إيران والسعودية ... من كسب الربيع العربي؟

10 يونيو 2014

الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في زيارته السعودية (أرشيفية)

+ الخط -
شاهدنا في ثلاث سنوات، هي عمر الربيع العربي، ما لم نشاهده في عقود. عاصفة بشرية اجتاحت الميادين، تعبّر عن فشل الدولة الوطنية، في تلبية طموحات مواطنيها. ذابت الحدود بين دول المشرق العربي، وتفسخت الروابط الاجتماعية، وعلى وقع الاستبداد والقهر، فتفشت آفة الطائفية بشكل مُريع، وكادت تتغير الخريطة السياسية في المنطقة كلياً، بعد أن كانت مُستكينة لقسمة محوري "الاعتدال" و"الممانعة".

ثمّة تغيرات حدثت في دول المنطقة، حتى التي لم تصل إليها رياح الربيع العربي تأثرت به. وإيران والسعودية لم تكونا في منأى عن تموجات الربيع، كانتا في قلب الحدث، فاعلتين رئيسيتين في أحداثه، كلّ منهما في موقعها. لكننا، اليوم، نسأل أنفسنا بعد انتكاسة الربيع، أمام ضعف الجماعات الثورية الوطنية، وقوة الدول صاحبة النفوذ والمصالح، عمّن كسب في هذا الربيع ومن خسر، وإن كان النصر غير مكتمل، والنتائج غير نهائية.
في الوهلة الأولى، كانت إيران على شفا إعلان الانتصار الساحق، بعد الظفر بالعراق الجديد، والسيطرة على الحراك الشعبي في طهران عام 2009، حيث لم يعد يشكل خطراً عليها. بعد السقوط المدوّي لحسني مبارك، انتشت طهران بشكل لافت، ومضت في الاعتراف بحكومة الإخوان المسلمين، وسعت إلى تعزيز العلاقة معهم، على حساب النظام القديم الموالي للخليج، وراحت تُروّج لثورة إسلامية في المنطقة، امتداداً لثورتها، على أمل أن تجد لها موطئ قدم في مصر الثورة، لكن "الإخوان" سرعان ما كشّروا عن خطاب طائفي، في مساعٍ لطمأنة الخليج، واستقطاب أمواله، ولمحاولة إقناع دوله بأنهم البديل المناسب عن نظام حسني مبارك. المفاجأة الكبرى حدثت في سورية، إذ لم تكن طهران تحسب حساباً لإمكانية حدوث حراك شعبي في هذا البلد، خصوصاً، مع وجود نظام استخباراتيّ قمعيّ من الدرجة الأولى، لكن شاءت الأقدار ذلك.

في سورية، خسرت إيران من رصيدها كثيراً. خسرت على الأرض لصالح المحور الآخر الذي أصبحت السعودية تُديره مباشرة، لا مداورة، واستنزفت مادياً، فهي على عكس السعودية التي حصدت 700 مليار دولار كاحتياطي، لم تستفد كثيراً من ارتفاع أسعار النفط، بسبب الحصار الاقتصادي الغربي، وخسرت على مستوى الإيديولوجيا؛ فطالما قدمت طهران نفسها للعرب والمسلمين مدافعة عن المظلوم، وعن حق الشعوب في التحرر في خطابات قياداتها، لكن هذه الإيديولوجيا تصدَّعت مع دعم النظام السوري، ما قاد إلى تعاظم نفور الجمهور العربي "السُنّي" منها. في المقابل، كسبت إيران، بالإضافة إلى العراق برنامجها النووي والانفتاح على الغرب الذي اعترف لها به، وهذا هو الأهم لطهران.

على الجانب الآخر، لم تكن للسعودية إيديولوجيا ثورية أصلاً، هي دائماً محافظة، وفي الصف الآخر. سورية هي الاستثناء. استقبلت الرياض الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، فأعلنت صراحةً عن موقفها من الثورات عموماً، حيث باشرت في دعم حلفائها وضمان استمرارهم في الحكم، فعبرت قوات درع الجزيرة جسر الملك فهد، لتثبيت نظام المنامة الحليف، وشرعت في ترتيب النظام اليمني الجديد، بما يضمن بقاء نفوذها فيه. خارجياً، أصبحت السياسة السعودية أكثر استقلالاً عن أميركا، حيث لا يبدو أن الرياض خسرت إلا في مصر، وها هي مصر تعود إلى تحالفاتها القديمة، مع عودة العسكر إلى السلطة، بدعم خليجي.

الأهم في خضمّ هذه التقلبات بالنسبة للسعودية، كان محلياً، أبت أمواج الربيع العربي إلا أن تُحدث أثراً بالغاً على المستوى الداخلي، فباستثناء تحركات فئوية تمت السيطرة عليها، نبّه الربيع العربي الرياض إلى ضرورة تقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز الاستقرار، فاستثمرت الفرصة في إحداث تغييرات كثيرة، في بنية الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بغض النظر عن تقييمنا لها. فدعمت المؤسسات الاجتماعية بمليارات الريالات، بالإضافة إلى غربلة سوق العمل لمعالجة مشكلة البطالة، واستعجال تنفيذ مشروع الإسكان، وعززت من حضور المرأة في المجال العام.

في الشق الأمني، عقدت السعودية صفقات سلاح كثيرة متنوعة، حيث اشترت نحو 72 مقاتلة من نوع تايفون، ومائة زورق نفاث، وعدد 245 من طائرات إف 15 الحديثة، لضمان وتعزيز كفاءة قدراتها الدفاعية والهجومية، ما تجلى في الاستعراض العسكري لمناورة "سيف عبدالله"، الأولى من نوعها في تاريخ المملكة التي تقوم على ثلاث جبهات مختلفة، وقد استعرضت السعودية، أول مرة في تاريخها، الصواريخ البالستية، وتقدر بـ120 صاروخ. وهو ما أكده الباحث الزائر في جامعة هارفارد، السعودي نواف عبيد، في دراسة عن "الاستراتيجية الدفاعية الجديدة للمملكة". أكثر من ذلك، استوعبت تراجع الشرعية المرتكزة على السلفية، فخفّفت منها لصالح الخدمات والأمن، ما يُنبئ بتبدل الذهنية السعودية كذلك، حيث أجرت تنقلاتٍ كثيرة في مراكز السلطة، من الجيل الأول إلى الجيل الثاني من الأمراء، فيما يبدو شروعاً في أكبر وأسرع عملية نقل للسلطة منذ تأسيس المملكة.
في المحصلة، خرجت السعودية أقوى مما كانت عليه قبل الربيع العربي، كما تعزز حضور منافستها إيران إقليمياً ودولياً. الآن، بقاء الأسد في السلطة، ووصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة في مصر، يوحيان بأن سياسية "لا غالب ولا مغلوب" هي الغالبة، وبأن عقارب الساعة توقفت فعلاً عند محوري "الممانعة" و"الاعتدال"، لكن المراقب يعي أن الطرفين يقفان على رمال سياسية متحركة، وأن مناطق نفوذ المحورين حُبلى بالمفاجآت.

 

 

 

   

 

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"