوى في المنطقة، ما حتّم على الرياض خلع المعطف، والنزول للمنازلة المباشرة في دمشق.
سورية اليوم هي أم المعارك. رمى كل طرف بثقله خلف حلفائه. إيران، بمعسكرها، خلف نظام الأسد، والسعودية، بمالها وعلاقاتها، خلف الائتلاف السوري والفصائل المسلحة. طهران تشعر بأن النظام يحقق انتصارات مهمة على الأرض، وبالتالي، تفاوض من موقع قوة. وتعتقد الرياض "أنها تخوض المعركة على أرض الخصم، فالتكلفة عليها أقل"، وهي غير معنية بإراحة خصومها الآن، "فالمملكة على استعداد لدعم المعارضة مادياً، ولو استمرت الحرب عقوداً"، كما إن الإيرانيين غير جادين بتقديم تنازلات فيما يخص الأسد. هكذا يصف أحد العارفين بخبايا السياسة الخارجية السعودية الموقف.
يقر الوزير ظريف في مقابلةٍ، منشورة في صحفية طهران تايمز، بانتهاء زمن الفوز الكاسح، أو النتيجة الصفرية في العلاقات الخارجية. الآن، بعد توجيه دعوة سعودية لوزير الخارجية الإيراني، يبدو أن جميع الأطراف المعنية بالأزمة أيقنت باستحالة تحقيقها نصراً مؤزراً، وإن الحرب أنهكت الجميع، واستمرارها مدة أطول لن يُحسّن شروط أيّ منهما، وحان وقت الجلوس على الطاولة للتفاوض.
بهذه الصورة، الحرب السورية ليس فيها من منتصر أبداً، لذا، تقع على عاتق إيران والسعودية مسؤولية تاريخية بإنهاء الحرب الأهلية الطاحنة، والشروع في تحقيق مصالحة وطنية، يشارك فيها الجميع، فهما اللاعبان الأكثر تأثيراً هناك. وإمكانية تعاون البلدين في أكثر من ملف واردة، لكن المشكلة الرئيسية بين إيران والسعودية تتمحور حول غياب الثقة بينهما، وستكون الأزمة السورية بالون اختبار حقيقي لمستقبل علاقات البلدين.